موقف أهل البيت من أعداء الخلفاء الراشدينالمبحث الأول: موقف علي رضي الله عنه من الشيعة
تمهيد
فلقد روى علم الهدى الشيعي في كتابه (الشافي) في الحديث:
"إن علياً عليه السلام قال في خطبته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. وفي بعض الأخبار أنه عليه السلام خطب بذلك بعد ما أنهى إليه أن رجلاً تناول أبا بكر وعمر بالشتيمة، فدعى به وتقدم بعقوبة بعد أن شهدوا عليه بذلك" كتاب ( الشافي لعلم الهدى، المطبوع مع التلخيص) (ص428).
هكذا كان حب علي رضي الله عنه لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر الصديق ولعبقري الإسلام ومحسن الملة المجيدة عمر الفاروق رضي الله عنهما وأرضاهما عنه، وهذا كان موقفه تجاههما وتجاه المعادي لهما.
وعلى ذلك لما جاءه أبو سفيان رضي الله عنه بعد بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه واجتماع الناس عليه يحرضه على معارضته حسب روايتهم قال رداً عليه: ويحك يا أبا سفيان هذه من دواهيك وقد اجتمع الناس على أبي بكر، مازلت تبغي الإسلام عوجاً في الجاهلية" كتاب ( الشافي لعلم الهدى، المطبوع مع التلخيص) (ص428).
وأما عثمان فهو – أي علي - الذي أرسل ابنيه للدفاع عنه بعد ما دافع عنه بنفسه المفسدين.
وابن عمه وتلميذه الذي علمه من علمه "عليّ علّمني، وكان علمه من رسول الله ….. وعلم عليّ من النبي، وعلمي من علم عليّ" (الأمالي للطوسي) (1 /1) ط نجف).
يقول في مبغضي الصديق بعد ما يبالغ في مدحه "فغضب الله على من ينقصه ويطعن فيه" (ناسخ التواريخ للمرزه محمد تقي لسان الملك الشيعي (5 /143) (مروج الذهب) (3 /60).
و في مبغضي الفاروق بعد الثناء العاطر عليه: وأعقب الله من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين" (ناسخ التواريخ ج3 ص60).
وفي مبغضي ذي النورين بعد ما ذكر أوصافه الجميلة وأخلاقه الحميدة: فأعقب الله من يلعنه لعنة اللاعنين" (ناسخ التواريخ) (3 ص60).
وحفيد علي المرتضى رضي الله عنه وسميّه علي بن الحسين - الإمام الرابع المعصوم لدى القوم - على سنة آبائه يحارب من حاربهم، ويعادي من عاداهم، يبغض من قلاهم، ويخرج من يتبرأ منهم ويتكلم فيهم.
فلقد روى الأربلي الشيعي أن نفراً من أهل العراق قدموا عليه فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم:
"فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم "المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون"؟ قالوا: لا، قال: فأنتم َالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [ الحشر:9]؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [ الحشر:10]اخرجوا عني فعل الله بكم" (كشف الغمة) للأربلي (2 /78).
وزيد ابنه على شاكلته، نعم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ورحمته، الذي بالغ القوم في مدحه، وخصصوا أبواباً كثيرة للثناء العاطر عليه في كتبهم، فسلك نفس المسلك الذي خططه أبوه علي بن الحسين وجده علي بن أبي طالب ومن قبلهما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: دعوا لي أصحابي" (عيون أخبار الرضا) للقمي (2 /87).
ولقد روى الشيعة "وكان أصحاب زيد لما خرج سألوه في أبي بكر وعمر ؟ فقال:
ما أقول فيهما إلا الخير، وما سمعته من أهلي فيهما إلا الخير فقالوا: لست بصاحبنا، وتفرقوا عنه ورفضوه، فقال: رفضونا اليوم فسموا من ذلك اليوم الرافضة" (ناسخ التواريخ) (3 /590) تحت أقوال زين العابدين، أيضاً (عمدة الطالب) تحت أخبار زيد بن علي).
ويضيف المرزة تقي على ذلك:
إن زيداً منعهم عن الطعن في أصحاب النبي (عليه الصلاة والسلام ورضوان الله عليهم أجمعين) فلما عرفوا منه بأنه لا يتبرأ عن الشيخين (أبي بكر وعمر) رفضوه وتفرقوا عنه، وبعد ذلك استعمل هذه الكلمة في كل من يغلو في المذهب، ويجوّز الطعن في الأصحاب" (ناسخ التواريخ) (3 /590) تحت أقوال زين العابدين).
ثم ومحمد الباقر ابن علي بن الحسين - الإمام الخامس عند القوم - أيضاً يقول بقولهم ويرى رأيهم، ولأجل ذلك يثب على من يتنكر لقب الصديق على أبي بكر رضي الله عنه ويشدد عليه النكير بقوله: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" (كشف الغمة) (2 /147) ط تبريز إيران).
