موقف الدروز من النصيرية
طائفة الدروز تعيش في مناطق قريبة لمناطق تواجد طائفته
النصيرية، ومن الطبيعي أن يقوم النزاع بينهما، وخاصة بسبب الاختلاف الرئيسي في العقيدة، فالدروز يؤلهون الحاكم بأمر الله، بينما النصيرية يؤلهون علي بن أبي طالب.
ومع أن الخلاف قد اشتد بين الطائفتين في بعض الأحيان، فإنه لم يصل إلى أيدينا شيء عن هذا، غير رسالة ألفها حمزة بن علي يرد فيها على عقائد النصيرية لعنه المولى في كل كور ودور).
وواضح مما ورد في هذه الرسالة أن حمزة كان يردّ على كتاب أَلَّفه النصيري اسمه (كتاب الحقائق وكشف المحجوب) والموجه ضد ديانة الدروز، والذي يحاول فيه النصيري أن يقرب بين الدروز والنصيرية، مستعينا بما كتبه حمزة لإثبات أن مذهب الدروز هو بعينه مذهب النصيرية، مما أغضب حمزة وجعله يقول في الرسالة:
(إن من قبل كتابه عبد إبليس، واعتقد التناسخ (1) ، وحلل الفروج، واستحل الكذب والبهتان... وحاشا دين مولانا جل وعز من المنكرات، وحاشا الموحدين من الفاحشات) ).
ويأتي حمزة بعد ذلك على الأقوال والعقائد التي يقول بها النصيري ويرد عليها، وأول العقائد التي يرد بها حمزة على النصيري: (أن جميع ما حرموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا واللياطة فهو مطلق للعارف والعارفة بمولانا جل ذكره) ويرد حمزة على هذا فيقول أنه (كذب بالتنزيل والتأويل).
وأما قوله – أي النصيري -: أنه يجب على المؤمن ألا يمانع أخاه من ماله ولا جاهه، وأن يظهر لأخيه المؤمن عياله ولا يعترض عليهم فيما يجري بينهم، وإلا فما يتم إيمانه). فيرد عليه حمزة بقوله:
(فقد كذب لعنه الله وسرق الأول من مجالس الحكمة (2) بقوله: لا يمنع أخاه من ماله ولا من جاهه... وإلا فمن لا يغار على عياله فليس بمؤمن، بل هو خرمي طالب الراحة والإباحة... إذ كان الجماع ليس هو من الدين ولا ينتسب إلى التوحيد، إلا أن يكون جماع الحقيقة، وهو المفاتحة بالحكمة بعد أن يكون مطلقا للكلام).
وأما قوله – أي النصيري -: بأنه يجب على المؤمنة ألا تمنع أخاها فرجها، وأن تبذل فرجها له مباحا حيث شاء، وأن لا يتم نكاح الباطن إلا بنكاح الظاهر، ونسبه إلى توحيد مولانا جل ذكره، فقد كذب على مولانا عز اسمه، وأشرك به، وألحد فيه... وأما وسائط مولانا جل ذكره، فما منهم أحد طلب من النساء مناكحة الظاهر، ولا ذكر بأنه لا يتم لكن ما تسمعنه إلا بملامسة الظاهر، فعلمنا بأنه لم يكن لهذا الفاسق النصيري لا ينفسد أبدا، لكنه طلب الشهوة البهيمية التي لا ينتفع بها في الدين ولا الدنيا).
وأما قوله: الويل كل الويل على مؤمنة تمنع أخاها فرجها، لأن الفرج مثل أئمة الكفر، والإحليل إذا دخل فرج المرأة دليل على الباطن، وممثوله على مكاسرة أهل الظاهر وأئمة الكفر... ومن عرف الباطن فقد رفع عنه الظاهر، فقد كذب على دين مولانا وحرف وأغوى المؤمنين وأفسد المؤمنات الصالحات، وليس كل من عرف باطن الشيء وجب عليه ترك ظاهره، وكل رجل ينكح امرأة مؤمنة بغير الشروط التي تجب عليه في الحقيقة والشريعة الروحانية كان منافقا على مولانا جل ذكره، إذ كان فيه هتك الدين وهدم التوحيد، ومن كانت لها بعل فلا شروط لها إلا لبعلها).
ويرد حمزة أيضا على النصيري في قضية التناسخ التي يختلفون بها ويقول: (وأما قوله بأن أرواح النواصب والأضداد ترجع في الكلاب والقردة والخنازير إلى أن ترجع في الحديد، وتحمى وتضرب بالمطرقة، وبعضهم في الطير والبوم، وبعضهم ترجع إلى المرأة التي تثكل ولدها، فقد كذب على مولانا سبحانه بأن يعصيه رجل عاقل لبيب فيعاقبه في صورة كلب أو خنزير، وهم لا يعقلون ما كانوا عليه في الصورة البشرية، ولا يعرفون ما جنوه، ويصير حديدا ويحمى ويضرب بالمطرقة، فأين تكون الحكمة في ذلك والعدل فيهم ؟!
وإنما تكون الحكمة في عذاب رجل يفهم ويعرف العذاب ليكون مأدبة لها وسببا لتوبته. وأما العذاب الواقع بالإنسان فهو نقلته من درجة عالية إلى درجة دونها في الدين وقلة معيشته وعمى قلبه في دينه ودنياه، وكذلك نقلته من قميص إلى قميص على هذا الترتيب، وكذلك الجزاء في الثواب مادام في قميصه فهو زيادة درجته في العلوم، وارتقائه من درجة إلى درجة في اللهوات إلى أن يبلغ إلى حد المكاسرة، ويزيد في ماله وينبسط في الدين من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ إلى حد الإمامة، فهذه أرواح الباطنية وثوابها، وما تقدم أرواح الأضداد وعقابها، فمن اعتقد هذا كان عالما بتوحيد مولانا جل ذكره... ومن اعتقد التناسخ مثل النصيرية المعنوية، في علي بن أبي طالب وعبده فقد خسر الدنيا والآخرة , ذلك هو الخسران المبين.
وهنا يأتي حمزة إلى النقطة الحاسمة في الخلاف، وهو اختلافهم في ألوهية الحاكم – كما يقول الدروز -، وألوهية علي بن أبي طالب كما يقول النصيرية، فيقول حمزة: (ثم إنه إذا ذكر عليا – أي النصيري – يقول: علينا سلامه ورحمته، وإذا ذكر مولانا جل ذكره يقول: علينا سلامه، فيطلب الرحمة من المفقود المعدوم، ويجحد الموجود الحاكم بذاته المنفرد عن مبدعاته، ولا يكون في الكفر أعظم من هذا، فصح عند العارف بأن الشرك الذي لا يغفر أبدا هو بأن يشرك بين علي بن أبي طالب وبين مولانا جل ذكره، ويقول علي مولانا الموجود، ومولانا هو علي لا فرق بينهما، والكفر ما اعتقده هذا الفاسق من العبادة في علي بن أبي طالب والجحود لمولانا جل ذكره).
وأما قوله بأن محمد بن عبد الله هو الحجاب الأعظم الذي ظهر لمولانا الحاكم منه، ومن لم يسدق بهذا الكتاب فهو من أصحاب هامان والشيطان وإبليس... فقد كذب في جميع ما قاله المنجوس النصيري، فما عرف الدين ولا الحجاب، ومحمد كان حجاب علي بن أبي طالب، وأما حجاب مولانا جل ذكره فلا، وهذا قول من عقله سخيف، ودينه ضعيف، والحجاب هو سترة الشيء ليس إظهاره، والذي أظهر المولى جل اسمه نفسه منه كيف يشاء بلا اعتراض عليه يقال له حجة القائم، وهو المهدي، وبه دعا الخلق بنفسه إلى نفسه، وباشر العبيد بالصورة المرئية ومخاطبة البشرية، وكنه مولانا لا تدركه الأوهام والخواطر).
بعد هذا الرد من حمزة على النصيري، نورد نصا غريبا على طريقة السؤال والجواب، يفيد أن النصيرية فرقة من فرق الدروز، وانفصلت عنها، مع أن هذا لم يؤيده أي مصدر تاريخي أو أي مصدر من مصادر الدروز والنصيرية، والنص كان كما يلي:
س: وكيف انفصلت النصيرية عن الموحدين، وخرجوا عن دين التوحيد ؟
ج: انفصلوا بدعوة النصيري لهم حيث زعموا أنه عبد مولانا أمير المؤمنين، وأنكر لاهوت مولانا الحاكم، واعترف بلاهوت علي بن أبي طالب الأساس، وقال إن اللاهوت ظهر في الأئمة الإثني عشر آل البيت. وغاب بعد أن ظهر في محمد المهدي القائم، واختفى في السماء ولبس الحلة الزرقاء وسكن الشمس، وأن النصيرية كلما صفى منهم واحد بطريق الانتقال في الأدوار رجعت العالم ولبس ثوب البشرية بعد الصفا يرجع يصير نجما في السماء وهو مركزه الأول. وإن عمل معصية تخالف لوصية علي أمير المؤمنين الرب الأعلى يعود يهوديا أو مسلما سنيا أو نصرانيا، ثم يتكرر إلى أن يصير مثل الفضة في الروباص، ويرجع يصير نجما في السماء، وإن الكفرة الذين ما عبدوا عليا بن أبي طالب كلهم يصيرون جمالا وبغالا وحميرا وكلابا وخرفانا للذبح وأمثال ذلك لكن الوقت إلى شرحها ضيق، وخاصة انتقال نفوس البشر إلى البهائم والحيوانات، ولهم مناقب وكتب كفرية مثل ذلك) (3) .
ولأهمية علاقة الدروز بالنصيرية والتقائهما في كثير من العقائد، نورد نص ما جاء في مخطوطة (في تقسيم جبل لبنان) عن العقائد المتشابهة بين النصيرية والدروز:
1 – قضية التناسخ
بانتقال أرواح من مات منهم إلى جسم آخر، ولكن الدروز يقتصرون على انتقال الأرواح من الإنسان إلى الإنسان فقط، حتى أنهم يزعمون أن روح الدرزي لا تنتقل لجسد غير درزي، وهكذا المسلم ينتقل إلى مسلم، والنصراني إلى نصراني وهلم جرّا.
وإذا تنصر واحد منهم مثلا ومات نصرانيا، وأسلم ومات مسلما، فلابد أن تكون والدته قد جاءت به من الزنا مع رجل مسلم أو نصراني أو يهودي، بحسب الملة التي انتقل إليها ذلك الرجل أنه لابد من بقاء أنفس كل ملة على مقدار ما هي عليه، وهكذا لو أن نصرانيًا مثلا اطلع على دين الدروز واعتقده وعمل بموجبه ومات على ذلك فترجع روحه إلى ملته القديمة لأن الباب قد قفل بعد ظهور الحاكم بأمره وآمن من آمن، وكفر من كفر وانقطع الأمل ولم يبق وجه لدخول أحد في دينهم.
وأما النصيرية فيعتقدون بانتقال الأرواح من البشر إلى البهائم والحشرات حتى من الممكن انتقال روح أحدهم إلى المعادن كالحديد مثلا لكي تحمى بالنار ويتطرق بالمراذب على السدان، وذلك لأجل القصاص، ثم ترجع تلك الروح ثانية إلى البشر ولا تزال تتكرر حتى تتطهر وحينئذ تصير تلك الروح نجمة تلمع في السماء، وأن الكواكب هي أرواح الصلحاء الذين ماتوا منهم.
2 – قضية العاقل والجاهل
فالعقال يسترون دينهم عن الجهال منهم وإذا أراد أحد الجهال أن يدخل في أمور الديانة، فلا يسلمون الديانة إلا بالتدريج بعد أن يتتلمذ إلى أحد مشايخ دينهم ويتخذه والدا دينيا له.
3 – يتفقون معهم باستباحة وقتل وسلب من يخالف معتقدهم.
4 – يتفقون معهم بقدمية زمان إيجاد العالم، وأن العالم قد خلق على ما هو عليه الآن لا يزيد ولا ينقص.
5 – يتفقون معهم بقضية الأدوار والأئمة والناطق والأساس والسابق والتالي، ولكن يختلفون في صفات أصحاب الأدوار، فالبعض من هؤلاء الأشخاص يكرمونهم بأكثر مما يكرمهم الدروز، ويكرمون بعض الأشخاص الممقوتين من الدروز كمحمد وعلي وعيسى وبطرس وموسى ويوشع وإبراهيم وإسماعيل ونوح وسام وآدم وهابيل ثم شيت.
6 – وهم يعتقدون بالقرآن ويفسرونه على ما يطابق معتقداتهم التي هي مؤلَّفة من جملة معتقدات مختلفة) (4) .
ونستنتج من هذا أن نقطة الخلاف الرئيسية بين الدروز والنصيرية هي ألوهية الحاكم عند الدروز، وألوهية علي عند النصيرية، أما بقية العقائد فقد يلتقون في شيء منها، ويختلفون في شيء آخر منها، كما هو في عقيدة التناسخ، فالدروز يصورونها على أنها تقمص من جسد إنسان إلى جسد إنسان آخر، بينما النصيرية يجيزون أن تتحول النفس الإنسانية إلى حيوان أو نبات أو جماد (5)
0 التعليقات: