أهم عقائد النصيرية
للنصيرية عقائد كثيرة بعضها ظاهر وبعضها - وهو الأكثر- لا يزال في طي الكتمان، وقد اتضح أن أهم عقائدهم وأبرزها:
- تأليه علي رضي الله عنه.
ولا تستبعد وقوع هذا فإن هؤلاء من أساسهم كانوا عباد أوثان وعباد بقر وفروج، وبعد أن دخلوا في الإسلام أو على الأصح تظاهروا به كان من أبرز عقائدهم: تأليه الإمام علي رضي الله عنه، زاعمين أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن لم يلد ولم يولد، ولم يمت ولم يقتل، ولا يأكل ولا يشرب.
وبحسب اعتقادهم أن الله تجلى في علي فقد اتخذ علي محمداً وبالغوا في كفرهم فقالوا:
إن علياً خلق محمداً،
ومحمد خلق سلمان الفارسي،
وسلمان خلق الأيتام الخمسة الذين بيدهم مقاليد السموات والأرض وهم:
المقداد: رب الناس وخالقهم الموكل بالرعود والصواعق، والزلازل.
أبو الدر: (أبو ذر الغفاري) الموكل بدوران الكواكب، والنجوم.
عبد الله بن رواحة الأنصاري: الموكل بالرياح وقبض أرواح البشر.
عثمان بن مظعون: الموكل بالمعدة وحرارة الجسد وأمراض الإنسان.
قنبر بن كادان: الموكل بنفخ الأرواح في الأجسام (1) ،.
والمجوسية ظاهرة في هذه الأفكار لم يتغير فيها إلا الأسماء فقط.وهذه الأقوال يكفي واحد منها لدحض ما يزعمونه من إسلام، فهي نهاية الكفر والخروج عن منهج الله عز وجل.
ويحتج النصيريون لهذه العقيدة بقولهم: إن الله معبود مقدس يحل في الأجسام متى يشاء، وله التصرف، وإليه ترجع الأمور.
وعلي رضي الله عنه- وحاشاه عن كفرهم - حين زعموا أنه إمام في الظاهر وإله في الباطن قسموا طبيعته إلى قسمين: الظاهر وهو القسم البشري منه قسم الناسوت الذي يأكل ويشرب ويلد ويولد ويتقرب إلى عباده ليعرفوه عن كثب.
وأما الباطن منه فهو قسم اللاهوت: الذي لا يأكل ولا يشرب.
ومن حماقتهم أنهم يستدلون على ألوهية علي بما حصل له من كرامات كقلع باب خيبر، وشجاعته الحربية، وزعموا أنه كان يكلم الجن، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أسند إليه قتال الكفار الظاهرين، وعلي أسند إليه قتال المنافقين، لأنه يعرف البواطن.
وقد اختلفوا في مكان حلوله بعد أن ترك ثوبه الآدمي أي صورته البشرية.
فمنهم من يتجه إلى القمر في عبادته لاعتقاد أنه حل فيه، بل القمر نفسه هو علي، وهؤلاء يسمون الشمالية.
ومنهم من يتجه إلى الشمس في عبادته لاعتقادهم أنه حل فيها، بل الشمس نفسها هي علي، وهؤلاء يسمون الكلازية (2) ،، ومن هنا قال مدير مدرسة نصيرية حينما سمع بوصول رواد الفضاء من الأمريكان وغيرهم إلى سطح القمر - بزعمهم- (إن كان ما ذكروه حقاً أن القمر مكون من جمادات فعلى الدين السلام، وغضب لربه وقال في ذمه لهذه الكشوفات عن القمر: (الآن ينتهي مفعول الدين إذا أثبتت هذه الكشوف كونه مجموعة من التلفيقات) (3) ،.
بينما المسلم الحق لا يتأثر في دينه ولو دخل الناس النجوم الواحد تلو الآخر؛ بل يقول: هذا من تمكين الله لهم لا بقدرتهم، ولا يغضب؛ لأنه يعلم أن ربه هو خالق الكون وما فيه، وأنه هو الذي يمكن عباده من كل ما يشاءه تعالى.
ويؤكد صاحب الهفت الشريف أنه (ما من مؤمن يموت إلا وتحمل روحه إلى الإمام علي فينظر فيها، فإذا كان مؤمناً ممتحناً صافياً صعدت الملائكة بروحه إلى السماء فتغمسها في عين على باب الجنة اسمها عين الحياة) الخ (4) ،.
ويقول عن الأئمة:
(نحن الأئمة أولياء الله لا يفتر علينا من علمه شيء لا في الأرض ولا في السماء، نحن يد الله وجنبه، ونحن وجه الله وعينه، وأينما نظر المؤمن يرانا. إن شئنا شاء الله - ولا تلقه إلا إلى أهله- والحمد لله الذي اصطفانا من طينة نور قدرته، ووهبنا سر علم مشيئته ...إلخ) (5) ، .
ويتجلى تأليههم للإمام علي رضي الله عنه في تلك الأدعية الركيكة الخالية عن العقل وعن أدنى المعرفة، والتي تسمى (سوراً) عندهم.
جاء في السورة الثالثة: (اللهم إني أسألك يا مولاي يا أمير النحل، يا علياً يا عظيم يا أزل يا فرد يا قديم، يا علي يا كبير يا أكبر من كل كبير، يا خالق الشمس والقمر المنير، يا علي يا قدوة الدين يا عالم يا خبير، يا راحم الشيخ الكبير يا منشئ الطفل الصغير، يا جابر العظم الكسير يا محل كل يسير من غير عسير الذي يعرف المعرفة وينكرها عليه وعلى أبو دهية (6) ، ما يستحق من الله، وعلى أبو سعيد السلام ورحمة الله) (7) ،.
وفي سورة السجود: (يا علي سجد لك وجهي الفاني البالي إلى نور وجهك العزيز الحي الدائم... يا علي لك الإلهية يا علي لك الملكوتية...إياك مولاي علي نعبد) (8) ، إلخ ذلك الهراء الطويل.
وفي سورة الإشارة:
(لله ارتفاع القصد والعزة والإشارة لك يا مولاي يا أمير المؤمنين يا علي يا أنزع يا بطين (9) ، يا محيي العظام الدوارس وهي رميم اللهم إني أسألك يا مولاي يا أمير المؤمنين أن تجعلنا في عبادتك كاسبين غانمين مؤيدين منصورين، ولا تجلعنا في عبادتك لا خاسرين ولا نادمين) (10) ، وما أحراهم بنهاية الخسارة والندامة، ولو كانت لهم عقول لما جمعوا لعلي رضي الله عنه بين الألوهية والإمارة.
وجاء في السور الكبيرة:
(أول معرفتي بالله أشهد شهادة تقية نقية مشعشعة نورانية بيضية علوية حجابية محمدية، أشهد شهادة الحق في منهج الصدق، أشهد شهادة بأن لا إله إلا مولاي ومولاك أمير النحل علي، ولا حجاب إلا السيد محمد ولا باب إلا السيد سلمان...وأشهد أن الله علي ربي يحييني ويميتني، وهو الحي الذي لا يموت (11) ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير وإليه المصير) (12) ،.
ويظهر الأثر اليهودي واضحاً في السورة السادسة عشرة المسماة سورة النقباء، وفيها: (سر اثني عشر نقيباً، سر ثمانية وعشرين نجيباً، سر أربعين قطباً أولهم عبد الله بن سبأ، وآخرهم محمد بن سنان الزاهري...سر عبد الله بن سبأ نقيب النقباء، سر محمد بن سنان الزاهري نجيب النجباء، سرهم أسعدهم الله أجمعين في أربع أقاليم الدنيا والدين بحق الحمد لله رب العالمين) (13) ،.
إلى آخر هذه الخزعبلات والسور التي تحوي مثل ذلك الكفر والإجرام والتعابير الركيكة التي لا تمت إلى العقل والمعرفة بأدنى صلة، لقد فاق هؤلاء بلادة الحمير وكل المخلوقات، وكانوا أضل من الأنعام.