ثم وهل يعقل من عليّ وأولاده عليهم الرحمة والرضوان بأنه أو أنهم يكفّرون الصديق والفاروق وذا النورين وقد بايعهم وصلى خلفهم، وعاشرهم أحسن المعاشرة، ورافقهم وصاهرهم، ولم يقاتلهم ولم يجادلهم، وهو لم يكفّر حتى ولا من جادله وقاتله وقتل من رفاقه وصحبه.
وها هو نهج البلاغة مليء من منعه أصحابه من السب والشتم، والتكفير والتفسيق، وحتى ومقاتليه في حرب صفين، وعنوان الخطبة "ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم صفين".
"إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به" (نهج البلاغة) تحقيق صبحي (ص323).
وذكر مثل ذلك الدينوري الشيعي وصرح بأن الشاتمين كانوا من الذين قتلوا الإمام المظلوم عثمان ذا النورين رضي الله عنه، كما صرح بأنهم لعنوا معاوية وأصحابه، وكان بينهم وبين عليّ سؤال وجواب.
وها هو يذكر القصة بتمامها:
"بلغ علياً أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما، فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين! ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟، قال: بلى ورب الكعبة المسدنة! قالوا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟
قال: كرهت لكم أن تكونوا شتامين، لعانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم" إلخ (الأخبار الطوال) (ص165) تحت وقعة صفين ط القاهرة).
وهذا هو علي بن أبي طالب الذي لا يرضى أن يشتم أهل الشام، ومحاربه معاوية بن أبي سفيان، ويمنعهم عن ذلك، هل يتوقع منه أنه يرضى بلعن أهل المدينة، مدينة النبي، وشتم أصحاب النبي ورحمائه وأصهاره؟
ثم ولقد صرح بإسلامهم وإيمانهم مع محاربتهم إياه، ومقالته إياهم بأنهم ليسوا بكفرة، مرتدين، خارجين عن الإسلام والدين.
كما رواه جعفر عن أبيه "أن علياً عليه السلام كان يقول لأهل حربه إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق" (قرب الإسناد) للحميري (ص45) ط مكتبة نينوى طهران.
ويقول في خطبته أمام أنصاره ومخالفيه:
فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء، والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيماناً، ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على مضض الجراح. ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبه والتأويل" (نهج البلاغة) تحقيق صبحي صالح (ص179).
وأصرح من ذلك:
"أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة" (نهج البلاغة) (ص248).
بل وأكثر من ذلك يجعلهم مساوين له في الإيمان بالله والتصديق بالرسول، وأيضاً يعلن براءته من دم عثمان بن عفان رضي الله عنه فيكتب إلى أهل الأمصار يقصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين:
وكان بدأ أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء فقلنا: تعالوا إلخ (نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح ص448). وما أدري مع هذا كيف اجترأ المجلسي وهو يدعي موالاة أهل البيت واتباع مذهبهم أن يقول: إن أمير المؤمنين علياً يبيح قتله، ولم يكن يرى منه بأساً مع قول عليّ هذا؟ ثم وأكثر من ذلك أن "نهج البلاغة" مليء من أقوال إمامه المعصوم الأول الذي يعده بأنه لا يخطئ – من أقواله هو بأنه بريء من قتل عثمان وقتلته، ومن طالع نهج البلاغة أو قرأه يشهد على ذلك، ولكن من للقوم؟ فإن الحسد أكل قلوبهم، وأعمى أبصارهم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
فانظر إلى علي رضي الله عنه كم كان عادلاً ومنصفاً،
وانظر إلى القوم كم بعدوا عنه وعن الحق في القول والعمل؟
فهذا هو علي رضي الله تعالى عنه وموقفه من أعدى أعداء الناس بالنسبة له.
فكيف يكون موقفه وموقف أهل بيته من أحب الناس إليه وإليهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفاقه، الذين أحبوا أهل البيت، وأهل البيت بادلوهم الكيل بالكيلين والصاع بالصاعين، وتجاه أمهات المؤمنين اللاتي هن أمهاتهم هم أولاً وأصلاً.
ونختم القول في هذا الباب بأن علياً وأهل بيته هل كانوا مؤمنين أم لا؟
فإن كانوا مؤمنين ولا شك في ذلك – فهم داخلون في قول الله عز وجل:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6].
فصارت الصديقة الطاهرة أمهم أي أهل البيت جميعاً بنص القرآن وبحكم خالق الكون والمكان وقضائه.
وعلى هذا يمكن أن يتصور رجل يدعي حب أهل بيت ثم ويسبّ أمهم؟
وهل يقال إنه موال لهم ومحب، ومطاوع لهم ومطيع أم غير ذلك؟
وأما الذي ندريه نحن فإن الشريف والكريم يمكن أن يتغاضى أن يسب ويشتم، ولكنه لا يتغاضى عن أن يمس أحد أمه بسوء خاصة.
وهل شاتمو أمّ عليّ وأهله واللاعنون يظنون أنهم يحسنون صنعاً؟
فذلك كان موقف الشيعة من الصحابة عامة والخلفاء الراشدين خاصة، وهذا هو موقف أهل البيت منهم ومن عاداهم مخالفاً تمام المخالفة من موقف قوم ينسبون أنفسهم إليهم كذباً وزوراً، وخداعاً ونفاقاً.
فالشيعة ليسوا بمحبي أهل البيت ومطاوعين لهم، بل هم معادون لهم ومخالفون، وهذا ما أردنا إثباته في هذا الباب من كتب القوم وعباراتهم هم كي يعرف الحقيقة من لا يعرفها قبل، ويهتدي إلى سواء السبيل. (1)
رفض التشيع المطلق، وتقييده بالكتاب والسنة
إن من أتقى الناس وأعلمهم بالله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لذلك لما جاء شيعته يعلنون نصرته ويؤكدون بيعته بعد خروج الخوارج عليه أعلنوا تشيعهم المطلق له، وولاءهم التام لكنه رضي الله عنه لعلمه وتقواه رفض ذلك، ولم يقبله بإطلاقه بل شرط لهم اتباع السنة، إذ من خالف السنة فليس بناصر لعلي ولا شيعته.
يقول الطبري رحمه الله: "ولما خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليا أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت فشرط لهم فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .
ثم هو كذلك يرفض التنطع والغلو في الأمر، ويعلم أن الاتباع لا يكون إلا بالكتاب والسنة، لذلك لما جاءه بعد البيعة السابقة ربيعة ابن أبي شداد الخثعمي – وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم – قال له علي: "بايع على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ربيعة: على سنة أبي بكر وعمر، قال علي: ويلك! لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونا على شيء من الحق، فبايعه" (2) .
ويؤكد هذا المعنى حبر الأمة عبدالله بن عباس وهو من أجلاء وأئمة آل البيت، ويعلن أن الاتباع ليس لشخص علي رضي الله عنه أو لشخص غيره، بل الاتباع والنصرة لقول الله وقول رسول الله وذلك أن معاوية بن أبي سفيان سأله: أنت على ملة علي؟ فقال رضي الله عنهم: "ولا على ملة عثمان، أنا على ملة محمد صلى الله عليه وسلم" (3) . (4)
التصريح بقول من يُكذِّب عليه حتى لا تنتشر الشائعات
لما كثرت الشائعات وبدأت تروج على الأغمار الجهال، وتناقلها العامة كان لابد من التصريح بقول من يكذب عليه قطعا لهذه الشائعات.
فلما بدأت تنتشر أقوال الشيعة في تفضيل علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، تصدى علي رضي الله عنه لذلك إذ هو المعني المفضل، وصرح رضي الله عنه بفضلهما وإمامتهما وقال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي لكم الثالث لفعلت" (1) .
وقال لأصحابه: "ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر وعمر" (2) .
وليس التصريح فقط بالأفضلية بل في مواطن عدة يصرح رضي الله عنه باتباعه لسنة أبي بكر وعمر، فلا يغير شيئا مما سناه، وكان يتبع الرأي الذي رأياه، فرضي الله عنهم أجمعين (3) .
ولما بدأت السبئية تروج الشائعة في أن عند علي رضي الله عنه علما خاصا ليس عند غيرهم سأله أبو جحيفة رضي الله عنه وقال له: "هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر" (4) .
وكذلك كان آل البيت من بعد علي رضي الله عنه الحسن والحسين وعلي زين العابدين، وزيد ومحمد الباقر ابنا علي، وجعفر الصادق كلهم يصرحون بالثناء على الشيخين، ويعلنون رضاهم عن إمامتهما وإمامة عثمان (5) ، كل ذلك قطعا للشائعات وتكذيبا للأقوال التي تنسب إليهم بهتانا وزورا. فرضي الله عنهم أجمعين، يقول ابن تيمية عن أهل البيت: "لا نسلم أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت: لا الاثنا عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة: توحيدهم، وعدلهم، وإمامتهم، فإن الثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت من إثبات الصفات لله، وإثبات القدر، وإثبات خلافة الخلفاء الثلاثة، وإثبات فضيلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وغير ذلك من المسائل؛ كله يناقض مذهب الرافضة. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم، بحيث أن معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل البيت يوجب علما ضروريا بأن الرافضة مخالفون لهم لا موافقون لهم" (6) . (7)
: الإعلام والإعلان بالحق لدحض الشبهات
لم يكن علي رضي الله عنه يكتفي بالتصريح بالحق وتعليم الناس المعتقد الصحيح، بل كان رضي الله عنه يعلن ذلك، وكان منبر الإعلان آنذاك "خطبة في المسجد" فكان رضي الله عنه يقوم خطيبا ليعلن للناس ويعلمهم الحق، ويقضي على فرصة الذين يعملون في السر، ويدسون الدسائس ويثيرون الشبهات.
فخطب علي رضي الله عنه لما لبس على الناس فعله في الإمارة هل هو رأيه أم عن وصية وتوجيه من الرسول صلى الله عليه وسلم، فخطب رضي الله عنه وقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، وإنما هو رأي رأيناه) (1) .
ويروي عون بن أبي جحيفة السوائي فيقول: كان أبي من شرط علي رضي الله عنه، وكان تحت المنبر فحدثني أبي أنه صعد المنبر – يعني عليا – فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث أحب
الرد على الشبهات، وتوضيح المشكلات التي يروج لها حال ظهورها
لما كانت بدع الشيعة السبئية بدأت تروج في عهد علي رضي الله عنه، وبدأت مزاعم السبئية تلوكها الألسن؛ تصدى علي رضي الله عنه فرد الشبهات وأوضح المشكلات في حينها، وهذا هو الواجب ألا يؤخر بيان الحق فتتشرب النفوس بالشبهات، لذلك لما ظن أن عند علي رضي الله عنه علما خاصا ليس عند غيره، وسئل عن ذلك بادر بالرد، ونفى ذلك...
وفي حادثة أخرى يحدث أبو الطفيل عامر بن واثلة (1) فيقول: سئل علي رضي الله عنه: "هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ فقال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعلم به الناس كافة إلا كتاب في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض" (2) .
انظر – رعاك الله – فقه علي إذا لم يكتف رضي الله عنه بالإخبار بل عضد ذلك بشيء محسوس وأخرج الصحيفة ونشرها للناس وقرأها عليهم حتى لا يأتي مدع ويزعم أن في الصحيفة علما خاصا.
ويأتيه رجل ويقول له: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك؟ فيغضب رضي الله عنه وأرضاه ويقول: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتم الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: ((لعن الله من لعن والده...)) الحديث (3) .
ويقوم خطيبا رضي الله عنه ويقول: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله عز وجل وهذه الصحيفة فقد كذب (4) .
وفي هذا رد على مزاعم الشيعة ممن يدعي أن عند أئمتهم علما خاصا ليس عند غيرهم، أو فهما مسددا من الله، فهذا إمامهم علي بن أبي طالب الذي اتفقوا على إمامته يرد قولهم ويكذبه فكيف بمن هو دونه من الأئمة.
وتردد شبهة ثانية، ويروج كذب ابن سبأ من القول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصى لعلي رضي الله عنه بالإمامة، فيرد الصحابة ذلك، وتوضح هذه المشكلة؛ ذكروا عند عائشة رضي الله عنها أن عليا رضي الله عنه كان وصيا، فقالت: "متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت: حجري – فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه"؟ (5) .
ويؤكد علي رضي الله عنه ذلك فيقوم خطيبا بعد وقعة الجمل ويقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئا، وإنما هو رأي رأيناه) (6) .
وعند وفاته رضي الله عنه يكذب مزاعم الشيعة بالوصية، إذ قيل له: ألا توصي؟ فيقول: "ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فأوصي، اللهم إنهم عبادك فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم) (7) .
يقول الإمام أحمد بن محمد الهيتمي (8) : "فهذه الطرق كلها عن علي متفقة على نفي النص بإمامته، ووافقه على ذلك علماء أهل بيته" (9) .
ومن الشبه التي ردها علي بن أبي طالب ونفاها: ادعاء عصمته، فقد أنكر رضي الله عنه على من ألمح إلى عصمته، وبين الحق ناصعا وقال: "يهلك في محب مفرط يقرظني بما ليس في، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني بما ليس في. ثم قال: وما أمرتكم بمعصية فلا طاعة لأحد في معصية الله تعالى" (10)فلم يثبت لنفسه العصمة رضي الله عنه (11) .
وقال لمن ادعى ألوهيته: (ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني) (12) .
ومما أذيع في خلافة علي من الشبهات: الطعن في الشيخين أبي بكر وعمر، والزعم أن عليا أفضل منهما، فيرد علي رضي الله عنه هذه الشبهة ويبين الحق هو وأئمة آل البيت، وينشرون فضائل الصديق والفاروق، ويعلنون ولاءهم لهم، ويجيبون من يسألهم، وقد قام علي رضي الله عنه مرارا يخطب في الناس ويقول: "إن أفضل الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر".
ويحدث محمد بن الحنفية (13) فيقول: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين" (14) .
ويبادر علي رضي الله عنه ويسأل أصحابه يوما ويقول: "أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: أنت. قال: أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس. قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر (15).
ويأتي نفر من أهل العراق إلى الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويقولون له: "يا أبا محمد حديث بلغنا أنك تحدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أبي بكر وعمر رحمهما الله؟ فقال: نعم. حدثني أبي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: ((يا علي؛ هذان سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين والمرسلين)) (16) .
يقول الإمام الآجري رحمه الله تعالى: "فهؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السادة الكرام رضوان الله عليهم يروون عن علي رضي الله عنه مثل هذه الفضيلة في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. جزى الله الكريم أهل البيت عن جميع المسلمين خيرا (17) .
ويؤكد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولاءه وحبه للصحابة جميعا حتى من اختلف معهم بل وتقاتل، فهو يعلم أن هذا لا يقطع أواصر الأخوة الإيمانية، إذ بعد قتاله في الجمل مع طلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين – والقتال مظنة البغض ولكنها نفوس زكاها الله – يقول: "إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [ الحجر:47] (18)
ويكرر علي رضي الله عنه القول على ابن طلحة لما جاءه ويقول: "إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [ الحجر:47]، فيقول له رجل: "دين الله أضيق من حد السيف، تقتلهم ويقتلونك، وتكون أنت وهم إخوانا على سرر متقابلين؟! فقال له علي: التراب في فيك فمن عسى أن يكونوا" (19) .
فالضيق في دين الشيعة التي لم تسع قلوبهم لحب الصحابة كلهم رضي الله عنهم. أما قلوب المؤمنين فقد وسعت حبهم، وجرت ألسنتهم بالترضي عنهم والدعاء لهم كما أمرهم ربهم في قوله: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10] (20) .
وصدق أنس بن مالك رضي الله عنه حينما قال: "قالوا إن حب عثمان وعلي لا يجتمعان في قلب مؤمن، وكذبوا، قد جمع الله عز وجل حبهما بحمد الله في قلوبنا" (21) . (22)
المناقشة والاحتجاج
جاء رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال له: (إن ناسا يزعمون أن عليا يرجع يوم القيامة، فضحك وقال: سبحان الله! لو علمنا ذلك ما زوجنا نساءه ولا ساهمنا ميراثه) (1) .
فناقشه في صدق هذه الدعوى، وحجه بما فعلوه من تقسيم ميراثه، وتزوج نسائه، وهذا لا يكون إلا لميت. (2)
البيان والإيضاح قبل إيقاع العقوبة
عن علقمة (1) قال: سمعت عليا على المنبر فضرب بيده على منبر الكوفة يقول: "بلغني أن قوما يفضلوني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه، ولكني أكره العقوبة قبل التقدمة، من قال شيئا من هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري. إن خيرة الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، وقد أحدثنا أحداثا يقضي الله فيها ما أحب
إيقاع العقوبة على من جاء بالبدعة ولو ادعى التشيع
لقد تصدى علي رضي الله عنه للشيعة المبتدعين، وأوقع العقوبة على كل مبتدع بحسب بدعته لأنه إمام المسلمين.
ولقد أظهر رضي الله عنه غضبه من المفضلين وتوعدهم بالجلد، وأبان شدته على السابين وهم بالقتل، وحد المؤلهين له حد المرتدين، فقتلهم وحرقهم بالنار، ولم يعذر هؤلاء المبتدعين أو يسامحهم لأنهم يدعون التشيع له، ويرفعون شعار المحبة، بل أوقع بهم العقوبة.
ومن العقوبات التي أنزلها: عقوبة من ادعى ألوهيته، حيث قيل لعلي رضي الله عنه إن هنا قوما على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا. فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا. فأبوا. فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك. فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم، فخذ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصر، وقال: احفروا فابعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود، وقال: إني طارحكم فيها أو تراجعوا، فأبوا أن يرجعوا، فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:
(إني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا) (1) . فعلي رضي الله عنه عاملهم معاملة المرتدين؛ وعظهم وبين لهم الحق، واستتابهم ثلاثا، فلما أصروا قتلهم تحريقا، وقيل: قتلهم ثم حرقهم، وللإمام تغليظ العقوبة إن رأى ذلك (2) .
وإن كان عبدالله بن عباس خالفه في طريقة القتل ولم ير تحريقهم بالنار، إذ لما بلغه فعل علي رضي الله عنه قال: "لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تعذبوا بعذاب الله))ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) (3) .
وكان القول بإيقاع العقوبة على المبتدعة من الرافضة هو قول أئمة آل البيت، لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم لرجل من الرافضة: (والله لئن أمكن الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم ولا نقبل منك توبة) (4) .
ومن العقوبات التي رآها: عقوبة من سب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتنقص منهما، وهؤلاء هم السابة، وكان علي رضي الله عنه بلغه عن عبدالله بن سبأ أنه كان يسب أبا بكر وعمر، فطلبه، قيل: إنه طلبه ليقتله فهرب منه (5) . وقيل: إنه هم بقتله، فكلم فيه، فقال: لا يساكنني ببلد أنا فيه، فنفاه إلى المدائن (6) .
فالساب للصحابة الكرام يعزر ويغلظ له في العقوبة، بحسب ما يراه الإمام (7) .
ومن العقوبات التي توعد بها: عقوبة من فضله على أبي بكر وعمر، وقد توعد هؤلاء المفضلة أن يجلدهم جلد المفتري (8) .
وكان هذا فعل عمر رضي الله عنه فيمن فضله على أبي بكر رضي الله عنهم (9) يقول ابن تيمية رحمه الله: "فإذا كان الخليفتان الراشدان عمر وعلي رضي الله عنهما، يجلدان حد المفتري من يفضل عليا على أبي بكر وعمر، أو من يفضل عمر على أبي بكر – مع أن مجرد التفضيل ليس فيه سب ولا عيب – علم أن عقوبة السب عندهما فوق هذا بكثير" (10) . (11)
التحذير منهم ومن كلامهم، وزجر من ينقل أقوالهم
لقد حذر السلف الصالح من أقوال أهل البدع، وأمروا بهجرهم وترك مجالستهم.
يقول عبدالله بن عباس محذرا من الشيعة: "كلام الحرورية ضلالة، وكلام الشيعة هلكة" (1) .
ويأتيه رجل ناقلا كلامهم مثيرا لشبههم فيزجره ويطرده، يقول عبدالله بن عباس: (إني في المنزل قد أخذت مضجعي للقيلولة، فجاءني الغلام فقال: بالباب رجل يستأذن. فقلت: ما جاء في هذه الساعة إلا وله حاجة؛ أدخله. فدخل، فقلت ما حاجتك؟ فقال: متى يبعث ذاك الرجل؟ قلت: أي رجل ؟! قال: علي بن أبي طالب. قلت: لا يبعث حتى يبعث من في القبور. قال: لا أراك تقول كما يقول هؤلاء الحمقى. قال: قلت: أخرجوا هذا عني لا يدخل علي هو ولا ضربه من الناس) (2) . (3)
التحذير من غدر الشيعة بأئمتها، وبيان أنه لا يوثق بهم ولا بتشيعهم
لقد عرف عن الشيعة غدرهم وخذلانهم لأئمتهم، وجبنهم عند اللقاء، وسرعة تفرق كلمتهم، حتى ضرب بهم المثل فقيل: أغدر من كوفي، والتاريخ على ذلك شاهد، غدرهم بأئمة آل البيت، يقول البغدادي رحمه الله: "روافض الكوفة موصوفون بالغدر، والبخل، وقد سار المثل بهم فيهما، حتى قيل: أبخل من كوفي، وأغدر من كوفي، والمشهور من غدرهم ثلاثة أشياء: أحدها: أنهم بعد قتل علي رضي الله عنه بايعوا ابنه الحسن، فلما توجه لقتال معاوية غدروا به في ساباط المدائن (1) فطعنه سنان الجعفي في جنبه فصرعه عن فرسه، وكان ذلك أحد أسباب مصالحته معاوية.
والثاني: أنهم كاتبوا الحسين بن علي رضي الله عنه، ودعوه إلى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية فاغتر بهم، وخرج إليهم، فلما بلغ كربلاء غدروا به، وصاروا مع عبيد الله بن زياد يدا واحدة عليه، حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء.
والثالث: غدرهم يزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على يوسف بن عمر، ثم نكثوا بيعته وأسلموه عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من أمره ما كان" (2) .
ولقد ذاق منهم علي رضي الله عنه من الكاسات المرة ما لا يعلمه إلا الله حتى دعا عليهم فقال: "اللهم إني سئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وبدلهم بي شرا مني" (3) .
وقيل للحسن بن علي ما حملك على ما فعلت (من تنازله بالخلافة لمعاوية) قال: "كرهت الدنيا، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحدا أبدا إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نية لهم في خير ولا في شر. لقد لقي أبي منهم أمورا عظاما، فليت شعري لمن يصلحون بعدي وهي أسرع البلاد خرابا" (4) .
لذلك أوصى الحسن بن علي أخاه الحسين بعدم الاغترار بهم، أو الاستجابة لطلبهم بالخروج إليهم أو طلب الخلافة وحذره من تصديق دعواهم له بالنصرة (5) .
ولما أراد الحسين بن علي الخروج إلى الكوفة مستجيبا لدعوة شيعته هناك جاءه أكابر الصحابة يشيرون عليه بعدم الذهاب، ويحذرونه من غدر هؤلاء الشيعة، ويذكرونه بمواقفهم المخزية من أبيه ومن أخيه؛ جاءه عبدالله بن عباس وقال له: "يا ابن عم، قد بلغني أنك تريد العراق، وإنهم أهل غدر، وإنما يدعونك للحرب، فلا تعجل، وإن أبيت إلا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن، فإنها في عزلة ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وبث دعاتك، واكتب إلى أهل الكوفة وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم، فإن قووا على ذلك ونفوه عنها، ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم، وما أنا لغدرهم بآمن، وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلى أن يأتي الله بأمره، فإن فيها حصونا وشعابا، فقال الحسين: يا ابن عم، إني لأعلم أنك لي ناصح وعلي شفيق، ولكن مسلم بن عقيل كتب إلي باجتماع أهل المصر على بيعتي ونصرتي، وقد أجمعت على المسير إليهم. قال: إنهم من خبرت وجربت، وهم أصحاب أبيك وأخيك وقتلتك غدا مع أميرهم" (6) .
ويقدم النصح للحسين أيضا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، ويذكره بوصف علي بن أبي طالب لهم فيقول: "يا أبا عبدالله إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة، يدعونك إلى الخروج، فلا تخرج، فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: "والله لقد مللتهم، وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف" (7) .
ومن غدرهم وقلة ولائهم أنهم لم يكتفوا بمراسلة الحسين أنذاك، بل عمدوا إلى مراسلة أخيه محمد بن الحنفية يطلبون منه الخروج. ولكنه رفض وجاء إلى الحسين يخبره بما عرضوا عليه، ويبين سبب رفضه فقال: "إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا دماءنا" (8) .
يقول ابن تيمية رحمه الله: "وأما الشيعة فهم دائما مغلوبون مقهورون منهزمون، وحبهم للدنيا وحرصهم عليها ظاهر. ولذلك لما كاتبوا الحسين رضي الله عنه أرسل إليهم ابن عمه ثم قدم بنفسه غدروا به، وباعوا الآخرة بالدنيا، وأسلموه إلى عدوه، وقاتلوه مع عدوه. فأي زهد في الدنيا وأي جهاد عندهم... هذا ولم يكونوا صاروا بعد رافضة" (9) . (10)
إعلان البراءة ممن يتخذ التشيع له ستارا لنشر البدع وهدم الدين
ما زال أئمة أهل البيت يبرئون ممن ينتحل حبهم ويتشيع لهم وهو يخالف الكتاب والسنة المطهرة، ويعمد إلى الاستتار وراء هذا الحب لينشر البدع.
قيل للحسين بن علي: "إن ناسا من شيعة أبي الحسن علي عليه السلام يزعمون أنه دابة الأرض وأنه سيبعث قبل يوم القيامة، فقال: كذبوا، ليس أولئك شيعته، أولئك أعداؤه، لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه ولا أنكحنا نساءه" (1) .
ويقول الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم: "مرقت علينا الرافضة كما مرقت الحرورية على علي رضي الله عنه" (2) .
ويقول جعفر الصادق: "برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر" (3) .
ويقول: "لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا" (4) . (5)
الوصية بالاعتدال في الحب، وبيان معنى التشيع الحق المطلوب لآل البيت
يقول علي رضي الله عنه: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق" (1) ؛ لما علم علي رضي الله عنه أن حبه من الإيمان وبغضه من النفاق. خشي رضي الله عنه على محبيه من الغلو في محبته فحذر من ذلك ونهى عنه وقال: "ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي، وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي" (2) . وقال: "يهلك في رجلان: مفرط في حبي، ومفرط في بغضي" (3) .
وسار أئمة آل البيت على منهاجه في طلب الحب المعتدل، ورفض الحب الغالي، فقال علي زين العابدين رضي الله عنه: "يا أهل العراق حبونا حب الإسلام، فوالله إن زال بنا حبكم حتى صار شينا" (4) .
وقال مشيرا بيده نحو الكوفة: "إن هؤلاء يشيرون إلينا بما ليس عندنا" (5) .
إذا ليس المطلوب هو حب آل البيت فقط، إذ يدخل حبهم النار إذا غلا فيه صاحبه وجاوز الحد المشروع، بل نحبهم رضي الله عنهم الحب الذي أمرنا الله به، وبينه لنا رسول صلى الله عليه وسلم، ونعترف بفضلهم ونتقرب به إلى الله.
ولا يقتضي حبهم وموالاتهم معادة غيرهم من الصحابة كما تزعم الشيعة أنه لا ولاء إلا ببراء (6) بل الواجب أن يتسع حبنا للصحابة كلهم رضي الله عنهم فنواليهم ونحبهم (7) ولا يضيق حبنا لهم كما ضاق حب الشيعة ولم يتسع – كما عزموا – إلا لآل البيت (8) ؛ وليتهم صدقوا في دعواهم المحبة التي برهانها الاتباع، فما نراهم إلا مخالفين لأئمة آل البيت.
يروى أن عليا رضي الله عنه نظر إلى قوم ببابه فقال لقنبر مولاه: من هؤلاء؟ قال: شيعتك يا أمير المؤمنين. قال: ما لي لا أرى فيهم سيما الشيعة. قال: وما سيماهم؟ قال: خمص البطون، يبس الشفاه من الظمأ، عمش العيون من البكاء" (9) .
إن التشيع الحق الصادق لآل البيت هو تشيع أهل السنة والجماعة المتبعين لقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، المقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن سار على هديه من الصحابة الكرام وآل بيته الشرفاء، فأهل السنة بحق هم أنصار علي وأتباعه إذ من مذهبهم القول بأن عليا رضي الله عنه وأصحابه أولى الطائفين بالحق في حروبه في الجمل وصفين (10) ومع ذلك يعذرون الخارجين على علي رضي الله عنه، ويقولون: اجتهدوا وأخطأوا، ويجمعون على عدالة الجميع وحبهم.
وأما عن حبهم لآل البيت فيقول الآجري رحمه الله: "واجب على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم علي بن أبي طالب وولده وذريته، وفاطمة وولدها وذريتها، والحسن والحسين وأولادهما وذريتهما، وجعفر الطيار وولده وذريته، وحمزة وولده، والعباس وولده وذريته رضي الله عنهم، هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجب على المسلمين محبتهم وإكرامهم، واحتمالهم، وحسن مداراتهم، والصبر عليهم، والدعاء لهم، فمن أحسن من أولادهم وذراريهم فقد تخلق بأخلاق سلفه الكرام الأخيار الأبرار، ومن تخلق منهم بما لا يحسن من الأخلاق دعي له بالصلاح والصيانة والسلامة، وعاشره أهل العقل والأدب بأحسن المعاشرة، وقيل له: نحن نجلك عن أن تتخلق بأخلاق لا تشبه سلفك الكرام الأبرار، ونغار لمثلك أن يتخلق بما نعلم أن سلفك الكرام الأبرار لا يرضون بذلك، فمن محبتنا لك أن نحب لك أن تتخلق بما هو أشبه بك، وهي الأخلاق الشريفة الكريمة، والله الموفق لذلك" (11) .
يقول الشافعي رحمه الله تعالى:
إن نحن فضلنا عليا فإننا | روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل | |
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته | رميت بنصب عند ذكري للفضل | |
فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما | بحبهما حتى أوسد في الرمل (12) |
حكمهم
تقدم أن الشيعة فرق عدة، لذلك لا يصح إطلاق حكم التكفير وتعميمه عليهم، أو نفيه عنهم بإطلاق، بل الواجب التفصيل، وبيان الفرقة والقول الذي تقول به ثم الحكم عليه، لأنه قد تتغير بعض أقوال الفرقة، أو يتغير اسمها أو يختلف من بلد إلى بلد (1) وحكم تكفير الشيعة كالآتي:
1- الشيعة المفضلة: الذين ينتهي قولهم بأن عليا أفضل من أبي بكر وعمر، وأنه أحق بالإمامة، دون تعرض لتكفير أحد من الصحابة، فهؤلاء الشيعة المفضلة زيدية أو غيرهم إن كانت هذه بدعتهم فقط فهم لا يكفرون بإجماع السلف والأئمة (2) .
2- الشيعة الغلاة القائلون بألوهية أئمتهم أو نبوتهم أو ادعوا الحلول أو التناسخ أو غيرها من البدع المكفرة، فقد أجمع العلماء على تكفيرهم. وتقدم أن عليا رضي الله عنه عاملهم معاملة المرتدين.
3- الرافضة "الشيعة الإمامية": وعلامتهم البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر، ومنهم من يعتدي عليهم بالسب والشتم وإن لم يقل بالتكفير، وتقدم حكم ساب الصحابة، وأنه يختلف باختلاف السب واختلاف النية، فساب الصحابة يكفر إن كان سبه عن اعتقاد واستحلال للسب، وكان سبه سبا يقدح في دينهم وعدالتهم.
وأما إن كان سبه سب غيظ وحنق، وكان السب في أمور الدنيا كوصف بالجبن والبخل فهذا لا يكفر ويجب تعزيره.
فالرافضة اثنا عشرية أو غيرهم إن كان سبهم للصحابة سبا يقدح في دينهم أو يتعدى للقول بتكفيرهم فهم يكفرون بذلك.كذلك يكفر من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك، فهؤلاء لا خلاف في كفرهم سواء كانوا اثنا عشرية أو غيرهم (3) .
ويجب مراعاة توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه عند تكفير المعين (4)
0 التعليقات: