أهل البيت وبيانهم لحقيقة الشيعة:
وقبل أن ننتهي من هذا نريد أن نثبت ههنا أن أهل البيت كانوا على علم ومعرفة من صنيع هؤلاء القوم ومعاملاتهم معهم، وعلى ذلك لم يقصروا بدورهم أيضاً في بيان حقيقة هؤلاء القوم على الناس، وتنوير الرأي العام، وكيل اللعنات والحملات العشواء ضدهم، من أولهم إلى آخرهم.
فأول المبتلين بهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يتأن ولم يتأخر في إيقافه إياهم موقف المجرمين المتخاذلين، والمتعنتين المعاندين الطاعنين.
فقال: أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن جئتم إلى مشاقة نكصتم. لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟ فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير، لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم! أوليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الإسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عني وتختلفون عليّ؟
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ" (نهج البلاغة ص258، 259).
وقال مرة أخرى مخاطباً إياهم:
أف لكم! لقد سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً؟ وبالذل من العز خلفاً؟ إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون، وكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، كلما جمعت من جانب انتشرت من آخر، لبئس - لعمر الله - سعر نار الحرب أنتم.
تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون (الامتعاض هو: الغضب)، لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله المتخاذلون! وأيم الله! إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت، قد انفرجتم عن أبي طالب انفراج الرأس" (نهج البلاغة ص78).
ومرة أخرى يبين للناس ما هم في الجبن والمخاذلة والفساد والباطل فيقول:
كم أداريكم كما تداري البكار العمدة، والثياب المتداعية! كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر، كلما أطل عليكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه، وانحجر انحجار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها. الذليل والله من نصرتموه! ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل (السهم مكسور الفوق، عار عن النصل). - إنكم والله - لكثيرة في الباحات قليل تحت الرايات، وإني لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم! لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق!" ("نهج البلاغة" ص98، 99).
وأيضاً "وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون! وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون! وكانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، فمكنتم الظلمة من منزلتكم، وألقيتم إليهم أزمتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، وأيم الله، لو فرقوكم تحت كل كوكب، لجمعكم الله لشر يوم لهم" ("نهج البلاغة" ص154).
و "كأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون حقاً ولا تمنعون ضيماً، قد خليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوم" (نهج البلاغة ص180).
وقال متأسفاً ويائساً عنهم:
فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من؟
أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشركة، وهو يعلم أن ضلعها معها! اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركى! أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى ولدها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفا، وصفاً صفا. بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى. مرة العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام: ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر. على وجوههم غبرة الخاشعين.
أولئك إخواني الذاهبون. فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم" ("نهج البلاغة" ص177، 178).
وأخيراً يكب عليهم جعبته، ويدعو عليهم ويقول:
ما هي إلا الكوفة، أقبضها وأبسطها، إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله! …. اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مث (أي أذب، من الإذابة) قلوبهم كما يماث الملح في الماء" ("نهج البلاغة" ص66، 67).
هذا وقد قال الحسن ما ذكرنا سابقاً:
أرى والله معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي" (الاحتجاج للطبرسي ص148).
وقد قال أيضاً:
عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي من كان منهم فاسداً، إنهم لاوفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم مختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا" ("الاحتجاج" ص149).
وقال الحسين بن علي وهو واقف في كربلاء:
يا شيث بن ربعي! ويا حجار بن أبحر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! (أسماء شيعته) ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة" (الإرشاد للمفيد ص234. أيضاً إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ص242).
وقال الحر بن يزيد التميمي نيابة عنه وهو واقف أمامه في كربلاء يوم مقتله:
يا أهل الكوفة! لامكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، وجلأتموه ونساءه وصبيته وأهله من ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. فهاهم قد صرعهم العطش بئس ما خلفتم محمداً في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ" (الإرشاد ص234، 235، إعلام الورى للطبرسي ص243).
وهؤلاء الذين أخبر عنهم الفرزدق الشاعر:
"يا ابن رسول الله! كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل" ("كشف الغمة" 2/ 38).
ونقل المفيد أنه قال:
حججت بأمي سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن علي عليهما السلام خارجاً من مكة مع أسيافه وأتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟
فقيل: للحسين بن علي عليهما السلام فأتيته فسلمت عليه وقلت له: أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ فقال: لو لم أعجل لأخذت، ثم قال لي: من أنت؟ قلت: امرؤا من العرب، فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك، ثم قال لي: أخبرني عن الناس خلفك، فقلت: الخبير سألت. قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء" (الإرشاد ص218).
وأما الحسين:
فلما رأى عليه السلام وحدته ورزأ أسرته وفقد نصرته تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم وقال لهم:
يا أهل الكوفة قبحاً لكم وتعساً حين استصرختمونا والهين فأتينا موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيماننا، وحششتم علينا ناراً نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً لأعدائكم، من غير عدل أفشوه فيكم، ولا ذنب كان منا إليكم، فلكم الويلات, هلا إذ كرهتمونا والسيف ماشيم والجأش ما طاش والرأي لم يستحصد, ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الدنيا، وتهافتّم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفهاً وضلة وطاعة لطواغيت الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلونا، ألا لعنة الله على الظالمين،
ثم حرك إليهم فرسه وسيفه مصلت في يده وهو آيس من نفسه" ("كشف الغمة" 2/ 18، 19).
وأخيراً هؤلاء الذين دعوهم إلى كربلاء دعا عليهم كدعاء أبيه على شيعته، فيذكر المفيد:
"ثم رفع الحسين عليه السلام يده وقال: اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا" (الإرشاد ص241، أيضاً إعلام الورى للطبرسي ص949).