وهناك نصوص أخرى تركتها خشية الإطالة، تنضح مجوسية وإلحاداً، مما يدل دلالة قاطعة على أن الذين وضعوا الديانة النصيرية كانوا متشبعين بالمجوسية، ولهم اطلاع على كل الديانات من يهودية ونصرانية وهندوسية وغير ذلك.
وقد أضافوا إلى ألوهية علي وحلول الإله فيه أن الإله حل أيضاً في سائر الأئمة من بعد علي، ومن ذلك ما قالوه في مقتل الحسين مما نقلناه سابقاً عن الهفت الشريف وزعمهم فيه أن الحسين هو الله رب العالمين، بل إنهم يعتقدون جازمين أن الأئمة أفضل من كل الأنبياء، لأن الأئمة بزعمهم يكلمون الله بدون واسطة والأنبياء بواسطة.
وقد اقتبسوا هذه الأفكار الخاطئة عن الشيعة الاثني عشرية، وهؤلاء أخذوها عن ابن سبأ اليهودي، ومن العجب أنهم مرة يجعلون الإمام علياً إلهاً، ومرة أخرى يجعلونه نبياً، ومرة أخرى يستدلون على فضائله بكلام الله في القرآن يحرفونه بأقوال مكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا خرج الكثير من شبابهم بسبب هذا الخلط والاضطراب الفكري إلى الإلحاد الماركسي.
وبعد أن استوثق هؤلاء الفجار من قبول الطغام الذين هم على شاكلتهم بكل ما جاءوهم به من الكفر والإلحاد دون اعتراض طمع هؤلاء في دعوى الألوهية بعد أن استهانوا بأمرها لكثرة المتألهين في مبادئهم، بحجة أن الله - تعالى عن جهلهم- يحل في من يشاء من عباده.
وقد ادعى رجل منهم الألوهية في هذا الزمن حين كانت فرنسا مستعمرة للشام وتخطط لإحياء الجهل وطمس الدين بأي وسيلة كانت؛ لتبقى أطول مدة تحكم فيها بلاد المسلمين فوقع اختيارهم على دمية نصيري من سوريا يسمى سلمان المرشد، فأوصل نفسه إلى رتبة الألوهية- لأن الله تقمص به- وآمن به واتبعه كثير من النصيريين.
وقد مثل المهزلة تمثيلاً جيداً فكان كما يذكر في تاريخه يلبس ثياباً فيها أزرار كهربائية، ويحمل في جيبه بطارية صغيرة متصلة بالأزرار، فإذا أوصل التيار شعت الأنوار من الأزرار فيخر له أنصاره ساجدين حين يرون طلعته الشقية.
ومن الطريف أن المستشار الفرنسي الذي كان وراء هذه الألوهية المزيفة كان يسجد مع الساجدين ويخاطب سلمان المرشد بقوله: يا إلهي، وبعد أن ادعى الألوهية كان عليه أن يرسل الرسل، وهذا ما حصل بالفعل فقد اتخذ سلمان المرشد رسولاً اسمه سلمان الميده، وكان يشتغل جمَّالاً عند أحد المزارعين في حمص، في حين كان سلمان المرشد مدعي الألوهية راعي أبقار، وهكذا يكون الإله راعياً والرسول جمَّالاً كما يذكر الحلبي.
قال أبو الهيثم: (لقد جاء يوم على المرشدية كانت فيه سيفَ الفرنسيين المصلت على رقبة كل وطني في هذه المحافظة - يقصد اللاذقية-، وكان ذلك عام 1938م، إذا أقام ربها سلمان نفسه دولة ضمن دولة يفرض الإتاوات ويجبي الضرائب وينصب المحاكم وينفذ أحكام الإعدام ويقطع طرق المواصلات إلخ (14) ،.
وحين رحل الفرنسيون عن سوريا في مواكب العار- كما سماها أبو الهيثم- وذلك سنة 1938م- ترك له هؤلاء من أسلحتهم ما أغراه بالعصيان، فجردت الحكومة السورية آنذاك قوة بقيادة محمد علي عزمة فتكت ببعض أتباعه واعتقلته مع آخرين ثم أعدم شنقاً في دمشق عام 1946م.
وقد سئل مرة قبل هلاكه فقيل له: أنت إله وأغاخان إله فكيف تتسع الأرض لإلهين؟ فأجاب بقوله: (إن الخالق يبث روحه فيمن يشاء، وقد يبثها في مائة من مخلوقاته فيصيبون أرباباً مثلي) (15) ،.
وقال عنه أبو الهيثم: (العجيب في أمر سلمان أنه لم يكن ليصرح بمزاعمه الإلهية خارج حدود نفوذه قط، وقد مثل منطقته في البرلمان السوري كأي نائب - من غير الناطقين، فلم يسمع منه أي تصريح أو تلميح لما يقول فيه أتباعه، وأذكر أنني اجتمعت به وسألته عن هذه الدعوى التي تشيع عنه فأنكرها أشد الإنكار، وشهد على نفسه بالإسلام.
وقد قال لي يومئذ: إن كل مهمته في جماعته هي أن يحاول تنظيم أمورهم على أساس الإسلام، وعدّد بعض أعماله الإصلاحية هناك مما لا غبار عليه..غير أن الواقع أن الرجل كان أذكى من أن يصرح بغير هذا أمام أي عاقل خارج جماعته) (16) ،.
وبعد هلاك هذا المتأله ألّه أتباعه ابنه مجيب الأكبر بن سلمان المرشد، وقد قتل هذا أيضاً، ولكن استمر أتباعه على تأليهه، ومن حماقاتهم وخبثهم على المسلمين وزعمائهم أنهم يقولون عند ذبح أحدهم ذبيحته: باسم مجيب الأكبر من يدي لرقبة أبي بكر وعمر (17) ، ومن هنا فإنه لا يجوز لأي مسلم إذا مر بديارهم أن يأكل من ذبائحهم.
ومن العلماء من يذكر أنهم الآن يريدون تأليه أحد أخوة مجيب الذين لا يزال لهم نفوذ عند جهلاء النصيرية (18) ؛ بل ويصرحون بتمسكهم بالمرشدية، يقول أبو الهيثم: فالمرشدي لا يكتم عقيدته في تأليه سلمان وأبناءه الذين أعدهم ذلك الأب (البار) لمنصب الألوهية منذ أن اختار لهم بعض أسماء الله الحسنى (فاتح، سميع، مجيب) (19) ،.
وقد أصبح من المألوف أن تسمع هذا المرشدي يدافع عن عقيدته باسم حرية الفكر، ولهم صلاة يسمونها الصلاة المرشدية وينسبونها إلى مجيب الأكبر، يقولون فيها: تسبيح إلى مولانا مجيب بن سلمان المرشد الرب العظيم.
مولانا لك العزة والمجد والتهليل والتكبير، سبحانك ربنا إنك كريم رحيم، يا مولانا يا مجيب المرشد، سبحانك أنت الرب العظيم، إلى آخر الدعاء الذي اشتمل على صدق اللجوء إلى هذا الرب المخترع، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وينص النصيريون في دعائهم ويلحون على أن الله تعالى يرزقهم بجنود غرباء عنهم وعن وطنهم، يأتون إليهم من جهة الغرب لينقذوهم من حكامهم المسلمين.
وقد وصف الأستاذ الشكعة هذه الإشارات في دعائهم إلى أنها دعوة لفرنسا المستعمرة لتثبت أقدامهم في بلادهم (20) . يقول أبو الهيثم: (ثبت بصورة قاطعة أن المرشدية على صلة وثيقة بالإرسالية البروتستانية الأمريكية في اللاذقية، وهل صلة مريبة لا شك أن وراءها أصابع السياسة الأمريكية وبكلمة أوضح أصابع الصهيونية العالمية) (21) ، (35)
- عقيدتهم في الثواب والعقاب
تؤمن النصيرية بتناسخ الأرواح, وأن الروح عندما تفارق الجسم بالموت تتقمص ثوبا آخر, وهذا الثوب يكون على حسب إيمان هذا الشخص بديانتهم أو كفره بها, وعلى هذا فهم يرون أن الثواب والعقاب ليسا في الجنة والنار وإنما في هذه الدنيا على حسب التراكيب والتقمصات الناسوتية والمسوخية التي تصيب الروح.
وهم إضافة إلى ذلك يؤمنون بعالم روحاني تسكنه المخلوقات العليا أو النجوم وهذه المخلوقات تفيض بالنور بشكل متسلسل وفق ترتيب السموات السبع, وهؤلاء يشكلون العالم النوراني الكبير, وتتكون السموات السبع من أهل المراتب والكواكب ويعتقد النصيريون أن عدد العالم البشري (119) ألفا ويتكون من المقربين والكروبيين والروحانيين والمقدمين والسائحين والمستمعين واللاحقين, وجميع هذه المراتب من العالم النوراني الذي هبط من السماء النورانية على سبع مراحل و أما عالم الظلمة فيضم الأرواح التي لبست قمصان المسوخية في كل أدوار مسخها, ومنها المسخ بصورة امرأة (22) .
وذلك لأنهم يعتقدون أن المرأة لا تستحق أن تكون مؤمنة فإذا قدر لها ذلك فإنها بعد موتها ترد بصورة رجل مؤمن لأن صورة المرأة هي هبوط من الدرجة التي سما لها المؤمن, أما الرجل الكافر بدينهم فيعتقدون أنه عندما يموت ترد روحه في صورة امرأة كافرة, لأن الشياطين كما يقولون من المرأة والإنسان إذا ارتقى في كفره صار إبليسا وورد في صورة امرأة (23) .
ويجري على هذا الاعتقاد قولهم أنه كان قبلنا سبعة أدوار وسبعة أوادم وفي كل دور كان يبعث فيهم آدم ونحن في الدور الثامن وسيبقى الكون والوجود هكذا وإلا يبطل سلطان الله وقدرته (24) .
وتقمص الأرواح بالنسبة للمؤمن في نظرهم هو ارتقاؤه في الدرجات والمراتب حتى يخرج من هذه القمصان اللحمية ويلبس قمصان الأنواع وهي النجوم (25) . فالنجوم هم المؤمنون والصالحون.
أما الكافر فيحل عليه المسخ والنسخ, فيبقى كذلك على مر الأكوار والأدوار يأتي بقمصان رديئة دنيئة كالحيوانات التي تذبح والتي لا تذبح أو أن يأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فيذاق بذلك حر الحديد وبرده. (26)
ويرى المفضل الجعفي أحد مشايخ ابن نصير أن الحجر والشجر والماء والملح وغير ذلك مما لا يدب ولا يمشي ولا يطير, وهو كما يتحلل من أبدان المؤمن والكافر, فكل من هذه الأشياء من كانت له طعم طيبة ورائحة لذيذة أو ملامسة لينة أو مشرب صافي فإنه يكون مما يتحلل من أبدان المؤمنين, وأما الأشياء التي لها رائحة نتنة وطعمها مر وغير ذلك, فإنه يتحلل من أبدان الكافرين. (27)
والكافر في اعتقادهم يمسخ في كل شيء ما عدا الصورة البشرية وذلك لما سبقه من الكفر والجحود والإنكار لأهل الحق - وهم النصيرية - فيعاقب ويعذب بتركيبه بكل شيء ما عدا الصورة البشرية الإنسانية من بقر وغنم وإبل وطير وهوام وكل ذي روح من قردة وخنازير مما يؤكل ولا يؤكل وهذا في نظرهم هو المسخ والنسخ, فالذي يؤكل منه هو نسخ والذي لا يؤكل هو مسخ, وهذا كله - كما يزعمون - عدل من الله عز وجل لهؤلاء الجاحدين لأهل الحق لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [ الانفطار: 6-11], فمسخهم الله لتكذيبهم بالدين لأن (الدين) (28) المذكور في الآية الكريمة - كما يزعمون - هو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. (29)
والتناسخ الذي يقع على الكافر بديانتهم يجري عليه ألف موتة وألف ذبحة وذلك عن طريق المسخ والنسخ ويستدلون على ذلك بآيات منها قوله تعالى عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ [ الواقعة: 61-62] , وقوله تعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [ الإنفطار: 8] وقوله جل وعلا قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا [ الإسراء: 50 - 51], ويعتبرون (الخلق الذي يكبر في الصدور) الذهب والفضة باعتبارهما من معادن الجبال لقوله تعالى وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ [ فاطر: 27] , فالجبال في نظرهم هم الجبابرة والطواغيت الذين ظلموا أهل الحق - النصيرية - فمسخوا على هذه الحالة, حتى ينتهي هذا الدور, فيمسخوا مرة أخرى حيوانات تؤكل وتشرب (30) .
ويبقى عذاب المسخ والنسخ على الكافر بدينهم في جميع الأدوار إلى أن يظهر القائم الغائب - وهو محمد بن الحسن العسكري - فيرد هؤلاء في صورة الإنسانية, ثم يقتلهم من جديد فتجري الأودية بدمائهم كما يجري الماء (31) .
والكافر قبل ظهور القائم ينادي ويصرخ أن يخرجه الله من العذاب الواقع عليه بالمسخ والنسخ وأن يعيده إلى الصورة الإنسانية ليؤمن بدينهم ويعمل صالحا ويستدلون على ذلك بقوله تعالى وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر: 37] , فالكافرون يقولون لربهم أخرجنا من الأبدان المسوخية ومن هذا العذاب إلى الأبدان الناسوتية لكي نعمل صالحا (32) "
والنصيرية في الوقت الحاضر لا تنكر هذا الاعتقاد مطلقا, بل لا تزال تؤمن به وتبرره بكل ما يعنيه هذا الاعتقاد من كفر وإنكار يقول هاشم عثمان النصيري: "إن إنكار وجود البعث شيء طبيعي وهو كان ذائعاً في العصر العباسي قبل ظهور اصطلاح النصيرية (33) ". وكأن وجود هذا الاعتقاد يبرر إنكار النصيرية للبعث والنشور.
والواقع أن اعتقاد التناسخ بكل صوره وأشكاله, يهدم ركنا هاما من أركان الإيمان في الإسلام وهو الإيمان باليوم الآخر بما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار وعدم الإيمان بالآخرة يخرج الإنسان من طريق الإسلام, وهذا واضح في كثير من آيات القرآن الكريم منها قوله تعالى لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: 177] ِ, وقوله تعالى وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [ النساء: 136] ووصف الله هذا اليوم بوصف دقيق في كثير من الآيات والسور كقوله تعالى يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة : 6-8] فكيف بنا فيمن يعتقد بالتناسخ والذي جاء الإسلام لإزالته, كما أزال باقي الاعتقادات الوثنية والإلحادية, أما الآيات التي يستدلوا بها على هذا الاعتقاد الفاسد فهو نوع من المغالطة والتأويل بالرموز والألغاز, والإسلام بريء من هذا لأنه دين الوضوح بلا لبس ولا غموض.
ونستطيع أن نقول بكل تأكيد أن التناسخ مرتبط باعتقادات كثيرة كانت سائدة قبل الإسلام في فارس والهند واليونان, وما يقول الدكتور محمد كامل حسين: "فإن لهذه العقيدة علاقة بمذهب التناسخ في الديانة البوذية, والديانة الهندوكية", ففي الديانة البوذية ظهر بوذا على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور أنسية حوالي ألف مرة, وفي الديانة الهندوكية ظهر شيفا على صور إنسانية عديدة. كذلك ظهر مذهب التناسخ عند فلاسفة اليونان وكانوا يعتقدون بظهور آلهتهم بصورة مختلفة, وكان فيثاغورس أحد فلاسفتهم يدرس هذه الفكرة لأتباعه, بل إنه كان يؤمن بقرابة الإنسان والحيوان"
0 التعليقات: