-

ولقد قرئت جل كتب اهـل الـمذاهب ِ ،، وقـول فـقـيـهٍ وفيلسوفاً وراهب ِ
فلم ارىء اكذب من الروافض مذهباً وماخفى أنكى في كهوف الغياهب ِ
ولهم من الاصنام ما لو جحدتـها ،، وانكرتها ؟ عدوك ضمن النواصب ِ
سألت الإله الحق تفريق شملهم ،، من الليل غاداً طائف الويل حاصب ِ

سلسلة الروافض 3

من طرف خبير الاعشاب والتغذية العلاجية عطار صويلح 35 عا م من الخبرة  
التسميات:
الاثنين, أبريل 27, 2015




الأفكار اليهودية المدسوسة


ولقد أخبرنا عن أفكار ابن السوداء هذا، والتي حملها من اليهود المبغضين لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين وأمته أشد البغض وما جاء به عن الله تبارك وتعالى، الناقمين عليه وعليهم، والمكايدين والماكرين له ولهم، من أول يوم دخلوا يثرب وحولوها إلى المدينة، وقضوا على يهود قينقاع وبني النضير وبني المصطلق ويهود خيبر وغيرهم، يخبرنا عن كل ذلك أقدم مؤرخ شيعي، وأول من كتب في الفرق من القوم ألا وهو النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى من أعلام الشيعة في القرن الثالث للهجرة فقال: " السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال: إن علياً ـ عليه السلام ـ أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك ؟. فصيره إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي ـ عليه السلام ـ أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى ـ عليه السلام ـ بهذه المقالة، فقال بعد إسلامه في علي ـ عليه السلام ـ بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلام ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، فمن هناك قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض  (1) ".
ويذكر أبو عمرو بن عبد العزيز الكشي من علماء القرن الرابع للشيعة في أقدم كتاب شيعي في الرجال عديدا من الروايات عن عبد الله بن سبأ وعقائده وأفكاره نثبت بعضاً منها هاهنا:
حدثني محمد بن قولويه. قال: حدثني سعد بن عبد الله. قال حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وأن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم ". 
وبهذا الإسناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين ـ صلوات الله عليهما: لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً ماله لعنه الله، كان علي ـ عليه السلام ـ والله عبداً صالحاً أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله صلى الله عليه وآله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله. 
وبهذا الإسناد: عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ.
وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون (وصي موسى بالغلو)  فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في علي ـ عليه السلام ـ مثل ذلك، وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه  وكفرهم فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية  (2) ".
وقال الحلي الشيعي الحسن بن علي في كتابه (الرجال) المشهور:
" عبد الله بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو، كان يدعي النبوة وأن علياً ـ عليه السلام ـ هو الله، فاستتابه عليه السلام ثلاثة أيام فلم يرجع، فأحرقه في النار في جملة سبعين رجلاً ادعوا فيه ذلك  (3) ".
ومثل ذلك القول قال إمام متأخري الشيعة في الرجال الماماقاني كتابه (تنقيح المقال  (4) "
وذكر مؤرخ شيعي إيراني في تاريخه بالفارسية:
إن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (أي عثمان بن عفان)  كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به، وبعد رسوخه فيهم بدا يروج مذهبه ومسلكه، وإن لكل نبي وصياً وخليفة، فوصي رسول الله وخليفته ليس إلا علياً، المتحلي بالعلم والفتوى، والمتزين بالكرم والشجاعة، والمتصف بالأمانة والتقى، وقال: إن الأمة ظلمت علياً، وغصبت حقه، حق الخلافة والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان وبيعته، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه، وخرجوا على الخليفة عثمان  (5) ".
ومثل ذلك قال الرجالي الشيعي الإسترا آبادي: إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين "ع" هو الله تعالى، فبلغ أمير المؤمنين ذلك فدعاه وسأله، فأقر، وقال: نعم أنت هو. فقال له أمير المؤمنين: قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك، فأبى، فحبسه ثلاثة أيام، فلم يتب، فأحرقه بالنار  (6) ".
ولكن ابن أبي الحديد الشيعي الغالي المعتزلي شارح النهج يخالف ذلك بأن علياً أحرقه فإنه يرى أن القول بتأليه علي لم يظهره عبد الله بن سبأ إلا بعد وفاة علي رضي الله عنه  فأظهره واتبعه قوم فسموا السبئية  (7) ".
ويؤيده في ذلك من السنة عبد القادر البغدادي ولكنه يضيف إلى ذلك أن علياً لم يحرقه خوفاً من شماتة أهل الشام حيث يذكر ابن سبأ والسبئية:
السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي رضي الله عنه  وزعم أنه كان نبياً، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، ودعا إلى ذلك قوماً من غواة الكوفة، ورفع خبرهم إلى علي رضي الله عنه  فأمر بإحراق قوم منهم في حفرتين، حتى قال بعض الشعراء في ذلك:
لترم بي الحوادث حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين

        ثم إن علياً رضي الله عنه  خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه  زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن علياً، وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة علي، وأن علياً صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم رضي الله عنه وقال: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل علي، وإنما رأت اليهود والنصارى شخصاً مصلوباً شبهوه بعيسى، كذلك القائلون بقتل علي رأوا قتيلا يشبه علياً فظنوا أنه علي، وعلي قد صعد إلى السماء، وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه وزعم بعض السبئية أن علياً في السحاب وأن الرعد صوته والبرق صوته، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين.
وقد روي عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن سبأ قيل له: إن علياً قد قتل، فقال: إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته، لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الأرض بحذافيرها.
وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي دون غيره، وفي هذه الطائفة قال إسحاق بن سويد العدوي قصيدة برىء فيها من الخوارج والروافض والقدرية منها هذه الأبيات:
برئت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وابن باب
 ولـكـنـي أحب بكل قلبـي       وأعلم أن ذاك من الصواب
رسول الله والصديق حـبــا به أرجو غداً حسن الثواب


... وقال المحققون من أهل السنة: إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى ـ عليه السلام ـ فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الأهواء في الكفر ودلس ضلالته في تأويلاته  (8) .
وذكر هذه وعقائده وجماعته من الشيعة كل من سعد القمي المتوفي  301هـ  (9) ".
والطوسي شيخ الطائفة.  (10) والتستري في (قاموس الرجال)  (11) وعباس القمي في (تحفة الأحباب)  (12) والخوانساري في (روضات الجنات)  (13) و الأصبهاني في (ناسخ التواريخ) وصاحب (روضة الصفا) في تاريخه  (14) ".
كما ذكر عقائده علماء من السنة كالبغدادي في (الفرق بين الفرق) كما مر آنفاً.
وبمثل هذا قال الإسفراييني في كتابه (التبصير  (15) والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين  (16) وابن حزم في الفصل وغيرهم.
وقال الشهرستاني تحت عنوان السبئية:
السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي رضي الله عنه: أنت أنت يعني أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، وزعموا أنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصي موسى مثل ما قال في علي رضي الله عنه: ـ وهو أول من أظهر بالرفض بإمامة علي، ومنه انشعبت أصناف الغلاة، وزعموا أن علياً حي لم يقتل وفيه الجزء الإلهي، ولا يجوز أن يستولى عليه، وهو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته والبرق سوطه، وإنه سينزل بعد ذلك إلى الأرض فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا، وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي رضي الله عنه: ـ  (17) ".
وقال ابن عساكر في (تاريخه) عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه  خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: أنت دابة الأرض، فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله، فاجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفه إلى سابط المدائن  (18) "...
وأخيراً ننقل ما كتبه أحمد أمين عنه وعن جماعته:
انتشرت الجماعة السرية في آخر عهد عثمان تدعو إلى خلعه وتولية غيره، ومن هذه الجمعيات من كانت تدعو إلى علي، ومن أشهر الدعاة له عبد الله بن سبأ ـ وكان من يهود اليمن فأسلم ـ فقد تنقل في البصرة والكوفة والشام ومصر يقول: إنه كان لكل نبي وصي، وعلي وصي محمد، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم  ووثب على وصيه، وكان من أكبر الذين ألبوا على عثمان حتى قتل  (19) ".
" وأنه وضع تعاليم لهدم الإسلام، وألف جمعية سرية لبث تعاليمه، واتخذ الإسلام ستاراً يستر به نياته، نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته فطرده واليها، ثم أتى الكوفة فأخرج منها، ثم جاء مصر فالتف حوله ناس من أهلها، وأشهر تعاليمه: الوصاية والرجعة. فأما الوصاية فقد أبناها قبل، وكان قوله فيها أساس تأليب أهل مصر على عثمان، بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة من علي بغير حق، وأيد رأيه بما نسب إلى عثمان من مثالب، وأما الرجعة فقد بدأ قوله بأن محمداً يرجع، وكان مما قاله: العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع، ويكذب أن محمداً يرجع، ثم نراه تحول ـ ولا ندري لأي سبب ـ إلى القول بأن علياً يرجع. وقال ابن حزم: إن ابن سبأ قال ـ لما قتل علي ـ لو أتيتموني بدماغه ألف مرة ما صدقنا موته، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وفكرة الرجعة هذه أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم أن النبي إلياس (عليه السلام)  صعد إلى السماء، وسيعود فيعيد الدين والقانون، ووجدت الفكرة في النصرانية أيضاً في عصورها الأولى  (20) ".
فهذا هو عبد الله بن سبأ وهذه دعوته وأفكاره وعقائده، وهذه هي الأفكار التي حملها من اليهودية والمجوسية وغيرها بخطة مدبرة ومؤامرة محكمة من قبل أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام وأعداء الأمة وقادتها وأبطالها لبث سمومها بين المسلمين باسم الإسلام. وسوف نرى ونحقق كيف اعتنق الشيعة هذه الأفكار وتمسكوا بهذه العقائد، وكيف تطور التشيع الأول وتغيرت الشيعة الأولى وتسربت فيهم نفس الأفكار التي كان يرد عليها ويعارضها علي رضي الله عنه  وكيف توغل في الشيعة من كان يطاردهم ويتبرأ منهم منهم ويؤدبهم ويقتلهم علي، ويلعنهم أبناءه وأولاده

منكروا ابن سبأ والرد عليهم


أولاً: موقف المستشرقين:
أما المستشرقون فأنكروه، وقالوا: إنه شخصيةٌ وهميةٌ تخيلها محدثوا القرن الثاني، ومن هؤلاء المستشرقين الذين أنكروه اليهودي الإنكليزي الدكتور برنارد لويس (LEWIS,B.)  (1) ويوليوس فلهوزن (WELLHAUSEN-J)  (2) اليهودي الألماني الذي بدأ دراسته باللاهوت. وفرييدلاندر (FRIEDLAENDER)  (3) الأمريكي والأمير كايتاني (CETANI)  (4) الإيطالي.
ومن المعلوم عند العقلاء المنصفين أن ديننا وعقيدتنا وتاريخنا وما يتعلق بتراثنا لا يمكن أن نعتمد فيه على تقولات ودراسات هؤلاء الحاقدين الذين ينضوون تحت راية الحروب الصليبية بمنهج وأسلوب فكري، لا أسلوب السيف والبارود، ولو كانوا أصحاب نوايا صادقة لشرح الله صدورهم بالإيمان لما اطلعوا على صفاء الإسلام ونقاء ثوبه، ولكنهم كرسوا جهودهم وأفْنَوا حياتهم في إلقاء الشُبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي. ومعظم هؤلاء المستشرقين من القسس واليهود، وأعمالهم ومناهجهم تنظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفراداً هوايتهم العلمُ والبحثُ وهم قلةٌ قليلةٌ.  (26) 

ثانياً: أتباع المستشرقين:
أما أتباع المستشرقين الذين خدعوا بهم وغرَّهم منهجهم العلميُّ المزعوم فيرددون ما يطرحون من أفكار ودراسات ويدندنون حول معتقداتهم لينالوا الزلفى منهم وعلى رأسهم الدكتور طه حسين  (5) الذي غُذّي حُجيرات مُخه بفكر المستشرقين حتى كان يقول: "إنني أفكرُ بالفرنسية وأكتبُ بالعربية"  (6) .
ويكفيه خزياً أنه كان مطية لليهود. فدعاة الشيوعية في مصر في مطلع هذا العصر كانوا يهوداً وهم "هنري كوريل، وداؤول كوريل، وريمون أجيون" وكان هؤلاء وغيرهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضاً. 
وقد تعاقدوا مع الدكتور طه حسين على إصدار مجلة الكتاب المصري، وكان الدكتور طه حسين قد أعلن تأييدهُ لمفهوم اليهودية التلمودية باكرا حين أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل, وكذب القرآن والتوراة, ولم يكن يُعرف في هذا الوقت الباكر أن ذلك تمهيدٌ لتحقيق أهداف الصهيونية  (7) وغير ذلك من الأفكار والضلالات التي لم يجرؤ حتى المستشرقون بالإفصاح والإعلان عنها  (8) .
- أضواء على طه حسين:
 ومن المعلوم عن طه حسين أن أباه جاء إلى صعيد مصر – مديرية المنيا- من بلدٍ غير معلوم من الغرب وكان يعملُ وزاناً في شركة يهودية للسكر، وطه حسين هو الذي تبنى إصدار قرار بتعيين الحاخام اليهودي (حاييم ناحوم أفندي) حينذاك عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة ليكون عيناً على المفكرين ورجال اللغة، كما أنه عين عدداً من الأستاذة الأجانب في كلية الآداب استوردهم، وبعضهم يهود وكلهم كانوا يحاربون الإسلام أو يشككون فيه. 
وأول دكتوراه منحتها (كلية الآداب) في جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور طه حسين كانت بعنوان (القبائل اليهودية في البلاد العربية) تقدم بها (إسرائيل ولفنسون) عميد جامعة هادسا في تل أبيب الآن  (9) .
بعد هذه الأضواء التي تظهر لنا بوضوح ولاء الدكتور طه حسين لليهود لا نستغرب إنكاره لابن سبأ. 
يقول طه حسين: إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان مُتكلفاً منحولاً قد اخترُع بأضَرَة فحين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم.. إلخ كلامه  (10) .
أدلة الدكتور طه حسين:
 ويستدل على ما ذهب إليه البلاذري لم يذكر شيئاً عن ابن السوداء ولا أصحابه في أمر عثمان. 
ثم يستغرب الدكتور طه حسين كيف أن حادثة تحريق عليّ للذين ألَّهوه والتي ذكرها الطبري كيف لم يذكرها بعض المؤرخين ولم يُؤقتها، وإنما أهملوها إهمالاً تاماً؟!. الرد عليه: أما عدم ذكر البلاذري لابن سبأ فلا يعني أسطورة وجوده؛ لأنه قد يذكر بعض المؤرخينَ ما لا يذكره البعضُ الآخر منهم، ثم هل التزم البلاذري بذكر كل الوقائِع والأحداث؟: وربما لو ذكر البلاذري أخبار ابن سبأ وأصحابه لقال البلاذري لا يعتمدُ على أخباره؛ لأنه غير متفق على توثيقه.أما حادثة تحريق الإمام علي  رضي الله عنه للذين ألُّهوه فسنذكرها في موقف الإمام علي من عبد الله بن سبأ وأصحابه، حيث ذُكرتْ في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وهذه الروايات تغني عن الروايات التاريخية. 
إضافة إلى ذلك فقد ذُكرت في الكتب الموثقة عند الشيعة.
- الدكتور محمد كامل حسين:
واعتبر الدكتور محمد كامل حسين قصة ابن سبأ أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء  آخر  (11) متابعاً في ذلك الدكتور طه حسين، ولم يذكر أي دليل لما يراه.
- الدكتور حامد حفني داود:
وكذلك يرى الدكتور حامد حفني داود رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس أن ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتتْ من زمام الباحثين وغمَّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا لها. هذه المفتريات التي افتروها على الشيعة حتى لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم  (12) .
الرد عليه:
والدكتور حامد هذا أحد المخدوعين بفكرة التقريب، بل أحدُ الدُعاة إليها، فلا يستغرب منه هذا الكلام مادام يتقربُ من المشككين بكتاب الله والطاعنينَ في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين ينالون من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أمثال مرتضى العسكري صاحب كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق) وكتاب (أحاديث أم المؤمنين عائشة).  (27) 

ثالثاً: الشيعة الذين ينكرون ابن سبأ
أما الشيعة في العصر الحاضر فينكرون وجود ابن سبأ؛ والسبب الحقيقي لإنكارهم إياه عقيدته، التي بثها وتسربتْ إلى فِرق الشيعة حتى المتأخرة منها، وسنذكر أقوال وآراء المنكرين ثم نثبتُ وجوده وعقيدته من المصادر المعتمدة عند الشيعة. 
- محمد جواد مغنية وابن سبأ:
عبد الله بن سبأ في نظر الشيخ جواد مغنية هو البطلُ الأسطوري الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس له به علمٌ وتكلمَ عنهم جهلاً وخطأ أو نفاقاً وافتراء  (13) .
- مرتضى العسكري وابن سبأ:
وزعم مرتضى العسكرى أنه ناقش جميعَ من ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ وخرج بنتيجةٍ هي أنه ابن سبأ (شخصية وهمية خرافية ابتدعها واختلقها سيف بن عمر  (14) وصنف كتاباً خاصاً بابن سبأ بعنوان: (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).
- الدكتور على الوردي وابن سبأ:
وأما الدكتور على الوردي صاحب (وعاظ السلاطين) فيرى أن ابن سبأ هو نفسهُ عمار بن ياسر ويستدل على ذلك بما يلي: 
أن ابن سبأ كان يُكنى بابن السوداء ومثله في ذلك عمار. 
كان عمار من أبٍ يماني، ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ فكلُ يماني يَصحُ أن يقال عنه أنه ابن سبأ. 
وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب يدعو له ويُحرضُ الناسَ على بيعته في كل سبيل. 
وقد ذهب عمار في أيام عثمان إلى مصر وأخذ يُحرّضُ الناس هناك على عثمان فضجَ الوالي منه وهمّ بالبطش به. 
ويُنسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حقٍ وإن صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب.
6و7- قضايا تتعلق بدور عمار في حرب الجملِ، وفي علاقته مع أبي ذر الغفاري، ويستخلص الوردي أن ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر، فقد كانت قريش تعتبر عماراً رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم تشأ في أول الأمر أن تُصرح باسمه، فرمزت عنه بابن سبأ أو ابن السوداء، وتناقل الرواةُ هذا الرمز غافلين وهم لا يعرفون ماذا كان يجري وراء الستار  (15) .
ويقول الدكتور: ويبدوا أن هذه الشخصية العجيبة اخترعتْ اختراعاً وقد اخترعها أولئك الأغنياء الذين كانتْ الثورة موجهةُ ضدهم  (16) .
- الدكتور كامل الشيبي وابن سبأ:
ثم يأتي بعد الوردي كاتبٌ آخر هو الدكتور مصطفى الشيبـي الذي تابعَ الوردي في أوهامِه وخبطهِ العشوائي، وحاول أن يُعزّزَ ما ذهب إليه بإيراد نصوص تثبت القضايا التي وردتْ في محتوياته، وتابع كذلك الدكتور طه حسين في حرقِ الإمام علي  رضي الله عنه للسبئية فيقول: أما قضية إحراق علي المزعوم للسبئية فإنه خبرٌ مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقةٌ في كتاب معتبرٍ من كتب التاريخ. 
ولعل أصل هذا الحادث يتصل بإحراق خالد بن عبد الله القسري (بياناً) وخمسة من أتباعه الغُلاة، ثم لما تقدم بها الزمن زُحزحتْ الحادثة إلى الأمام قليلاً حتى اتصلت بعلي  (17) .
 
الرد على الوردي والشيبـي:
أما ما ذهب إليه الوردي وتابعُه الشيبـي وغيرهُ بأن عبد الله بن سبأ هو نفسهُ عمار بن ياسر فكُتب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة تردُ على هذا القول؛ وذلك أن كتبهم ذكرتْ ترجَمة عمار بن ياسر في أصحاب الإمام علي  رضي الله عنه والرواة عنه، وتعدُه من الأركان الأربعة  (18) وذكرت ترجمة عبد الله بن سبأ وتذكر اللعنة عليه، وتمدح عماراً فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين  (19) ؟.
وأما تحريق السبئية فسوف نذكر الأدلة الصحيحة في موقف الإمام منهم. 
- الدكتور عبد الله فياض وابن سبأ:
 وكذلك أنكره الدكتور عبد الله فياض في كتابه (تاريخُ الإمامية وأسلافهم من الشيعة) وهو كتابٌ مطعمٌ بآراء المستشرقين، وكان المشرفُ عليه الدكتور قسطنطين زريق أحد أساتذة دائرةِ التاريخ بالجامعة الأمريكية ببيروت. 
يقول الدكتور فياض: يبدو أن ابن سبأ كان شخصيةً إلى الخيال أقربُ منها إلى الحقيقةِ، وأن دوره -إن كان له دورٌ- قد بُولغ فيه إلى درجةِ كبيرةٍ لأسباب دينية وسياسية، والأدلةُ على ضعفِ قصةِ ابن السوداء كثيرة  (20) ويستدل بما ذهب إليه مرتضى العسكري اتهام سيف بن عمر البرجمي (ت:170) باختلاق هذه الشخصية، ويزعُم التناقض والمبالغة في الروايات. ويعززُ موقفهُ برأي الوردي، ومتابعة الشيبـي.

- طالب الرفاعي وابن سبأ:
ويظهر بعد هؤلاء المدعو طالب الحسيني الرفاعي فيقول في حاشيتهِ على مقدمة محمد باقر لكتاب (تاريخ الإمامية) والتي طبعها تاجُر الكتب الخانجي بالقاهرة سنة 1397هـ/ 1977م باسم (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) على أنه لو كان ابن سبأ هذا حقيقةُ تاريخيةُ ثابتةً فعلاً، فإنه كما سنذكره مفصلاً في مبحثٍ خاص به لا صلة إطلاقاً بين أفكاره وبين ما اشتملت عليه عقيدةُ الشيعة من الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ لأنها قائمة على روايات في صحاح الفريقين من السنة والشيعةِ كما هي موجودة أيضاً في كتب الفريقين في التفسير والتاريخ وأصول الاعتقاد. 
ومن ثم فالقول بأن التشيع نتيجةٌ من نتائج الفكرة السبئية –كما يدعي- رأي باطل  (21) .
ولا يستغرب هذا الكلام من هذا الرجل الذي زعَم أن أول من قال بالرجعةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يُمت ولنْ يموتَ، إضافة إلى افتراءاته وضلالاته وتزييفه للحقائق الثابتة الصحيحة. 

الرد على الأقوال وعرض لمصادر ترجمة ابن سبأ:
هذه أقوال بعض شيعة العصر الحاضر، وكأنهم لم ينظروا في كتب عقائدهم وفرقهم، ومروياتهم ورجالهم وكتب الجرح والتعديل عندهم. 
وهذه طائفة من الكتب الموثّقةٍ عند الشيعة التي ذكرت عبد الله بن سبأ ومزاعمه وعقيدتُه، والتي حملتْ الإمام علياً  رضي الله عنه وأهل بيته الطاهرين على تكذيب ابن سبأ والتبرؤ منه ومن أصحاب السبئية وما نسبه إلى أهل البيت. 
أول من هذه المصادر المهمة النادرة التي ذكر فيها ابن سبأ: (رسالة الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية الفقيه الموثّق الذي كان يقول: من خلع أبا بكر وعمر فقد خلع السُّنّة. المتوفي  سنة خمس وتسعين للهجرة  (22) والتي رواها عنه الثقاتُ من الرجال عند الشيعة.
ثانياً: كتاب (الغارات) لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد سعيد بن هلال الثقفي الأصفهاني –الذي وثقه ابن طاووس- توفي في حدود 283هـ وكتابه (الغارات) طبع أنجمن آثار ملي إيران. 
ثالثاً: كتاب (المقالات والفرق) لسعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفي  سنة 301هـ، وهو مطبوع في طهران سنة 1963هـ. 
رابعاً: فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري، طبعة كاظم الكتبي في النجف عدة طبعات، وكذا طبعة المستشرق ريتر في استانبول/ 1931م. 
خامساً: (رجال الكشي)   لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي وهو معاصر لابن قولويه المتوفي  سنة 369هـ، ط/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء. 
سادساً: (رجالُ الطوسي)   لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفي  سنة 460هـ، ط/ الأولى في النجف 1381هـ/ 1961م، نشر محمد كاظم الكتبي. 
سابعاً: (شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة) ، لعز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي المتوفي  سنة 656هـ، ط/ الأولى الميمنية 1326هـ وغيرها. 
ثامناً: (الرجال)   للحسن بن يوسف الحلي، المتوفي  سنة 726هـ، طبعة طهران 1311هـ/ وطبعة النجف 1961م. 
تاسعاً: (روضات الجنات) ، لمحمد باقر الخوانساري المتوفي  سنة 1315هـ، طبعة إيران 1307هـ. 
عاشراً: (تنقيحُ المقال في أحوال الرجال)   للشيخ عبد الله الماماقاني المتوفي  سنة 1351هـ، طبعة النجف 1350هـ في المطبعة المرتضوية. 
حادي عشر: (قاموس الرجال)   لمحمد تقي التستري منشورات مركز نشر الكتاب طهران 1382هـ. 
ثاني عشر: (روضة الصفا) تاريخ عند الشيعة معتمد بالفارسية (2/292) طبعة إيران. 
ثالث عشر: دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر ومجدد ما دثر لمحمد حسين الأعلمي الحائري، ط/ 1388هـ/ 1968م في المطبعة العلمية بقم. 
رابع عشر: (الكنى والألقاب)   لعباس بن محمد رضا القمى، ت:1359هـ، ط/ العرفان صيدا.
هذا ما تيسر لنا من كتب القوم التي اطلعنا عليها، وهناك عدد كبير من كتبهم المخطوطة والمطبوعة فيها ذكر ابن سبأ والسبئية منها: (حلُّ الإشكال) لأحمد طاووس المتوفي  سنة 673هـ. 
و(الرجال) لابن داود المؤلف سنة 707هـ، و(التحرير الطاووسي) للحسن بن زين الدين العاملي، المتوفي  سنة 1011هـ و(مجمع الرجال) للقهبائي المؤلف سنة 1016هـ، و(نقد الرجال) للتفرشي الذي ألفه سنة 1015هـ، و(جامع الرواة) للأردبيلي المؤلف سنة 1100هـ، و (موسوعة البحار) للمجلسي المتوفي  سنة 1110هـ  (23) وابن شهر آشوب المتوفي  سنة 588هـ  (24) وابن محمد طاهر العاملي (ت:1138هـ) 

عقيدة ابن سبأ وضلالاته


بعد أن ذكرنا طائفةً من كتب الشيعةِ الموثّقة والمعتمدة عندهم، نذكر أهم الأمور التي اعتقدها ابن سبأ وحمل أتباعه على الاعتقاد بها والدعوة إليها، وهكذا تسربتْ هذه الأفكارُ الضالةُ إلى فرق الشيعة؛ والسبب في استدلالنا في بيان معتقدِ هذا اليهودي من كتبهم ومن رواياتهم عن المعصومين عندهم: 
لأنهم يقولون: "إن الاعتقاد بعصمةِ الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحةٌ دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة  (1) .
ويقولون أيضاً: (ولما كان الإمام معصوماً عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول)  (2) .
ويقول المامقاني: إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم  (3) .
وكتاب الماماقاني من أهم كتب الجرح والتعديل عندهم. 
بعد هذه الأقوال التي تُلزم القوم بقبول الأخبار المروية في مصنفاتهم، نذكر أهم الضلالات التي نادى بها ابن سبأ وهي: 
1- القول بالوصية: وهو أول من قال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه خليفته على أمته من بعده بالنص. 
2- أول من أظهر البراءة من أعداء علي  رضي الله عنه –بزعمه- وكاشفَ مخالفيه وحكم بكفرهم. 
والدليل على مقالته هذه ليس من تاريخ الطبري، ولا من طرق سيف بن عمر، بل ما رواه النوبختي والكشيّ والماماقاني والتستري، وغيرهم من مؤرخي الشيعة. 
يقول النوبختي:"وحكى جماعةٌ من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصّي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو. فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه – يقول النوبختي- فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود"  (4) وفي هذا المقام نشير إلى أن فكرة الوصية التي اعتمد عليها ابن سبأ ذُكرتْ في التوراة في أصحاح (18) من سفر (تثنية الاشتراع) وفيه أنه لم يخلُ الزمان أبداً من نبي يخلفُ موسى ومن نوعه ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيشُ أثناء حياته.
ويقول النوبختي عند ذكره السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعنَ على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك  (5) .
2- كان أول من قال بألوهية وربوبية علي رضي الله عنه. 
3- كان أول من ادعى النبوة من فِرق الشيعة الغُلاة. 
والدليل على ذلك ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن قولويه القمي قال: حدثني سعد بن عبد الله ابن أبي خلف القسي، قال: حدثني محمد بن عثمان العبدي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان، قال: حدثني أبي عن أبي جعفر رضي الله عنه، أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين رضي الله عنه، هو الله، - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- فبلغ ذلك أمير المؤمنين  رضي الله عنه فدعاه وسأله فأقرّ بذلك، وقال: نعم أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبيّ، فقال له أمير المؤمنين رضي الله عنه: ويلك قد سَخِرَ منك الشيطانُ فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتُبْ، فأّبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار. 
والصواب أنه نفاه إلى المدائن بعد أن شفع له على ما سنبينه في موقف الإمام منه، وقال –أي الإمام- أنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك  (6) .
وروى الكشي بسنده أيضاً عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثني يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله  رضي الله عنه يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إنه لما ادعى ذلك استتابه أمير المؤمنين  رضي الله عنه فأبى أن يتوب وأحرقه بالنار  (7) .
5- كان ابن سبأ أول من أحدث القول برجعة علي  رضي الله عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول مكان أظهر فيه ابن سبأ مقالته هذه في مصر فكان يقول: العجبُ ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذّب برجوع محمد وقال الله عز وجل:   إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ  [ القصص:85]، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى فقيل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها  (8) .
فإن لم يرض القوم برواية ابن عساكر الثقة التي رواها في تاريخه وكذا غيره فاسمع ما قالته السبئية لمن أخبرهم بمقتل سيدنا علي  رضي الله عنه ونعاه، قالوا له: "كذبت يا عدو الله لو جئتنا –والله- بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدّقناه ولعلمنا أنه لم يمت ولم يُقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض.. إلخ  (9) .
وهذا الخبر ذكره سعد بن عبد الله الأشعري القمي صاحب كتاب (المقالات والفرق) الذي هو موضع ثقة عند الشيعة، ونقل النوبختي في فرق الشيعة مقالة السبئية أيضاً وهي:"أن علياً لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئتْ ظلماً وجوراً" 
بقي علينا في هذا المقام أن نعرف مفهوم عقيدة الرجعة عند الشيعة. 
يقول محمد رضا المظفر: "إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يُعيدُ قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر، ويديلُ المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ولا يرجعُ إلا من علتْ درجته في الإيمان أو من بلغ من الفساد ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم، تمنى هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ[غافر:11]  (10) .
وروى القمي- وهو الثقة عندهم- بسنده إلى أبي عبد الله حيث فسر قوله تعالى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:42] بالرجعة، وقال صيحة القائم من السماء ذلك يوم الخروج قال هي: الرجعة  (11) .
واشترط الشيعة في الرجعة من محض الإيمان أو الكفر فيقول القمي: "حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا  [النمل:82] قال: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً  (12) .
والتفسير الصحيح لهذه الآية التي استدل بها المظفر ما روي عن ابن مسعود  رضي الله عنه قوله: "هي مثل التي في البقرة وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28] كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت. أخرجه الفريابي وعبد الله بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه  (13) .
وعن ابن عباس  رضي الله عنه أنه قال: كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان فهو كقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28]  (14) .
6- ادعى ابن سبأ اليهودي: أن علياً  رضي الله عنه هو دابة الأرض, وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق. 
قال ابن عساكر: "روى الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: لما بُويعَ علي  رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: أنت دابة الأرض فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك. فقال اتق الله, فقال: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضةُ فقالت: دَعْهُ وانْفِهِ إلى ساباط المدائن  (15) .
فإن لم يرض القوم برواية الحافظ ابن عساكر نذكر بعض روايات كتبهم.. المعتمدة منها: ما رواه القمي في تفسيره الموثق عندهم، قال القمي: فأما قوله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً إلى قوله:بآياتنا [النمل:82] فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له: قم يا دابة الله فقال: رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمى بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة, وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]، ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم  (16) تسم به أعداءك، فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تكلمهم؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: كلمهم الله في نار جهنم إنما هو يكلمهم من الكلام  (17) .
ومنها ما رواه رواتهم الثقات عندهم عن علي  رضي الله عنه أنه قال: "ولقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحبُ الكرّات –أي الرجعات إلى الدنيا- ودولة الدول، وإني لصاحبُ العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس". 
وروى علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله  رضي الله عنه قال: قال رجل لعمار بن ياسر، يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي، قال عمار: وأية آية هي، فقال: هذه الآية –أي: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]. 
فأية دابة الأرض هذه؟ قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين  رضي الله عنه وهو يأكل تمراً وزبداً فقال: يا أبا اليقظان هلم، فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: سبحانه الله حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها، قال عمار: أريتكها إن كنت تعقل  (18) .
7- وقالت السبئية: إنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ(الطيارة) يقول ابن طاهر المقدسي: وأما السبئية فإنهم لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس  (19) .
ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح الرواة. 
يقول الطوسي وهو أحد الأئمة الأثبات عند الشيعة في ترجمة نصر بن صباح يُكنى أبا القاسم من أهل بلخ – وبلخ في أفغانستان- لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء، وروى عنهم إلا أنه قيل كان من (الطيارة) غالٍ  (20) . ونصر بن الصباح هذا عده الماماقاني من الأئمة الذين صنفوا في معرفة الرجال – أي عند الشيعة – وقال أي الماماقاني في التعليقة: من تتبع الرجال يظهر عليه أن المشايخ قد أكثروا من النقل عنه على وجه الاعتماد وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه، وذكر له الماماقاني كتاب (معرفة الناقلين) وكتاب (فرق الشيعة)  (21) .
8- وقال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا: (بتناسخ الأرواح) يقول ابن طاهر المقدسي: ومن الطيارة (أي السبئية) قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسى ثم انتقلت إلى علي ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة. 
وعامة هؤلاء يقولون بالتناسخ والرجعة  (22) ولعل كتاب الحسن بن موسى النوبختي المسمي بـ(الرد على أصحاب التناسخ) صنفه النوبختي في الرد عليهم  (23) .
9- وقالت: السبئية: هُدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي عنهم. 
10- وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي، ولقد رد على مقالتهم هذه أحد أئمة أهل البيت وهو الحسن بن محمد بن الحنفية في رسالته التي سماها بـ(الإرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة فيقول: ومن قول هذه السبئية هُدينا لوحي ضلّ عنه الناس، وعلمٍ خفي عنهم، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله كتم تسعة أعشار الوحي. ولو كتم صلى الله عليه وآله شيئاً مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]  (24) . وقال الحافظ الجورجاني (ت 259هـ) عن ابن سبأ: زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي فنهاه علي بعدما همّ به  (25) .
11- وقالوا: إن علياً في السحاب، وإن الرعد صوته، والبرق سوطه، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين  (26) ولقد أشار إلى معتقدهم هذا إسحاق بن سويد العدوي في قصيدة له برئ فيها من الخوارج والروافض والقدرية، منها:
برئتُ من الخوارج لسْتُ منهم من الغزّال منهم ابن باب
ومن قومٍ إذا ذكروا عليا   يُردُّون السّلام على السّحاب  (27)  


 وعقب الشيخ محيي الدين عبد الحميد –رحمه الله- على هذا المعتقد بقوله: "ولا زلت أرى أطفال القاهرة يجرون وقت هطول الأمطار، ويصيحون في جريهم: (يا بركة علي زودِ)  (28) أقول: ليس الأطفال فقط بل بعض الذين قال الله تعالى فيهم في آخر سورة الشعراء: والشعراء يتبعهم الغاوون[الشعراء: ] منهم الشاعر محمد عبد المطلب في قصيدته العلوية التي ألقاها في سنة 1919م في الجامعة المصرية والتي – القصيدة – جاوزت الأربعمائة بيت:
أجَدّك ما النياق وما سُراها تخوض بها المهامه والأكاما  
وما قطرُ الدخان إذا استقلت   بها النيران تضطرم اضطراما
فهب لي ذات أجنحة لعليّ بها ألقى على السُحاب الإماما

 وغير ذلك من المقالات والآراء الضالة.  (29) 
موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ


اختلفت الروايات عن موقف علي  رضي الله عنه من ابن سبأ حينما ادعى ألوهيته:
بعض الروايات تذكر أن علياً استتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه في جملة سبعين رجلاً  (1) .
وبعض الروايات تذكر أن ابن سبأ لم يظهر القول بألوهية علي إلا بعد وفاته، وهذا يؤيد الرواية التي تذكر أنه نفاه إلى المدائن حينما علم ببعض أقواله، وغلوه فيه  (2) .
وبعض الروايات تذكر أن علياً علم بمقالة ابن سبأ في دعوى ألوهيته، ولكنه اكتفى بنفيه خوف الفتنة واختلاف أصحابه عليه، وخوفاً كذلك من شماتة أهل الشام.
وكان هذا بمشورة ابن عباس رضي الله عنهما، أو الرافضة كما قيل في هذه الرواية  (3) .
والواقع أن الروايات التي تذكر أن علياً ترك ابن سبأ فلم يحرقه واكتفى بنفيه مع عظم دعواه وشناعة رأيه فيه –أمر فيه نظر، بل غير وارد كما أتصور، إذ يستبعد - حسبما يظهر لي- أن يتركه علي يعيث في الأرض فساداً، ويدعو إلى ألوهيته أو نبوته أو وصايته أو التبرأ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يكتفي بنفيه فقط إلى المدائن، وهو يعلم أنه باق على غلوه، وأنه سيفسد كل مكان يصل إليه.
ويمكن أن يقال –وهو أقل اعتذار: إنه تركه لعدم ثبوت تلك الأقوال عنده؛ لأن ابن سبأ كان يرمي بها من خلف ستار.
أو لأن دعوى الألوهية لم توجد إلا بعد وفاة علي  رضي الله عنه كما يرى بعضهم، وأنه حينما نفاه إلى المدائن كانت دعواه لم تصل إلى حد تأليهه لعلي رضي الله عنه.
وقد جرأت هذه الدعوى الكثير بعد ذلك على دعوى الألوهية لأشخاص من آل البيت بل ومن غيرهم.  (29) 
قال علي رضي الله عنه: "سيهلك في صنفان محب مفْرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق وخير الناس فِيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة  (4) .
وهكذا شاء الله أن ينقسم الناس في علي  رضي الله عنه إلى ثلاثة أقسام: 
القسم الأول: مبغض، وهؤلاء هم الذين تكلموا فيه بل غالى بعضهم فقالوا بكفره كالخوارج. 
والقسم الثاني: أفرط في حبه وذهب به الإفراط إلى الغلو حتى جعلوه بمنـزلة النبي بل ازدادوا في غيهم فقالوا بألوهيته: 
وأما السواد الأعظم فهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح حتى الوقت الحاضر فهم الذين أحبوا علياً وآل بيته المحبة الشرعية، أحبوهم لمكانتهم من النبي صلى الله عليه وسلم. 
ولقد جابه عليّ  رضي الله عنه القسم الأول فقاتلهم بعد أن ناظرهم وأخباره معهم معروفة مسرودة في كتب التاريخ، ونريد أن نرى موقفه هو وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه. 
لما أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه, أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذ يكذب ويفتري على عليّ بن أبي طالب نفسه, قال عامر الشعبي –وهو أحد كبار التابعين توفي 103هـ: أول من كذب عبد الله بن سبأ, وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان عليّ يقول مالي ولهذا الحميت الأسود (والحميت هو المتين من كل شيء)  (5) يعني ابن سبأ وكان يقع      في أبي بكر وعمر  (6) .   
وروى ابن عساكر أيضاً: أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقص أبابكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهمّ بقتله، فشفع فيه أناس فقال: والله لا يُساكنني في بلد أنا فيه، فسيره إلى المدائن  (7) .
وقال ابن عساكر أيضاً: روى الصادق –وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ - وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة، روى عن آبائه الطاهرين، عن جابر قال: لما بويع علي  رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له أنت دابة الأرض  (8) فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال: اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفِه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة – يعني الكوفة – خرج أصحابه علينا وشيعته, فنفاه إلى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة، أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزاً يتجمعون فيه، قال: أي جابر – ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلاً قال: ارجعوا فإني علي بن أبي طالب أبي مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نرجع دع داعيك، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علنا أنه إله، واحتجوا بقول ابن عباس: لا يعذب بالنار إلا خالقها  (9) .
هذا موقف الإمام علي  رضي الله عنه في ابن سبأ وأتباعه، نفاه إلى المدائن وأحرق طائفة من أتباعه، ومن لم يقتنع بهذه الروايات والتي بعضها رواها أحد المعصومين عند القوم وأبى إلا المكابرة والعناد، نذكر له ما ورد في حرق هؤلاء في الروايات الصحيحة عند أهل السنة والجماعة وبعدها روايات القوم.
روى البخاري في (صحيحه) في كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، بسنده إلى عكرمة أن علياً  رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تعذبوا بعذاب الله)) ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدّل دينه فاقتلوه)) (10) .
وروى البخاري في (صحيحه) في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال: "أتى عليّ  رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم"  (11) .
ورواه كذلك أبو داود في (سننه): في كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بلفظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس، وروى كذلك النسائي في سننه  (12) نحوه.
ورواه الترمذي في (الجامع): في كتاب الحدود، باب ما جاء في المرتد، وفي آخر، فبلغ ذلك علياً فقال: صدق ابن عباس: قال أبو عيسى، هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد  (13) .
وروى البخاري أيضاً في (صحيحه) في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال: أتى عليّ رضي الله عنه  (14) بزنادقة فأحرقهم.
وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد ابن غفلة "أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: صدق الله ورسوله"  (15) .
وفي الجزء الثالث, من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي إن هنا قوماً على باب المسجد يدعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء الله وإن عصيته خشيته أن يعذبني, فاتقوا الله وارجعوا  فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم فقالوا كذلك, فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنّكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال:
إني رأيت أمراً منكراً أو قدت ناري ودعوت قنبرا

وقال ابن حجر: هذا سند حسن  (16) .
إضافة إلى هذه الروايات، فقد روى الكليني في كتابه (الكافي) –الذي هو بمنـزلة صحيح البخاري عند القوم، روى في كتاب الحدود في باب المرتد بسنده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربنا فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها ناراً وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى ناراً حتى ماتوا  (17) .
ونقل الماماقاني وهو فوق الثقة عند القوم بعض النصوص في ذم الغلاة ومنهم السبئية ما رواه محمد بن الحسن وعثمان بن حامد قالا: حدثنا محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين عن موسى بن بشار عن عبد الله بن شريك عن أبيه قال: بينا علي  رضي الله عنه عند امرأته عن عترة وهي أم عمر إذ أتاه قنبر فقال: إن عشرة نفر بالباب يزعمون إنك ربهم فقال: أدخلهم قال: فدخلوا عليه فقال: ما تقولون. فقالوا: نقول إنك ربّنا وأنت الذي خلقتنا وأنت الذي رزقتنا فقال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا فقال لهم: ويلكم ربي وربكم الله ويلكم توبوا وارجعوا، فقالوا: لا نرجع عن مقالتنا أنت ربنا ترزقنا وأنت خلقتنا، فقال: قنبر ائتني بالفعلة، فخرج قنبر فأتاه بعشرة رجال مع الزيل والمرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الأرض فلما حفروا أخدوداً أمر بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد قال لهم: توبوا قالوا: لا نرجع فقذف عليّ بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار قال عليّ:
إني إذا بصرت شيئاً منكراً أوقدت ناراً ودعوت قنبراً  (18)

 ويبدو أن علياً  رضي الله عنه قد كرر عقابه لغير هؤلاء أيضاً، وهم الزط. فقد روى النسائي في سننه (المجتبى) عن أنس أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم، قال ابن عباس إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بّدل دينه فاقتلوه))  (19) .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة: "أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم"  (20) وحكم الحافظ ابن حجر على هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حُمل على قصة أخرى، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أيوب عن النعمان أنه قال: شهدت علياً في الرحبة، فجاءه رجل فقال إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا إليه تمثال رجل قال فألهب عليهم الدار  (21) .
وروى الكشي في كتابه (معرفة أخبار الرجال) بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلاً من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: إن علياً عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق، قال: فأبوا عليه, وقالوا له: أنت أنت هو, فقال لهم: لئن لم ترجعوا عما قلتم فِيِّ وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم. قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا. فأمر أن يحفر لهم آباراً فحُفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا" وفي بحار الأنوار نقلاً عن مناقب آل أبي طالب فخدّ عليه السلام لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال:
إني إذا أبصرت أمراً منكراً أوقدت ناراً ودعوت قنبراً
ثم احتفرت حفراً فحفراً وقنبر يحطم حطماً منكراً

وعقّب على هذا الخبر ابن شهر آشوب بقوله: "ثم أحيا ذلك رجل اسمه محمد بن نصير النميري البصري زعم أن الله تعالى لم يظهره إلا في هذا العصر وإنه عليّ وحده، فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه: وهم قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات واستحلت المنهيّات والمحرّمات، ومن مقالهم: أن اليهود على الحق ولسنا منهم، وإن النصارى على الحق ولسنا منهم"  (22) .
ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين: وروى أيضاً عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته: "أن علياً عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهاراً فقال أسفر أم مرضى قالوا: لا، ولا، واحدة منها، قال: فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا: لا، أنت أنت، يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام، فأبوا فدعاهم مراراً فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: شدوهم وثاقاً وعليّ بالفعلة والنار والحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرنا فجعل إحداهما سرباً والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحاً وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا فأمرهم بالحطب والنار فألقى عليهم فأحرقوا فقال الشاعر:
لترم في المنية حيث شاءت إذا لم ترمني في الحفرتين  
إذا ما حشنا حطباً بنار.. فذاك الموت نقداً غير دين

  فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمماً  (23) .
هذه هي الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن علياً  رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون. 
أما هو فكما تذكر الروايات – سواء روايات أهل السنة الجماعة وروايات الشيعة – أن علياً  رضي الله عنه اكتفى بنفيه إلى المدائن بعد أن شفع له الرافضة. 
قال النوبختي في كتابه (الشيعة في ترجمة ابن سبأ): وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم وقال: إن علياً عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن  (24) .
ابن سبأ يدعو في المدائن لدعوته:
إن عبد الله بن سبأ وجد بعد نفيه مكاناً مناسباً لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جاءهم خبر استشهاد علي  رضي الله عنه كذبه هو وأصحابه، ولنستمع للخبر كما يرويه الخطيب البغدادي بسنده إلى زحر بن قيس الجعفي الذي قال عنه علي رضي الله عنه: من سره أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى هذا – يقول زحر: بعثني عليّ على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة قال: فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذ جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: من أين أقبلت؟ فقال من الكوفة فقلنا متى خرجت؟ قال: اليوم، قلنا فما الخبر؟ قال خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة, صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها، قال ثم ذهب. فقال عبد الله بن وهب السبئي – ورفع يده إلى السماء-: الله أكبر، الله أكبر، قال: قلت له ما شأنك؟ قال: لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه. 
وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين (لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه"  (25) .
نعود لرواية الخطيب قال: – أي زحر- فو الله ما مكثنا إلا تلك الليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس أما بعد: فخذ البيعة على من قبلك، قال: فقلنا أين ما قلت؟ قال: ما كنت أراه يموت"  (26) .
وقال الحسن بن موسى النوبختي: "ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض"  (27) .
رواية عبد الجبار الهمداني في موقف ابن سبأ:
قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفي  سنة 415هـ عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية: "واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفراً يسيراً، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قُتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: قد قُتل ومات ودُفِن فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟ فقال: سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق فأهدم مسجدها حجراً حجراً وأفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسروداً لما صدقنا أنه قد مات، ولما افتضح بهت، وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله. 
والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: أمير المؤمنين كان راضياً بقوله وبقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك قالوا: وإلا فقولوا لنا لمَ لم يحرق عبد الله بن سبأ؟ قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نفع ذلك معكم شيئاً، ولقلتم إنما حرقه لأنه أظهر السر"  (28) .  (30) 

 موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب


أما أتباع ابن سبأ فلم يكتفوا بالتكذيب بل ذهبوا إلى الكوفة معلنين ضلالات معلمهم وقائدهم ابن سبأ. 
فقد روى سعد بن عبد الله القمي صاحب (المقالات والفرق) وهو ثقة عند القوم "أن السبئية قالوا للذي نعاه: كذبت يا عدو الله لو جئتنا –والله- بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يُقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العربَ بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب عليّ فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: سبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟ قالوا: إنا لنعلم أنه لم يُقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه، وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار الثقيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام"  (1) .
وكان من هؤلاء رجل يقال له رشيد الهجري الذي صرح بمعتقده أمام عامر الشعبي، قال الشعبي: "دخلت عليه يوماً فقال: خرجت حاجاً فقلت: لأعهدن بأمير المؤمنين عهداً فأتيت بيت علي عليه السلام فقلت لإنسان: استأذن لي على أمير المؤمنين قال: أو ليس قد مات؟ قلت: قد مات فيكم والله إنه ليتنفس الآن تنفس الحي، فقال: أما إذ عرفت سر آل محمد فادخل، قال فدخلت على أمير المؤمنين وأنبأني بأشياء تكون، فقال له الشعبي: إن كنت كاذباً فلعنك الله، وبلغ الخبر زياداً –فبعث إلى رشيد الهجري فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريث"  (2) .
ذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في تذكرة الحفاظ وفيه: فقلت: لإنسان استأذن لي على سيد المرسلين. فقال هو نائم، وهو يظن أني أعنى الحسن، فقلت: لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين. قال أو ليس قد مات؟ فقلت: أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حيّ ويعرف من الدثار الثقيل  (3) ؛ ولذلك كان عامر الشعبي يقول: ما كُذب على أحدٍ في هذه الأمة ما كذب على علي  (4) . ورشيد هذا قال عنه ابن حبان: كان يؤمن بالرجعة  (5) .
وذكره الطوسي في ضمن أصحاب علي  رضي الله عنه وسماه رشيد الهجري الرياش بن عدي الطائي  (6) .
ويعتبر رشيد من أبواب الأئمة، كان باباً للحسين بن علي رضي الله عنهما  (7) .  (8) 
موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ


وتصدى أهل بيت النبي الكريم لعبد الله بن سبأ كما تصدى له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكذّبوه وتبرؤوا من مقالاته وضلاله. 
فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله طائعاً، الويل لمن كذب علينا وإن قومنا يقولون فينا مالا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم"  (1) .
وروى الكشي بسنده أيضاً عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه والحسين بن سعد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين رضي الله عنه: "لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمراً عظيماً ماله لعنه الله, كان عليّ عبداً لله صالحاً أخاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وما نال الكرامة من الله إلا بطاعته ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة إلا بطاعة الله"  (2) .
وروى أيضاً الكشي بسنده عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله رضي الله عنه: "إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها, وكان مسيلمة يكذب عليه وكان أمير المؤمنين أصدق من برأ الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله"  (3) .
هذه روايات الكشي عن أئمة أهل البيت.
ومن المعلوم أن كتاب الكشي المسمى بـ(معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) عمد إليه إمام الشيعة الثقة الثبت عندهم (الطوسي) الذي يلقبونه بشيخ الطائفة المتوفي  سنة 460هـ عمد إلى كتاب الكشي فهذبه وجرده من الزيادات والأغلاط وسماه بـ(اختيار الرجل) وأملاه على تلاميذه في المشهد في الغروي، وكان بدء إملائه يوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456هـ نص على ذلك السيد رضي الدين علي بن طاووس في (فرج المهموم) نقلاً عن نسخة بخط الشيخ الطوسي المصرح فيها بأنها اختصار رجال كتاب (الرجال) لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واختياره. 
فالموجود في هذه الأزمنة من المخطوط منه والمطبوع سنة 1317هـ في بمبئي بل وفي زمان العلامة الحلي إنما هو اختيار الشيخ الطوسي لا رجال الكشي الأصل فإنه لم يوجد له أي أثر حتى اليوم  (4) .
وبهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ومن طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين عندهم على هذا اليهودي (ابن سبأ), ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول، وكذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم. 
هذا ما تيسر لنا في إثبات هذه الشخصية، أما الكلام عن دوره في مقتل عثمان رضي الله عنه، ودوره في عهد علي رضي الله عنه، وأثره في فرق الشيعة، ورواة الأخبار فيحتاج إلى كتابة أخرى. 
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [ آل عمران: 8] رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 53]  (5) 

 الكيسانية


بدأ ظهور هذه الفرقة بعد قتل الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، وعرفوا بهذه التسمية واشتهروا بموالاتهم لمحمد بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، وظهر تكونهم بعد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما  (1) .
فحينما تم الصلح مالوا عن الحسن والحسين وقالوا بإمامة محمد بن الحنفية، وقالوا: إنه أولى بالخلافة بعد علي، وهو وصي علي بن أبي طالب، وليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه أو يخرج بغير إذنه.
وقالوا: إن الحسن خرج لقتال معاوية بأمر محمد بن الحنفية، وإن الحسين خرج لقتال يزيد بإذن ابن الحنفية، بل وقالوا: بأن من خالف ابن الحنفية فهو مشرك كافر.
وفرقة من هؤلاء الكيسانية قالوا: إن الإمامة لعلي ثم الحسن ثم الحسين ثم لابن الحنفية لأنه أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن  (2) .
وقد اختلف في كيسان زعيم الكيسانية:
فقيل: إن كيسان رجل كان مولى لعلي بن أبي طالب.
وقيل: بل كان تلميذاً لمحمد بن الحنفية  (3) .
وقيل: بل هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، وقد كان يلقب بكيسان  (4) . وهذا غير صحيح, لأن قيام الكيسانية كان قبل ظهور أمر المختار.  

كيف صارت الكيسانية مختارية؟


حينما تقرأ بعض كلام علماء الفرق تجد أن فيه مشكلة خفية وخلطاً في التسمية، إذ يجعل بعضهم الكيسانية هي نفسها فرقة المختارية التي تزعمها المختار ابن أبي عبيد كما فعل القمي وغيره  (1) .
وبعضهم يجعل الكيسانية فرقة مستقلة، تزعمها رجل يقال له كيسان كما فعل الشهرستاني وغيره.
والذي يتضح لي أن الكيسانية عندما نشأت كانت فرقة مستقلة، تزعمهم رجل يسمى كيسان الذي هو تلميذ لمحمد بن الحنفية أو مولى لعلي، وحينما جاء المختار بن أبي عبيد انضم إليه هؤلاء وكونوا بعد ذلك فرقة المختارية...
ولقد كان لفرقة المختارية أحداث هامة في التاريخ بقيادة المختار. فمن هو المختار بن أبي عبيد الذي تلقفته الكيسانية للانقضاض به على قتلة الحسين ابن علي رضي الله عنه؟ 

مؤسس المختارية (المختار بن أبي عبيد الثقفي)


هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ولد في الطائف في السنة الأولى للهجرة، ووالده صحابي استشهد في معركة الجسر حينما كان قائداً لجيش المسلمين في فتح العراق، وقام بكفالة المختار عمه سعيد بن مسعود الثقفي الذي كان والياً على الكوفة لعلي رضي الله عنه.
وقد نشأ المختار على جانب من الذكاء والفطنة مراوغاً ماكراً غير صادق في تشيعه، وإنما كان يريد من ورائه تحقيق طموحه السياسي بأي وجه، وله مواقف تشهد بصحة هذا القول عنه ذكرها أهل التاريخ والفرق  (1) .
وقد لقب بكيسان لأسباب هي:
منهم من يقول: إنه نسبة إلى الغدر   (2) ، لأن كيسان في اللغة العربية اسم للغدر، وكان المختار كذلك.
أنه أطلق عليه هذا اللقب باسم مدير شرطته المسمى بكيسان  (3) والملقب بأبي عمرة الذي أفرط في قتل كل من شارك ولو بالإشارة في قتل الحسين، فكان يهدم البيت على من فيه، حتى قيل في المثل: (دخل أبو عمرة بيته) كناية عن الفقر والخراب.
أنه أطلق على المختار هذا اللقب باسم كيسان الذي هو مولى علي بن أبي طالب  (4) .
وذهب بعض الشيعة ومنهم النوبختي  (5) إلى أن هذا اللقب أطلقه عليه محمد بن الحنفية على سبيل المدح، أي لكيسه، ولما عرف عنه من مذهبه في آل البيت؛ لأن الكيسانية زعموا أن محمد بن الحنفية هو الذي كلف المختار بالثورة في العراق لأخذ الثأر للحسين، وهذا ليس بصحيح كما سيأتي.
وقد كان للمختار أدوار مع ابن الزبير، وخاض معارك في العراق خرج منها ظافراً فأعجبته نفسه، وأخذ يسجع كسجع الكهان، ويلمح لأناس ويصرح لآخرين أنه يوحى إليه، فانفض عنه كثير من أصحابه، وقُتل في حربه مع مصعب بن الزبير سنة 67هـ، وتفرق أتباعه  (6) ، وصدق عليه الحديث الذي روته أسماء بنت أبي بكر وغيرها أنه كذاب ثقيف  (7) .  

التعريف بمحمد بن الحنفية واختلاف الشيعة بعده


أما ابن الحنفية الذي جعله المختار واجهة له...فهو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة، قيل: بنت جعفر، وقيل: بنت أياس الحنفية، وهي من سبي اليمامة في حروب الردة، صارت إلى علي. وقيل: إنها سندية وكانت أمة لبني حنيفة فنسبت إليهم.
ولد ابن الحنفية سنة 16هـ في عهد عمر بن الخطاب، ونشأ شجاعاً فاضلاً عالماً، دفع إليه أبوه الراية يوم الجمل وعمره 21سنة، وقد تنقل بعد وفاة والده فرجع إلى المدينة ثم انتقل إلى مكة ثم منى في عهد ابن الزبير ثم إلى الطائف، ثم قصد عبد الملك بن مروان بالشام وتوفي سنة 81هـ قيل بالطائف، وقيل بأيلة من فلسطين، وقيل لم يمت بل حبسه الله في جبل رضوى القريب من ينبع، وهذا من تحريف الشيعة.
وبعد وفاته اختلف الشيعة فيما بينهم:
فذهب بعضهم إلى أنه مات وسيرجع. وذهب آخرون إلى أنه لا زال حياً بجبل رضوى قرب المدينة عنده عينان نضاختان، إحداهما تفيض عسلاً، والأخرى تفيض ماءً، عن يمينه أسد يحرسه، وعن يساره نمرٌ يحرسه، والملائكة تراجعه الكلام، وأنه المهدي المنتظر، وأن الله حبسه هناك إلى أن يؤذن له في الخروج، فيخرج ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
وفي هذه الخرافات يقول السيد الحميري أو كثيرعزة على رواية في قصيدة له:
ألا حي المقيم بشعـب رضوى واهد له بمنزله السـلاما
وقل ياابن الوصـي فدتك نفسي أطلتَ بذلك الجبل المقاما
وما ذاق ابن خـولة طعم موت ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بجانب شعب رضوى تراجعه الملائكة الكـلاما
وإن له لــــرزقاً كل يوم وأشربه يعل بها الطعـاما
أضـر بمعشـر وآلوك مــنا وسموك الخليفة والإمـاما
وعادوا فيك أهل الأرض طـرا مقامك عنهم سبعين عاما


وقد اختلف الكيسانية في سبب حبس ابن الحنفية بجبل رضوى:
ذهب بعضهم - وأراد أن يقطع التساؤل- إلى القول بأن سبب حبسه سر الله، لا يعلمه أحد غيره، وهو تخلص من هذه الكذبة التي زعموها في حبسه.
وبعضهم قال: إنه عقاب من الله له بسبب خروجه بعد قتل الحسين إلى يزيد بن معاوية، و طلبه الأمان له، وأخذه عطاءه.
بعضهم قال: إنه بسبب خروجه من مكة قاصداً عبد الملك بن مروان هارباً من ابن الزبير ولم يقاتله  (1) .
والحقيقة أنك لا تدري كيف تبلدت عقول هؤلاء إلى حد أن يعتقدوا هذا الاعتقاد الغريب في أن الله غضب على ابن الحنفية من مجرد زيارته لهؤلاء الحكام من المسلمين، والذين لهم يد مشكورة في انتشار رقعة الإسلام، فأوصل الله –بزعمهم- عقابه إلى هذا الحد من السنين الطويلة التي شكى منها الحميري سبعين عاماً، وقد بقي الكثير جداً والتي ستمتد إلى أن يغير هؤلاء الحمقى عقيدتهم هذه

التعريف


الزيدية إحدى فرق الشيعة، نسبتها ترجع إلى مؤسسها زيد بن علي زين العابدين الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم، وقد جاهد من أجلها وقتل في سبيلها، وكان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً، ولم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل.  
 نشأة الزيدية


بعد قتل الحسين بن علي  (1) ظهرت معظم الفرق التي تزعم التشيع، بل وأخذت دعوى التشيع تتصاعد في الغلو.
وفي أيام علي بن الحسين الملقب بزين العابدين طمع الشيعة في استجلابه إليهم غير أنه كان على ولاء تام ووفاء كامل لحكام بني أمية متجنباً لمن نازعهم  (2) ، بل إن يزيد بن معاوية وهو خليفة كان يكرمه ويجلسه معه، ولا يأكل إلا معه  (3) .
وقد أنجب أولاداً، منهم:
زيد بن علي بن الحسين.
محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر والد جعفر الصادق.
عمر بن علي بن الحسين  (4) .
وقد اختلف الشيعة في أمر زيد بن علي، ومحمد بن علي أيهما أولى بالإمامة بعد أبيهما؟
فذهبت طائفة إلى أنها لزيد فسموا زيدية، وهؤلاء يرتبون الأئمة ابتداءً بعلي رضي الله عنه، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، ثم هي شورى بعد ذلك بين أولادهما  - كما ترى الجارودية منهم  (5) - ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه زيد وهو صاحب هذا المذهب، ثم ابنه يحيى بن زيد، ثم ابنه عيسى بن زيد  - كما ترى الحصنية منهم فيما يذكره القمي  (6) -، وبعد ذلك يشترطون في الإمام أن يخرج بسيفه سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين.
وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإمامة لمحمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر  (7) . ونحن هنا بصدد دراسة الزيدية كيف قامت؟ وما هي مواقف الناس منهم؟
وقد وصف أبو زهرة الزيدية بأنهم (أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية، وأكثر اعتدالا، وتشيعهم نحو الأئمة لم يتسم بالغلو؛ بل اعتبروهم أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتدلوا في مواقفهم تجاه الصحابة، فلم يكفروهم وخصوصاً من بايعهم علي  رضي الله عنه واعترف بإمامتهم)  (8) .
هكذا قال عنهم، والذي يظهر لي أن هذا الحكم غير صحيح على جميع الزيدية- فإن بعض طوائفهم رافضة، وهم الذين خرجوا عن مبادئ زيد وآرائه، سواء كانوا متقدمين أو متأخرين فقد قسم أبو زهرة الزيدية من حيث الاعتقاد إلى قسمين  (9) :
المتقدمون منهم؛ المتبعون لأقوال زيد، وهؤلاء لا يعدون من الرافضة، ويعترفون بإمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقسم من المتأخرين منهم، وهؤلاء يعدون من الرافضة، وهم يرفضون إمامة الشيخين ويسبونهما ويكفرون من يرى خلافتهما.
وهذا يحتاج من الزيدية إلى إعادة النظر؛ ليتقاربوا من إخوانهم أهل السنة، وإلا أصبحوا في صف الإمامية الرافضة، وعموماً فإن مذهبهم في الإمامة يحصرونه في أولاد فاطمة فقط من غير تحديد بأحد منهم، وإنما يشترطون أن يكون كل فاطمي اجتمعت فيه خصال الولاية من الشجاعة والسخاء والزهد، وخرج ينادي بالإمامة  -  يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أوالحسين  (10) ، عكس الاثني عشرية الذين حرصوا على الأئمة في أولاد الحسين فقط.

زيد بن علي وهو الذي تنسب إليه الطائفة الزيدية:
وهو زيد بن علي بن الحسين بن علي، ولد سنة 80هـ تقريباً، وتوفي سنة 122هـ، وأمه أمة أهداها المختار إلى علي زين العابدين فأنجبت زيداً  (11) .
وكان زيد  -  كما تذكر الكتب التي تترجم له  -  شخصية فذة، صاحب علم وفقه وتقوى، واتصل بواصل بن عطاء وأخذ عنه، واتصل بأبي حنيفة وأخذ عنه  (12) ، وكان أبو حنيفة يميل إلى زيد ويتعصب له، وقد قال في خروجه لحرب الأمويين: (ضاهى خروجه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر) كما يذكر ذلك أبو زهرة  (13) .  (14) 
- تنقل في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق أهل البيت في الإمامة ثانياً، فقد كان تقيًّا ورعاً عالماً فاضلاً مخلصاً شجاعاً وسيماً مهيباً مُلمًّا بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. - تلقى العلم والرواية عن أخيه الأكبر محمد الباقر الذي يعد أحد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية. - أما ابنه يحيى بن زيد فقد خاض المعارك مع والده، لكنه تمكن من الفرار إلى خراسان حيث لاحقته سيوف الأمويين فقتل هناك سنة 125هـ. - فُوِّض الأمر بعد يحيى إلى محمد وإبراهيم. - خرج محمد بن عبد الله الحسن بن علي (المعروف بالنفس الزكية) بالمدينة فقتله عاملها عيسى بن ماهان. - وخرج من بعده أخوه إبراهيم بالبصرة فكان مقتله فيها بأمر من المنصور - أحمد بن عيسى بن زيد ـ حفيد مؤسس الزيدية ـ أقام بالعراق، وأخذ عن تلاميذ أبي حنيفة فكان ممن أثرى هذا المذهب وعمل على تطويره. - من علماء الزيدية القاسم بن إبراهيم الرسي بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما (170ـ242هـ) تشكلت له طائفة زيدية عرفت باسم القاسمية. - جاء من بعده حفيده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (245ـ298هـ) الذي عقدت له الإمامة باليمن فكان ممن حارب القرامطة فيها، كما تشكلت له فرقة زيدية عرفت باسم الهادوية منتشرة في اليمن والحجاز وما والاها. - ظهر للزيدية في بلاد الديلم وجيلان إمام حسيني هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن زيد بن عمر بن الحسين بن علي رضي الله عنهما والملقب بالناصر الكبير (230 ـ 304هـ) وعرف باسم الأطروش، فقد هاجر هذا الإمام إلى هناك داعياً إلى الإسلام على مقتضى المذهب الزيدي فدخل فيه خلق كثير صاروا زيديين ابتداء. - ومنهم الداعي الآخر صاحب طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهما، الذي تكونت له دولة زيدية جنوب بحر الخزر سنة 250هـ. - وقد عرف من أئمتهم محمد بن إبراهيم بن طباطبا، الذي بعث بدعاته إلى الحجاز ومصر واليمن والبصرة. ومن شخصياتهم البارزة كذلك مقاتل بن سليمان، ومحمد بن نصر. ومنهم أبو الفضل بن العميد والصاحب بن عباد وبعض أمراء بني بويه. - استطاع الزيدية في اليمن استرداد السلطة من الأتراك إذ قاد الإمام يحيى بن منصور بن حميد الدين ثورة ضد الأتراك عام 1322هـ وأسس دولة زيدية استمرت حتى سبتمبر عام 1962م حيث قامت الثورة اليمنية وانتهى بذلك حكم الزيود ولكن لا زال اليمن معقل الزيود ومركز ثقلهم  
موقف زيد من حكام بني أمية


خرج زيد على الحكام الأمويين، وأشهر السلاح في وجوههم، فما هو الدافع لزيد على هذا الخروج؟ والجواب هو حسب ما قيل في بعض المصادر أن زيداً خرج على بني أمية منكراً للظلم والجور، وبعضها يذكر أنه لم يكن يريد الخروج، ولا طلب الخلافة، ولكن حدث في تصرف هشام بن عبد الملك وعماله إهانات وإساءة لزيد لم يطق أن يعيش معها مسالماً لهشام بن عبد الملك، وذلك أن زيداً أحس أن والي المدينة من قبل هشام ويسمى خالد بن عبد الملك ابن الحارث ووالي هشام على العراق يوسف بن عمر الثقفي يتعمدان الإساءة له، وربما تصور أن ذلك بإيعاز من الخليفة هشام، فقرر أن يذهب للشام ويشرح أمره لهشام ليزيل ما في نفسه من تخوف أن يثور عليه زيد.
لكن حدث ما لم يكن في حسبانه، فقد قابله الخليفة مقابلة غير لائقة به حاصلها: أن زيداً وقف بباب هشام فلم يؤذن له بالدخول مدة، فكتب له كتاباً يشرح أمره ويطلب الإذن له فكتب هشام في أسفل الكتاب: ارجع إلى أميرك بالمدينة. فعزم زيد على مقابلته وقال: والله لا أرجع إلى خالد أبداً.
وأخيراً أذن له وقد رتب هشام الأمر، فوكل به من يحصي عليه جميع ما يقول، وحينما صعد زيد إلى هشام قال زيد: والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل. فلما مثل بين يدي هشام لم ير موضعاً للجلوس فيه حيث انتهى به المجلس، وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله.
فقال هشام: اسكت لا أم لك. أنت الذي تنازعك نفسك الخلافة وأنت ابن أمة. فقال له: يا أمير المؤمنين، إن لك جواباً إن أجبتك أحببتك به، وإن أحببت أمسكت- ولو أن هشاماً يريد العافية لقال له أمسك  -  فقال: بل أجب. فقال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق، فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبياً، وجعله للعرب أباً، وأخرج من صلبه خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم تقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي؟
فقال هشام: اخرج.
فقال زيد: أخرج، ولا أكون إلا حيث تكره.
ومن هنا قرر أنه بين أمرين أحلاهما مر؛ فاختار الخروج  (1) .
وكم أسديت له من النصائح للرجوع عن رأيه، ولكنه  - وبدفع من الشيعة- واصل سيره إلى أهل الكوفة الذين عاهدوه على نصرته ثم نكسوا على أعقابهم حين تراءى الجمعان، جيش الخلافة وهؤلاء، وفي هذا الموقف الحرج قام هؤلاء وسألوه -  ليأخذوا حجة في الهرب ولرداءة معتقدهم- قالوا له: إنا لننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب.
فقال زيد  -  دون نفاق -: إني لا أقول فيهما إلا خيراً، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً، وقد كانا وزيرا جدي، وإنما خرجت على بني أمية الذي قتلوا جدي الحسين، وأغاروا على المدينة يوم الحرة، ثم رموا بيت الله بالمنجنيق والنار.
فلما سمعوا هذا الجواب تفرقوا عنه ورفضوه. فقال لهم: رفضتموني؟ فسموا رافضة
 الأفكار والمعتقدات


- يُجيزون الإمامة في كل أولاد فاطمة، سواء أكانوا من نسل الإمام الحسن أم من نسل الإمام الحسين ـ رضي الله عنهما. - الإمامة لديهم ليست بالنص، إذ لا يشترط فيها أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق، بمعنى أنها ليست وراثية بل تقوم على البيعة، فمن كان من أولاد فاطمة وفيه شروط الإمامة كان أهلاً لها - يجوز لديهم وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين. - تقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل إذ لا يُشترط أن يكون الإمام أفضل الناس جميعاً بل من الممكن أن يكون هناك للمسلمين إمام على جانب من الفضل مع وجود من هو أفضل منه على أن يرجع إليه في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا التي يدلي برأيه فيها. - معظم الزيدية المعاصرين يُقرُّون خلافة أبي بكر وعمر، ولا يلعنونهما كما تفعل فرق الشيعة، بل يترضون عنهما، إلا أن الرفض بدأ يغزوهم - بواسطة الدعم الإيراني -، ويحاول جعلهم غلاة مثله. - يميلون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله، والاختيار في الأعمال. ومرتكب الكبيرة يعتبرونه في منـزلة بين المنـزلتين كما تقول المعتزلة. - يخالفون الشيعة في زواج المتعة ويستنكرونه. - يتفقون مع الشيعة في زكاة الخمس وفي جواز التقية إذا لزم الأمر. - هم متفقون مع أهل السنة بشكل كامل في العبادات والفرائض سوى اختلافات قليلة في الفروع مثل: - قولهم "حي على خير العمل" في الأذان على الطريقة الشيعية. - صلاة الجنازة لديهم خمس تكبيرات. - يرسلون أيديهم في الصلاة. - صلاة العيد تصح فرادى وجماعة. - يعدون صلاة التروايح جماعة بدعة. - يرفضون الصلاة خلف الفاجر. - فروض الوضوء عشرة بدلاً من أربعة عند أهل السنة. - باب الاجتهاد مفتوح لكل من يريد الاجتهاد، ومن عجز عن ذلك قلد، وتقليد أهل البيت أولى من تقليد غيرهم. - يقولون بوجوب الخروج على الإمام الظالم الجائر ولا تجب طاعته. - لا يقولون بعصمة الأئمة عن الخطأ. كما لا يغالون في رفع أئمتهم على غرار ما تفعله معظم فرق الشيعة الأخرى. - لكن بعض المنتسبين للزيدية قرروا العصمة لأربعة فقط من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم جميعاً. - لا يوجد عندهم مهدي منتظر. - يستنكرون نظرية البداء التي قال بها المختار الثقفي، حيث إن الزيدية تقرر أن علم الله أزلي قديم غير متغير وكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ. - قالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقدر مع اعتبار الإنسان حراً مختاراً في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بذلك بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا وهو رأي أهل البيت من الأئمة. - مصادر الاستدلال عندهم كتاب الله، ثم سنة رسول الله، ثم القياس ومنه الاستحسان والمصالح المرسلة، ثم يجيء بعد ذلك العقل، فما يقر العقل صحته وحسنه يكون مطلوباً وما يقرر قبحه يكون منهياً عنه. وقد ظهر من بينهم علماء فطاحل أصبحوا من أهل السنة، سلَفِيي المنهج والعقيدة أمثال: ابن الوزير وابن الأمير الشوكاني 

 الجذور الفكرية والعقائدية


- يتمسكون بالعديد من القضايا التي يتمسك بها الشيعة كأحقية أهل البيت في الخلافة وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها، وتقليدهم، وزكاة الخمس، فالملامح الشيعية واضحة في مذهبهم على الرغم من اعتدالهم عن بقية فرق الشيعة. - تأثر الزيدية بالمعتزلة فانعكست اعتزالية واصل بن عطاء عليهم وظهر هذا جلياً في تقديرهم للعقل وإعطائه أهمية كبرى في الاستدلال، إذ يجعلون له نصيباً وافراً في فهم العقائد وفي تطبيق أحكام الشريعة وفي الحكم بحسن الأشياء وقبحها.
- أخذ أبو حنيفة عن زيد، كما أن حفيداً لزيد وهو أحمد بن عيسى بن زيد قد أخذ عن تلاميذ أبي حنيفة في العراق، وقد تلاقي المذهبان الحنفي السُّني والزيدي الشيعي في العراق أولاً، وفي بلاد ما وراء النهر ثانياً مما جعل التأثر والتأثير متبادلاً بين الطرفين
موقفهم من الإمامة


حصر الإمامة في أبناء البطنين:
وكما اهتم الإمام الهادي بنشر مذهبه، الذي أخذ في الظهور في عهده في بعض مخاليف نجد اليمن، الذي خضع لنفوذه، فقد اهتم أيضاً هو مَنْ خلفه من الأئمة في اليمن بأمر الإمامة، وحصرها في أبناء البطنين: الحسن والحسين، حتى جعلها أصحاب هذا المذهب أصلاً من أصول الدين الخمسة المتضمنة لعقائدهم، وهي الأصول الخمسة المعروفة عند المعتزلة، إلا أن الزيدية استبدلوا الإمامة بالمنزلة بين المنزلتين المشهورة عند المعتزلة. كما خص الهادوية شروطها بفصلٍ خاص من كتاب السير، وهو آخر أبواب كتب الفقه عندهم، وهي أن يكون الإمام: ذكراً، حراً، علوياً، فاطمياً، سليم الحواس والأطراف، مجتهداً، عدلاً، سخياً، يضع الحقوق في مواضعها، مدبراً، أكثر رأيه الإصابة، مقداماً حيث يجوز السلامة، لم يتقدمه مجاب، وطريقها الدعوة، لا التوريث، ولا يصح إمامان  (1) .
وقد أوجز الإمام يحيى بن حمزة المتوفى سنة (749هـ) هذه الشروط في قوله: "أن يكون عالماً بأصول الشريعة، ومتمكناً من الفتوى في أحكام الشرع، أن يكون ذا رأي وسياسة للحرب والسلم، أن يكون شجاعاً مجتمع القلب، لا يضعف عند لقاء عدوه، أن يكون له ورع يحجزه عن الوقوع في المحرمات، ويمنعه عن الإخلال بشيء من الواجبات"  (2) .
على أنه قد ولي الإمامة كثيرٌ من الأئمة العاطلون عن أهم شروطها، وهو العلم والعدل. كما ظهر في اليمن عدد من الأئمة في وقت واحد، وذلك كما حدث  - على سبيل المثال- في عصر الإمام يحيى بن حمزة، إذ عارضه ثلاثة أئمة آخرون هم: علي ابن صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين، والمطهر بن محمد بن المطهر بن يحيى، وأحمد بن علي الفتحي.
وقد استدلت الزيدية على حصر الإمامة في الحسنين وفي أبنائهما إلى آخر أيام الدنيا بشروطها المذكورة، وعدم تجويزها في غيرهم ببعض آيات وأحاديث أولوها تأويلاً على مقتضى مذهبهم، بعيداً عن معنى ظاهر اللفظ وسياق المعنى، وذلك لتطابق عقيدتهم، مخالفين في ذلك الإمامية الذين حصروها في اثنى عشر إماماً، ومخالفين كذلك الإسماعيلية الذين يعتقدون الستر لأئمتهم من بعد زوال الدولة الفاطمية، ومع هذا، فإنهم  - أي أئمة الزيدية- لم يحتجوا بحديث ((الأئمة من قريش))  (3) . لأنهم لو أثبتوه حديثاً لبطل حصر الإمامة في أبناء البطنين.
فقد قال الإمام المنصور القاسم بن محمد المتوفى سنة 1029هـ/ 1620م: "وهذا الحديث غير صحيح، لقول عمر بن الخطاب: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لما شككت فيه)  (4) . وسالم المذكور ليس من قريش، ولم ينكر من حضر من الصحابة على عمر، ولو كان الحديث صحيحاً لأنكروا عليه، مع أنه آحادي لا يثبت الاحتجاج به في المسألة؛ لأنها من أصول الدين، وإن ثبت، فهو مجمل بينه خبر الوصي عليه السلام، وهو قوله: (الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم)  (5) "  (6) 
وقال المقبلي معبقاً على ما ذهب إليه أبو بكر: "وهذا اعتبار منه محض، ولا شك في أنه اعتبار صالح، نظراً إلى تلك الحادثة، والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى جميع الخلق"  (7) . ثم ترى أن في بعضها: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان))  (8) وفي بعضها: ((الناس تبع لقريش في الخير والشر))  (9) ولا يأمر صلى الله عليه وسلم باتباع الشر، وقد تكلف الناس الاستدلال بتلك الأحاديث على أن الإمارة في قريش، وأنها محصورة عليهم، وكان يلزمهم أن القضاء محصورٌ في الأزد، والأذان في الحبشة"  (10) .
على أنه قد تولى الإمامة كثير من الأئمة العاطلين عن أهم شروطها وهو العلم والعدل، كما اجتمع على حكم اليمن عدد من الأئمة في وقت واحد، وذلك على سبيل المثال كما حددت في عصر الإمام يحيى بن حمزة، فقد قام ثلاثة أئمة آخرون معارضون له.
الاحتساب:
أما إذا خلت البلاد عند الزيدية من رجل تتحقَّقُ فيه شروط الإمامة كلها أو أكثرها، فإنه كان يقوم رجل على طريق الصلاحية والاحتساب بالنهي عن المنكر بلسانه وسيفه على مراتبه، والأمر بالمعروف بلسانه دون سيفه، وسد الثغور، وتجييش الجيوش للدفع عن المسلمين، وحفظ ضعيفهم، وحفظ الأوقاف، وتفقد المناهل والمساجد والسبل، والمنع من التظالم، ولا يشترط فيه أن يكون علوياً فاطمياً. ويجب على المحتسب أن ينعزل عند ظهور الإمام؛ لأن الإمامة رئاسة عامة لشخص في الدين والدنيا. والفرق بين المحتسب والإمام: أن الإمام يختص بأربع خصال: إقامة الجمع، وأخذ الأموال كرهاً، وتجييش الجيوش لمحاربة الظالمين، وإقامة الحدود على من وجبت عليه، وقتل من امتنع من الانقياد لها. والمحتسب لا ولاية له على شيء من أموال الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز له قبضها إلا أن يأذن له أربابها، ويأمرون بذلك  (11) .  



 آراء زيد والزيدية


للشيعة عموماً آراء متضاربة متناقضة وأفكار تأثرت بجهات شتى من وثنية ومجوسية ويهودية ونصرانية إلا القليل منهم.
وأما بالنسبة لزيد فإن آراءه كما ذكر علماء الفرق والمؤرخين نوجزها فيما يلي:
في السياسة: 
- يرى زيد جواز ولاية المفضول، أي أن الإمامة عنده ليست وراثة، فإذا اقتضت المصلحة تقديم المفضول فلا بأس بذلك، وكان مع تفضيله لعلي على أبي بكر يرى أن خلافة الشيخين خلافة صحيحة.
ولمّا قيل له في ذلك قال: (كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها، من تسكين ثائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن لمن عرفوا باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم...)  (1) إلى آخر كلامه.
وفي هذا الجواب بعض الأمور التي فيها نظر، فإن الصحابة ما كانوا ليحقدوا عليه قتل أقربائهم من المشركين، وأما الشدة فإن عمر كان أشهر منه فيها وقد ولاه الصحابة أمرهم.
- القول بعدم عصمة الأئمة أو وصايتهم من النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول الإمامية وبعض فرق الزيدية، فإن زعمهم عصمة الأئمة أو وصايتهم كان أساسه الاعتقاد الخاطئ أن تولي الأئمة كان من النبي صلى الله عليه وسلم. والنبي ما كان يتصرف إلا بوحي، ومن غير المعقول أن يختار الله ورسوله الأئمة ثم يجري عليهم الخطأ في أحكامهم وهم المرجع للدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن زيداً لم يلتفت إلى هذا القول الخاطئ والاعتقاد الباطل فيما قيل عنه  (2) ؛ إذ لم تثبت العصمة لأحد غير الأنبياء فيما كلفوا بتبليغه.
- لم يقل بالمهدي المنتظر ولا بالغائب المكتوم  (3) .
وهي من عقائد الشيعة الأساسية، فكل طائفة منهم لها مهدي وغائب مكتوم، وتفرقوا في هذه الخرافة طوائف متعارضة: فالمهدي عند الكيسانية هو محمد بن الحنفية، وعند الاثني عشرية محمد بن الحسن العسكري، وعند بقية طوائفهم أئمة مهديون ينتظرون خروجهم بغتة يملأون الأرض عدلاً بزعمهم.
وسبب هذه الخرافة أنهم يعتقدون أن لآل البيت مزية عن غيرهم فهم يحيون قروناً، وأن الخلافة لا تخرج من أيديهم سواء كانوا ظاهرين أو مستترين، ولم يلتفت زيد إلى وجود مهدي سيخرج، كما يذكر عنه أبو زهرة  (4) .
والواقع أن أهل السنة يؤمنون بمجيء مهدي في آخر الزمان على ما بينته الأحاديث  (5) ، لكن هؤلاء الشيعة استغلوا هذه القضية استغلالاً خاطئاً، وقررها علماؤهم وزعماؤهم لأغراض سياسية أكثر منها دينية.
- حكم في مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة بين المنزلتين تبعاً لرأي المعتزلة: وقيل: إنه خالفهم في تخليده في النار، وقال: لا يخلد في النار إلا غير المسلم  (6) هكذا ذكر عنه أبو زهرة.
- ولكن الأشعري ينقل عن فرق الزيدية القول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار كما تقول الخوارج  (7) والمعتزلة، وإنهم مجمعون على ذلك.
وأهل الحق يقولون: هم تحت المشيئة، ولا يقولون بحتمية دخولهم النار ولا بتخليدهم فيها.
- قال بالإيمان بالقضاء والقدر من الله تعالى، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة واختيار بتمكين الله له، وبها يحاسب فيثاب أو يعاقب كما يذكره عنه أبو زهرة  (8) رغم أن الزيدية معتزلة في الأصول بسبب تلمذة زيد لواصل بن عطاء الغزال زعيم المعتزلة.
- لم يقل بالبداء على الله، وهو القول بحدوث حوادث جديدة متغيرة في علم الله  -على حسب ما يحدث-، وهذا القول تزعمته الكيسانية وكثير من الروافض، واعتقاده كفر. ومذهب زيد أن علم الله تعالى أزلي قديم، وأن كل شيء بتقديره سبحانه، وأن من النقص في علم الله أن يغير إرادته لتغير علمه  (9) ولم يتأثر بعقائد الإمامية في هذا.
- لم يقل بالرجعة المزعومة عند الشيعة. وهي بدعة غريبة، وهي أن كثيراً من العصاة سيرجعون إلى الدنيا ويجازون فيها قبل يوم القيامة، وينتصف أهل البيت ممن ظلموهم، كما أنه يرجع أقوام آخرون لا عقاب عليهم لينظروا ما يحل بمن ظلم أهل البيت  (10) ، إلى غير ذلك من الآراء التي تهم أهل الاختصاص والتفرغ لدراستها.
ولكن: هل استمر الزيدية على هذه المبادئ التي قيلت عن زيد؟
الجواب: لا، فقد جاءت طوائف حرفت مذهب زيد، ورفضوا خلافة الشيخين  (11) ، وقالوا بالرجعة  (12) وعصمة الأئمة وغير ذلك من أقوال فرقهم الأربع التي هي: الجارودية، و السليمانية أو الجريرية، والبترية أو الصالحية، واليعقوبية. وأشهرها الجارودية.  (13) 





نبذة عن الكاتب


خبير الاعشاب والتغذية العلاجية خبير الاعشاب عطار صويلح 30 عام من الخبرة في الطب الاصيل http://rdeh76.blogspot.com/ ..

0 التعليقات:

المشاركات الشائعة

ورفعنا لك ذكرك