وأما علي بن الحسين الملقب بزين العابدين فأبان عوارهم وأظهر عارهم وكشف عن حقيقتهم فقال:
إن اليهود أحبوا عزيراً حتى قالوا فيه ماقالوا، فلا عزير منهم ولا هم من عزير، وإن النصارى أحبوا عيسى حتى قالوا فيه ماقالوا فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى، وأنا على سنة من ذلك، إن قوماً من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير وما قالت النصارى في عيسى، فلا هم منا ولا نحن منهم.
هذا، وشيعته خذلوه وتركوه، ولم يبق منهم إلا الخمسة كالرواية التي رويناها قبل، وأيضاً ما رواه فضل بن شاذان (رجال الكشي ص107).
أو ثلاثة كما ذكر جعفر بن الباقر أنه قال:
ارتد الناس بعد قتل الحسين عليه السلام إلا ثلاثه، أبو خالد الكابلي, ويحيى بن أم الطويل, وجبير بن مطعم, - وروى يونس بن حمزة مثله وزاد فيه: وجابر بن عبد الله الأنصاري" (رجال الكشي ص113).
وأما محمد الباقر فكان يائساً من الشيعة إلى حد حتى قال:
لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً والربع الآخر أحمق" ("رجال الكشي" ص179).
ويشير جعفر أنه لم يكن لأبيه الباقر مخلصون من الشيعة إلا أربعة أو خمسة كما روى:
إذا أراد الله بهم سوءا صرف بهم عنهم السوء، هم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً، يحيون ذكر أبي، بهم يكشف الله كل بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الغالين. ثم بكى فقلت: من هم؟ فقال: من عليهم صلوات الله عليهم ورحمته أحياء وأمواتاً بريد العجلي, وزرارة, وأبو بصير, ومحمد بن مسلم" (رجال الكشي ص124).
وأما الباقر فكان لا يعتمد حتى ولا على هؤلاء، فكما روي عن هشام بن سالم عن زرارة أنه قال: سألت أبا جعفر عن جوائز العمال؟ فقال:
لا بأس به، ثم قال: إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان" ("رجال الكشي" ص140).
ثم وكيف كان هؤلاء ؟ فأعرفهم عن جعفر أيضاً، ولقد روى مسمع أنه سمع أبا عبد الله يقول:
لعن الله بريداً، لعن الله زرارة" (رجال الكشي ص134).
وأما أبو بصير فقالوا: إن الكلاب كان تشغر في وجه أبي بصير" (رجال الكشي ص155).
وأما جعفر بن الباقر فإنه أظهر شكواه عن شيعته بقوله حيث خاطب:
أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً" (الأصول من الكافي ج1 ص496 ط الهند).
ولأجل ذلك قال له أحد مريديه عبد الله بن يعفور كما رواه بنفسه:
"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوال لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق" (الأصول من الكافي 1/ 375 ط طهران).
وفوق ذلك شكاكاً في القوم كله، ولأجل ذلك لم يك يفتيهم إلا بفتاوى مختلفة حتى لا يفضوها إلا الأعداء والمخالفين... وإنه كان كثيراً ما يقول: ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلا عبد الله بن يعفور" ("رجال الكشي" ص213).
ومرة خاطب شيعته فقال: ما لكم وللناس قد حملتم الناس عليّ؟ إني والله ما وجدت أحداً يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلاً واحداً عبد الله بن يعفور، فإني أمرته وأوصيته بوصية فاتبع أمري وأخذ بقولي" (الأصول من الكافي ص215).
وأما ابنه موسى فإنه وصفهم بوصف لا يعرف وصف جامع ومانع لبيان الحقيقة مثله، وبه نتم الكلام، فإنه قال:
لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكؤوا على الأرائك، فقالوا: نحن شيعة علي" (الروضة من الكافي 8/ 228). (1)
عداء الشيعة الاثني عشرية للأئمة الأربعة:
كان موقف أعلام الاثني عشرية وأقطابها قديماً وحديثاً من أئمة المذاهب السنية الأربعة وأتباعهم موقف عداءٍ.
ولا ينبغي أن يُستغرب هذا منهم بحال؛ فقد نصبوا العداء لمن هم أفضل من هؤلاء وأكمل؛ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهم.
ومما سوّد به الاثنا عشرية كتبهم من مواقف عدائية تجاه أئمة السنة الأربعة وغيرهم: ما أخرجه الكليني بسنده إلى أبي جعفر الباقر أنه قال -وهو مستقبل الكعبة-: (إنما أُمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول الله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [ طـه:82]- ثم أومأ بيده إلى صدره- إلى ولايتنا.
ثم قال: يا سدير (1) ! فأُريك الصّادين عن دين الله؟ ثمّ نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوريّ في ذلك الزمان وهم حِلَقٌ في المسجد، فقال: هؤلاء الصادّون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتابٍ مبين. إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجاء الناس فلم يجدوا أحداً يُخْبِرُهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حتّى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم) (2) .
ويقول شيخهم الأوالي (3) : (ذكر نبذة من أحوال أئمتهم الأربعة وسائر علمائهم المبتدعة، وما أحدثوه في الدّين من البدع الفظيعة، لا سيما من بينهم أبو حنيفة صاحب البدع الكسيفة، ومَن ليس له من الله خيفة)! (4) .
وذكر القاضي عياض في الترتيب أن رجلاً من الإمامية سأل مالكاً رحمه الله: (من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟) فقال مالك: أبو بكر. قال: ثم من؟ قال: عمر. قال: ثم من؟ قال: الخليفة المقتول ظلماً عثمان. فكان جواب هذا السائل الرافضي أن قال للإمام: "والله لا أجالسك أبداً" (5) .
ومن صور عدائهم للأئمة الأربعة أيضاً ما جاء على لسان بعض شعرائهم:
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً | ينجيك يوم البعث من ألم النار | |
فدع عنك قول الشافعي ومالكٍ | وأحمد والنعمان أو كعب أحبار (6) | |
ووال أناساً قَولُهُم وحَدِيثُهُم | روى جَدُّنا عن جبرائيل عن الباري (7) |
وجاء في مقدمة كتاب (مختلف الشيعة) للحلي ما يبين نظرتهم التهكمية للأئمة الأربعة:
قالوا: لأي شيء أخذت نعلك معك وهذا مما لا يليق بعاقل بل إنسان؟ قال: خفتُ أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فصاحت الحنفية: حاشا وكلا! متى كان أبو حنيفة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ بل كان تولد بعد المائة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: فنسيت، لعله كان الشافعي.
فصاحت الشافعية وقالوا: كان تولد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة، وكان أربع سنين في بطن أمه ولا يخرج رعاية لحرمة أبي حنيفة، فلما مات خرج، وكان نشؤه في المائتين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: لعله كان مالكاً.
فقالت المالكية بمثل ما قالته الحنفية.
فقال: لعله أحمد بن حنبل.
فقالوا بمثل ما قالته الشافعية.
فتوجه العلامة إلى الملك، فقال: أيها الملك! علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في زمن الصحابة، فهذه أحد بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هذه الأربعة، ولو كان منهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوزون أن يجتهد بخلاف ما أفتاه واحد منهم.
فقال الملك: ما كان واحد منهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة؟
فقال الجميع: لا.
فقال العلامة: ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخيه وابن عمه ووصيه.
وعلى كل حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل، لأنه لم تتحقق شروطه، ومنها العدلان، فهل قال الملك بمحضرهما؟ قال: لا. وشرع في البحث مع علماء العامة حتى ألزمهم جميعاً) (8) .
ويذكر نعمة الله الجزائري قصة غريبة فيقول:
وعنه عليه السلام قال: "مر موسى بن عمران برجل رافع يديه إلى السماء يدعو، فانطلق موسى في حاجته، فغاب عنه سبعة أيام، ثم رجع إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرع ويسأل حاجته، فأوحى الله إليه: يا موسى! لو دعاني حتى يسقط لسانه ما استجبت له حتى يأتيني من الباب الذي أمرته به".
أقول: هذا يكشف لك عن أمور كثيرة: منها: بطلان عبادة المخالفين، وذلك أنهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا وأتوا من العبادات والطاعات، وزادوا على غيرهم، إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أمر بالدخول منها، فإنه سبحانه وتعالى قال: وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، وقد صح عند المسلمين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) (9) وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبوابا بينهم وبين ربهم وأخذوا الأحكام عنهم) (10) .
ويقول علي العاملي البياضي صاحب كتاب (الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم) عاقداً باباً بعنوان: باب في تخطئة كل واحد من الأربعة في كثير من أحكامه.
وفيه فصول:
الأول: فيما أجمعوا عليه.
الثاني: فيما اختلفوا فيه.
الثالث: فيما أضيف إليهم من المخازي.
الرابع: في البخاري.
الخامس: فيما أنكر مسلم والبخاري من الأحاديث.
فنقول: أولاً: إن هؤلاء الأربعة ليسوا من الصحابة بل من التابعين، وقد رضيت أهل السنة بنسبة جملة المذهب إليهم، وقد عدلت عن نسبته إلى نبيهم، التي هي أوكد لتعظيمه وحرمتهم، من نسبته إلى قوم يخطّئ بعضهم بعضاً، وربما يلعن بعضهم بعضاً، وقد اعترفوا بكمال دينهم في حياة نبيهم في قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].
فاختلاف الأربعة إن كان لاختلاف في المقال، فقد وثقوا بمن شهدوا عليهم بالفسق والضلال، وإن كان لا حاجة دعتهم إليه، فكيف يقتدى بمن يشهد على ربه بنقص دينه؟ وإن كان له حاجة فقد قبّحوا ذكر نبيهم حيث وضعوا ما لم يكن في زمانه، وإن كان لزعمهم أنهم أعرف وأهدى لشريعة نبيهم فأتوا بما لم يأت به، فهو بهت لعقولهم مع اختلافهم في أحكامه، ولقد كان أسلافهم ضلالاً قبل ظهورهم.
وما الدليل على وجوب الاقتصار على الأربعة دون الأقل منهم أو الزائد عليهم وقد وجد من أتباعهم من يضاهيهم، فلم لا يسري الاسم والتقليد إليهم، إذا كانوا يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم:((اختلاف أمتي رحمة)) (11) ؛ فمن زاد فيه زاد في الرحمة، فكان اختلاف كل شخصين من الأمة أبلغ من تحصيل الرحمة، ولزم كون الائتلاف موجباً للتقية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصدر الأول مبعّدين من هذه الرحمة) (12) .
ويقول محمد الرضي الرضوي:
"ولو أن أدعياء الإسلام والسنة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم، ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل، الذين لم يكن واحد منهم شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقل عنه شيئاً من حديثه وسنته، قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [ آل عمران:31]، فآية المحبة لأهل البيت عليهم السلام الذين جعل الله مودتهم أجر الرسالة في قوله: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] الاتباع لهم في الأقوال، والاقتداء بسيرتهم في الأفعال، والرجوع إليهم لأخذ سنة جدهم منهم عليه السلام؛ لأن أهل البيت أدرى بما في البيت، وأئمة أصحاب المذاهب الأربعة كانوا في حياد عنهم عليه السلام، فأين علامة هذا الولاء الكاذب" (13) .
وأما هذه المواقف على التفصيل:
1- رمي الأئمة الأربعة بالجهل ودعوى اعتمادهم في الفقه والحديث على أئمة الاثني عشرية:
من مطاعن الاثني عشرية الكثيرة وافتراءاتهم الجسيمة على أئمة السنة الأربعة: رميهم بالجهل وقلة الفقه في دين الله، وأنهم عالة في ذلك على أئمتهم من أهل البيت وغيرهم، ولذلك نماذج كثيرة في كُتُبِهِم ومصنفاتهم القديمة منها والحديثة.
يقول محمّد بن عمر الكشّي عن الإمام أحمد رحمه الله: (جاهلٌ شديد النصب، يستعمل الحياكة، لا يعدّ من الفقهاء) (14) .
كما أورد محمّد باقر المجلسي في البحار (15) حكايات عدّة في تجهيل الأئمة لا سيما أبي حنيفة النعمان رحمة الله عليهم جميعاً.
وعقد باباً في بحاره أيضاً (16) أسماه: (باب أنّ كل علم حقٍّ هو في أيدي الناس فمن أهل البيت وَصَلَهُم) (17) .
كما عقد علي البياضي (18) في الصراط (19) باباً كاملاً عنون له: (باب في تخطئة كلّ واحد من الأربعة في كثير من أحكامه).
ويقول أمير محمد القزويني الشيعي الاثنا عشري: "فمنهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، فإنه أخذ الفقه عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل، كان شيخه في العلم والحديث محمد بن فضيل بن غزوان الضبي (20) ، وكان معه من الشيعة" (21) .
والجواب عن ذلك أن يقال:
أولاً: إن مجرّد رواية حديث أو حديثين أو أكثر - كما في رواية الإمام أحمد وغيره عن محمد بن فضيل بن غزوان الضبّي- لا تعني بالضرورة تتلمذ الراوي على المروي عنه، فهناك ما يعرف عند أهل الفن بـ(رواية الأكابر عن الأصاغر) و(رواية الشيوخ عن التلاميذ) (22) .
كما أن ذلك لا يعني كون المروي عنه أعلم من الراوي، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((فرب حامل فِقْهٍ إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فِقْهٍ ليس بفقيه)) (23) .
على أنني أشير هنا إلى مغالطة أخرى للاثني عشرية في هذا المجال؛ حيث يعمدون إلى اعتبار كل من قيل فيه إنه شيعي أنه من الروافض أو من الشيعة الغالية، والحقيقة أن أغلب هؤلاء الذين نجد للأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة السنة المعروفين روايات عنهم إنما هم من الشيعة المفضّلة لا من الشيعة الاثني عشرية (24) .
ثانياً: أن ثمة فرقاً بين رواية أحاديث - لا سيما إن كانت قليلةً - عن شخصٍ، وبين التتلمذ عليه أو الاعتماد عليه في العلم، كما يوهم هؤلاء الشيعة الاثنا عشرية.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن رواية بعض الأئمة الأربعة أحاديث معدودة على الأصابع عن جعفر الصادق رحم الله الجميع: (فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس فيهم من أخذ عن جعفر الصادق شيئاً من قواعد الفقه، لكن رووا عنه أحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه) (25) .
على أننا نقول: إن رواية بعض أئمة أهل السنّة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق رحمه الله لا غرابة فيها؛ إذ هي رواية أهل السنّة بعضهم عن بعض، فكون الشيعة الاثني عشرية ادّعوه، ومن قَبْلِهِ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يجعلهما منهم؛ بل هما منهم بريئان كل البراءة.
وما سوّدوا به كتبهم ك(الكافي) وغيره من روايات مكذوبة عليهما وعلى غيرهما من أئمة أهل البيت لا يغيّر من الحقيقة شيئاً.
ثالثاً: ومما يؤكّد بطلان هذه الدعوى أن أحداً من هؤلاء الأئمة الأربعة وتلاميذهم لم يدع قط مذهب الشيعة الاثني عشرية، ولا ارتضاه لنفسه مذهباً، فكيف يتفق هذا مع زعم أنهم قد استمدوا كل علومهم من فقهٍ وحديثٍ وغيرهما من أئمة الاثني عشرية أو علمائهم؟ ومعلومٌ أن الإناء إنما ينضح بما فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من المعلوم لكل عاقل أنه ليس من علماء المسلمين المشهورين أحدٌ رافضي؛ بل كلهم متّفقون على تجهيل الرافضة وتضليلهم... وهم دائماً يذكرون من جهل الرافضة وضلالهم ما يُعلم معه بالاضطرار أنهم يعتقدون أن الرافضة من أجهل الناس وأضلّهم، وأبعد طوائف الأمة عن الهدى) (26) .
ويقول أيضاً رحمه الله: (والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلّعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم، ما علمتُ رجلاً له في الأمة لسان صدقٍ يُتّهم بمذهب الإمامية، فضلاً عن أن يقال: إنه يعتقده في الباطن) (27) .
وقال عبد القاهر البغدادي: (ولم يكن بحمد الله ومَنِّهِ في الخوارج ولا في الروافض... ولا في سائر أهل الأهواء الضّالة قط إمام في الفقه ولا إمام في رواية الحديث) (28) .
فهذا سرّ ما نجده حتى وقتنا الحاضر من أن بعض أتباع الأئمة الأربعة ربما يُتهم بشيء من الاعتزال أو التصوّف أو الإرجاء، ولكننا لم نسمع قط برافضي حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي اشتهر بالتصنيف والتأليف على مذهبهم واتباع أصولهم؛ وما ذلك إلا لِبُعْدِ الرفض كل البعد عن طريقة أهل العلم، ولأنه نقيض للإسلام، والشيء مع نقيضه لا يجتمعان.
رابعاً: أنه كيف يُعقل أن يكون الأئمة الأربعة رحمهم الله قد اعتمدوا في العلم على الشيعة الاثني عشرية، وقد شهد القاصي والداني والعدو قبل الصديق بعلم هؤلاء الأئمة وفقههم وضبطهم وصدقهم، في حين أن الإمامية بشهادة أكثر الأمة جَهَلَة وكَذَبَة لا سيما في النقليات؟ قال ابن تيمية رحمه الله: (وقد اتفق عقلاء المسلمين على أنه ليس في طائفة من طوائف أهل القبلة أكثر جَهْلاً وضلالاً وكذباً وبدعاً، وأقرب إلى كل شرّ، وأبعد عن كل خير من طائفته) (29) ، يعني الإمامية (30) . (31)
اتهام الأئمة الأربعة بإحداث مذاهب مخالفة للكتاب والسنة
من أقوال علماء الاثني عشرية في هذا، قول البياضي عن أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم: (المخالف أخذ دينه عن القياس والاستحسان، ونحن أخذناه عن أئمة الأزمان الذين أخذوا التحريم والتحليل عن جدّهم النبيل عن جبرائيل عن الرب الجليل) (1) .
كما عقد فصلاً عنون له بقوله: (كلام في القياس عدلوا به عن الكتاب والسنّة)، ثم أنشد في موضع آخر:
إن كنت كاذباً في الذي حدثتني | فعليك وزر أبي حنيفة أو زفر | |
المائلين إلى القياس تعمُّداً | العادلين عن الشريعة والأثر (2) |
كما قال أيضاً متكبّراً متعالياً: (فهذه قطرة من بحار اختلافهم، خالفوا فيها كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، ولهم أقوال أخر شنيعة في أحكام الشريعة) (3) .
وقال علاّمتهم ابن المطهر الحلي في منهاج الكرامة: (وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس، والأخذ بالرأي، فأدخلوا في دين الله ما ليس منه... وأهملوا أقاويل الصحابة) (4) .
وأما محمد باقر المجلسي فقد أورد بعض الأخبار عن علمائهم عتبوا فيها على الأئمة السنية مخالفتهم آراء الصحابة رضي الله عنهم - في زعمهم -، ولا سيما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومن ذلك قول بعضهم: (لا أحد من الفقهاء إلا وقد خالف أمير المؤمنين في بعض أحكامه ورغب عنها إلى غيرها) (5).
وقال أيضاً: (وليس في فقهاء الأمصار سوى الشافعي إلا وقد شارك الشافعي في الطعن على أمير المؤمنين، وتزييف كثير من قوله، والردّ عليه في أحكامه... وهذا ما لا يذهب إليه من وُجد في صدره جزءٌ من مودّته وحقّه الواجب له) (6) .
والجواب عن هذه الاتهامات الخطيرة يأتي في نقاط:
أولاً: إن دعوى اتفاق الأئمة الأربعة أو تواطئهم على مخالفة الكتاب والسنة، لا بينة عليها ولا دليل...
وأما بالنسبة لأقوال الصحابة رضي الله عنهم، فكيف يأخذ الروافض على غيرهم مخالفة الصحابة رضي الله عنهم وهم يحكمون بكُفْرِ هؤلاء الصحابة وضلالهم؟!
إنه لأمرٌ عجيب وغريب، بل وخدعة ومكرٌ عظيم!! وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[الأنفال:30].
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (متى كان مخالفة الصحابة والعدول عن أقاويلهم منكراً عند الإمامية؟! هؤلاء متّفقون على محبة الصحابة وموالاتهم وتفضيلهم على سائر القرون، وعلى أن إجماعهم حجّة... فكيف يطعن عليهم بمخالفة الصحابة من يقول: إن إجماع الصحابة ليس بحجّة، وينسبهم إلى الكفر والظلم؟) (7) .
ثانياً: إن الإمامية الاثني عشرية في طعنهم هذا على الأئمة متناقضون في أنفسهم؛ فتارةً يرمونهم بمخالفة الصحابة رضي الله عنهم، ويعتبرون ذلك جرماً عظيماً لا يُغفر، ثم لا يلبثون أن يقرّوا بأن علوم هؤلاء الأئمة ومعارفهم كلها راجعة إلى علوم الصحابة تارةً أخرى.
ولنسمع ما قاله في هذا المعنى علاّمة الإمامية الاثني عشرية، وأعلمهم في زمانه، ابن المطهر الحلي؛ فقد قال في كتابه( منهاج الكرامة): (ومالك قرأ على ربيعة، وربيعة على عكرمة، وعكرمة على ابن عبّاس، وابن عباس تلميذ (8) علي) (9) .
وقبل هذا بأسطر قال: (وأما الفقه: فالفقهاء كلهم يرجعون إليه) (10) ، يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
والحقيقة التي لا ريب فيها: أن علم هؤلاء الأئمة الفقهاء رحمهم الله وفقههم راجعان إلى علم وفقه الصحابة رضي الله عنهم؛ فالإمام أبو حنيفة قد أخذ جل علمه وفقهه عن شيخه حمّاد بن أبي سليمان واختصّ به، وحمّاد تلميذ النخعي (11) ، والنخعي تلميذ علقمة، وعلقمة تلميذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وأما الإمام مالك فمعروف أن علمه عن أهل المدينة الذين أخذوا عن الفقهاء السبعة (12) ، وهم تلاميذ أعلام الصحابة، كزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر ونحوهما.
والإمام الشافعي تفقّه على المكيين الذين أخذوا عن أصحاب ابن عبّاس رضي الله عنهما، ثم أخذ بعد ذلك عن الإمام مالك.
وأما الإمام أحمد فكان على مذهب أهل الحديث؛ أخذ عن أمثال سفيان بن عيينة، وعن عمرو بن دينار، عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما (13) .
فهل يُعقل أن يُتهم مثل هؤلاء بمخالفة الصحابة أو معارضتهم؟!
ثالثاً: أما عن زعمهم مخالفة الأئمة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض فتاويه وأحكامه، فنقول: إن مخالفة واحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم مع موافقة جمهورهم في حكم من الأحكام ليس بقادح، لا سيما إذا انبنت هذه المخالفة على أسس سليمة من كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ فقول الصحابي ليس بحجّة إذا خالفه غيره من الصحابة -على الصحيح- كما هو مقرر في علم الأصول (14) . (15)
دعوى الإمامية أن المذاهب الأربعة تجري وفق هوى السلطات:
ممن أطلقوا هذه الدعوى العارية من الاثني عشرية: هاشم معروف الحسيني (1) ، حيث قال: (وقد بَيَّنَ من هذا العرض الموجز لتاريخ المذاهب الأربعة: أن من أقوى الأسباب التي ساعدت على انتشارها، ومكّنتها من البقاء الطويل: أن السلطات الحاكمة في جميع الأدوار كانت السند المتين للمذاهب الأربعة منذ أن ظهرت هذه المذاهب حتى العصور المتأخرة) (2) .
وهذا الاثنا عشري مرتضى العسكري (3) الذي قال: (ثم أصبح ما تبنّاه الحكّام قانوناً يُعمل به ومثّل الإسلام الرسمي، وأهمل ما خالفه ونبذ المخالف... وأخيراً ارتأت السلطات أن تَقْسِرَ الأمة على الأخذ بفتاوى أحد أئمة المذاهب الأربعة في الفقه... ولما كان الناس على دين ملوكهم رأوا الإسلام متمثلاً بحُكّامهم وما تَبَنَّوه من حكم وعقيدة وسنة منسوبة إلى النبي، وسمّوا من تابع الحكام بأهل السنة والجماعة) (4) .
وعلى العموم فإن ما قاله هذان الاثنا عشريان المتعصبان ليس بغريب صدوره عن أي رأي شيعي آخر؛ فهم يعتبرون أئمتهم أئمة الثورة، ودينهم ديناً ثوريّاً قائماً على منازعة من ولاّهم الله أمر المسلمين في كل زمان ومكان (5) .
ويقول حسين آل عصفور: (لما انتهت النوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام من رب العالمين فهدم بعض قواعدهم المبتدعة في الدين، وبقي كثير لم يقدر على إزالته لكثرة المخالفين، حتى ظهرت الدولة الأموية، فأججوا نيران البدع الشنيعة، وأظهروا الباطل والأحوال الفظيعة، فزادوا على تلك القواعد وهلم جرا، فشادوا ما أسس أولئك، وزادوا في الطنبور نغمة أخرى فارتبك الأمر على الناس، ولا برحوا مشتملين على هذا اللباس، حتى انتهت الرياسة إلى أرجاس بني العباس، أهل القيان والمزامر والكاس.
وأكثر الفقهاء من العامة في أيامهم، فرفعوا مكانهم، وأمروا الناس بالأخذ بفتياهم، كان أقرب الفقهاء إليهم أشدهم عداوة لآل الرسول، وأظهرهم لهم خلافاً في الفروع والأصول، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل، ومن حذا حذوهم في تلك المذاهب السخيفة، وكان في زمانهم من الفقهاء من هو أعلم، ولكن اشتهر هؤلاء لأنهم لآل محمد أبغض وأظلم، ولما فيهم من التلبيس الذي حملهم عليه إبليس، أظهروا الزهد، والبعد عن الملوك، طلباً لدنيا لا تنال إلا بتركها ظاهراً، ومرآة لهم في السلوك، فمالت إليهم القلوب، ودانت لهم عقول من هم في الضلالة كالأنعام، روجت أسواقهم الكاسدة أقوام أي أقوام، فستروا ما أبدعوا في الدين بإصلاح مموه، وتأويل غير مبين) (6) .
ويقول شيخهم محمد التيجاني في كتابه (ثم اهتديت): (ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير، فليست من عند الله ولا من عند رسوله) (7) .
ويقول في كتابه (الشيعة هم أهل السنة): (وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات وسمتها بمذاهب أهل السنة والجماعة... ثم يقول: والذي يهمنا في هذا البحث أن نبين بالأدلة الواضحة بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة) (8) .
أما الجواب عن هذا الافتراء باختصار فهو أن نقول:
إن الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء أهل السنة لم يكونوا قط آلة بأيدي الحكّام حتى يقال: إن فتاويهم تجري وفق أهوائهم، وسيرهم تزخر بمواقفهم النبيلة؛ سواء من الحكّام العدول أو غيرهم، كلٌّ بما يستحقه حسب ما دَلَّت عليه النصوص الشرعية.
ولو كان الأمر كما يُوهمه الاثنا عشرية، فهل كان الإمام أبو حنيفة ليُضرب ويُحبس حتى الموت بسبب امتناعه عن تولّي القضاء (9) ؟! أم كان الإمام مالك ليُضرب ويطاف به في أرجاء المدينة بسبب فتواه (10) ؟! وهل كان الإمام أحمد بن حنبل ليُمتحن تلك المحنة العظيمة بسبب مذهبه الحق في القول بعدم خلق القرآن (11) ؟! وليجب عن هذه التساؤلات العقلاء من القوم أنفسهم.
أما ما يرونه من مذهب هؤلاء الأئمة رحمهم الله من عدم التشهير بولاة الأمر، أو منازعتهم السلطة، أو تحريض الناس عليهم ونحو ذلك، حرصاً على جَمْعِ الكلمة، وعَدَمِ مفارقة الجماعة، فليس هذا بهوى منهم ولا لمصلحة شخصية لأحد منهم أو لمجموعتهم، وإنما ذلك هو مقتضى سنّة النبي صلى الله عليه وسلم التي أنتم يا معشر الشيعة الاثني عشرية من أجهل الناس بها، كما تقتضيه أصول مذهبكم!
ولنذكر هنا بعض الآثار الصحيحة الدالة على صحة منهج الأئمة الأربعة في هذا الباب:
ففي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: ((دعانا النبيّ صلى لله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كُفْراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)) (12) .
وفيهما عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث خصال ٍلا يُغلُّ عليهن قلبُ مسلمٍ أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تُحيط بهم من ورائهم...)) الحديث (13) .
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة)) (14).
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ((عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك)) (15) ، وفي لفظٍ: ((وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك)) (16) .
أما من آثار الصحابة رضي الله عنهم، فقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تسبّوا أمراءكم، ولا تَغُشّوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب) (17)
وبعد هذا الإجمال في معتقد الإمامية الاثني عشرية في الأئمة الأربعة رحمهم الله نأتي إلى تفصيل أقاويلهم في كل إمام.. والله المستعان. (18)
طعن الشيعة الإمامية في الإمام أبي حنيفة رحمه الله:
نقلوا عن أبي حنيفة أنه أجاز وضع الحديث (1) .
وعلم وورع الإمام وقبول العلماء له يكذب تلك الخزعبلات، والكلام في ضعف الرواية ليس هو الوضع في الحديث، فتنبه!!
فقد روى الكليني في (الكافي) عن سماعة بن مهران، عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث: (إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها -وأهوى بيده إلى فيه- ثم قال: لعن الله أبا حنيفة، كان يقول: قال علي عليه السلام وقلت أنا وقالت الصحابة) (2) .
وروى محمد بن عمرو الكشي في كتابه (اختيار معرفة الرجال) المعروف برجال الكشي، عن هارون بن خارجة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] قال: (هذا ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة) (3) .
وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ[الأنعام: 82] قال: (أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟ قال: هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة) (4) .
ويقول التيجاني: (فهذا أبو حنيفة نجده قد ابتدع مذهباً يقوم على القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة) (5) .
وكل هذا مردود بما تواتر عن الإمام أبي حنيفة بأنه من أئمة السنة والحق والهدى، وبما خلفه من علم تعجز الرجال عن حمله.
ويكشف يوسف البحراني عن الحقد الدفين تجاه هذا الإمام الجليل فيقول:
(إن شاه عباس الأول لما فتح بغداد أمر أن يجعل قبر أبي حنيفة كنيفاً، وقد أوقف وقفاً شرعياً بغلتين وأمر بربطهما على رأس السوق، حتى إن كل من يريد الغائط يركبها ويمضي إلى قبر أبي حنيفة لأجل قضاء الحاجة، وقد طلب خادم قبره يوماً فقال له: ما تخدم في هذا القبر وأبو حنيفة الآن في درك الجحيم؟ فقال: إن في هذا القبر كلباً أسود دفنه جدك الشاه إسماعيل لما فتح بغداد، فأخرج عظام أبي حنيفة وجعل موضعها كلباً أسود، فأنا أخدم ذلك الكلب. وكان صادقاً في مقالته؛ لأن المرحوم الشاه إسماعيل فعل مثل هذا.
ومن كراماته: أن حاكم بغداد طلب علماء أهل السنة وعبادهم وقال لهم: كيف ذلك الرجل الأعمى إذا بات تحت قبة موسى بن جعفر عليه السلام يرتد إليه بصره وأبو حنيفة مع أنه الإمام الأعظم لم نسمع له بمثل هذه الكرامة؟
فأجابوه بأن هذا يصير أيضاً من بركات أبي حنيفة، فقال لهم: أحب أن أرى مثل هذا لأكون على بصيرة من ديني، فأتوا رجلاً فقيراً وقالوا له: إنا نعطيك كذا وكذا من الدراهم والدنانير وقل: إني أعمى، وامش متكئاً على العصا يومين أو ثلاثة، ثم تأتي ليلة الجمعة عند قبر أبي حنيفة، فإذا أصبحت فقل: الحمد لله ارتد بصري ببركات صاحب هذا القبر، فقبل كلامهم، ثم بات تلك الليلة تحت قبته، فلما أصبح بحمد الله وهو أعمى لا يبصر شيئاً، فصاح وقال: أيها الناس! حكايتي كذا وكذا، وأنا رجل صاحب عيال وحرفة، فاتصل خبره بصاحب البلد الحاكم، فأرسل إليه فقص قصته واحتيالهم عليه، فألزمهم بما يحتاج إليه من المعاش مدة حياته) (6) .
طعن الشيعة الإمامية في الإمام مالك رحمه الله:
جاء في (الصراط المستقيم) للبياضي أن جعفر بن أبي سليمان ضرب مالكاً وحلقه وحمله على بعير، وروي أنه كان على رأي الخوارج، فسئل عنهم فقال: ما أقول في قوم ولونا فعدلوا فينا؟ (1) .
ويقول التيجاني: (وهذا مالك قد ابتدع مذهباً في الإسلام) (2) .
وهذا من الظلم البين، فلقد اشتهر مالك بأنه إمام السنة وقامع البدعة.
وعلم مالك ومعرفته بالسنة الشريفة يكذب كل هذا.
طعن الشيعة الإمامية في الإمام الشافعي رحمه الله:
الإمام محمد بن إدريس الشافعي عند هؤلاء القوم (ابن زنا)!
ففي (الكشكول) ليوسف البحراني ما نصه:
(ونقل السيد المشار إليه في الكتاب المذكور نقل بعض علمائهم أن أم محمد بن إدريس لما غاب عنها زوجها جاء إليها بعد أربع سنين فوجدها حاملاً بمحمد فوضعته، فلما بلغ هذا المبلغ من العلم والرئاسة وعرف ذلك الحال ذهب إلى هذا القول.
وبعض محققيهم جعل العلة فيه أن أبا حنيفة كان في الوجود ولا يجتمع إمامان ناطقان في عصر واحد، فاستتر الشافعي في بطن أمه أربع سنين، ولما علم بموت أبي حنيفة خرج إلى عالم الوجود.
فانظر رحمك إلى هذا المولود المبارك وما جرى من أحواله، وإلى تلك المرأة العفيفة وكيف ألصقت ذلك بزوجها وإلى العلة المذكورة وتلقي أسماعهم لها بالقبول في شأن هذا الرجل الذي صار إماماً في المذهب) (1) .
من المفارقات والغرائب عند الإمامية الاثني عشرية: رميهم الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله بالتشيع أو الرفض!
ومن ذلك قول ابن النديم صاحب (الفهرست): (كان الشافعي شديداً في التشيّع؛ وذكر له رجلٌ يوماً مسألة فأجاب فيها، فقال له: خالفتَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له: ثبّت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدّي على التراب وأقول: قد أخطأتُ، وأرجع عن قولي إلى قوله) (2) .
وألحق بعضهم أبياتاً من عنده بأبياتٍ شعرية للإمام الشافعي، يقول فيها الإمام:
يا راكباً قف بالمحصب من منى | واهتف بساكن خيفها والناهض | |
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى | فيضاً كملتطم الفرات الفائض | |
إن كان رفضاً حب آل محمد | فليشهد الثقلان أني رافضي (3) |
أما ما زادها الاثنا عشرية على هذه الأبيات فهي:
قف ثم ناد بأنني لمحمد | ووصيه وبنيه لست بباغض | |
أخبرهم أني من النفر الذي | لولاء أهل البيت لست بناقض | |
وقل ابن إدريس بتقديم الذي | قدمتموه على عليّ ما رضي (4) |
ونسبوا إليه أيضاً أبياتاً أخرى زوراً وبهتاناً، منها:
شفيعي نبيي والبتول (5) وحيدر (6) | وسبطاه والسجاد والباقر المجدي | |
وجعفر والثاوي (7) ببغداد والرضا | وفذاته والعسكريان والمهدي (8) | |
أنا الشيعي في ديني وأهلي (9) | بمكة ثم داري عسقلية (10) | |
بأطيب مولد وأعز فخر | وأحسن مذهب يسمو البرية (11) | |
آل النبي ذريعتي | وهم إليك (12) وسيلتي | |
أرجو بأن أعطى غداً | بيدي اليمين صحيفتي (13) |
وتمسّك بعضهم بقصة محنة الإمام الشافعي مع الخليفة هارون الرشيد، حيثُ حُمل الشافعي ومعه مجموعة من العلويين إلى بغداد -مقر الخلافة- بتهمة الطعن في الخليفة ومنازعته أمر الخلافة.
فاحتجوا بالقصة على أنها دليل على تشيّع الإمام رحمه الله (14) .
والجواب: أن رمي هذا الإمام الجليل بالرفض يتعارض مع ما عرف به وروي عنه بأسانيد صحيحة من أقواله المتواترة عنه رحمه الله.
كما أن هذا القول يتناقض ومواقف الشافعي من الرفض وأهله، فكيف يكون الشافعي رافضياً وهو القائل: (ما رأيت قوماً أشهد للزور من الرافضة) (15) ؟!
ويقول يوسف البحراني كاشفاً عن حقده على الإمام العلم الشافعي راداً على ذلك:
كذبت في دعواك يا شافعي | فلعنة الله على الكاذب | |
بل حب أشياخك في جانب | وبغض أهل البيت في جانب | |
عبدتم الجبت وطاغوته | دون الإله الواحد الواجب | |
فالشرع والتوحيد في معزل | عن معشر النصاب يا ناصبي | |
قدمتم العجل مع السامري | على الأمير ابن أبي طالب | |
محضتم بالود أعداءه | من جالب الحرب ومن غاصب | |
وتدعون الحب ما هكذا | فعل اللبيب الحازم الصايب | |
قد قرروا في الحب شرطاً له | أن تبغض المبغض للصاحب | |
وشاهدي القرآن في (لا تجد) | أكرم به من نير ثاقب | |
وكلمة التوحيد إن لم يكن | عن الطريق الحق بالناكب | |
وأنتم قررتم ضابطاً | لتدفعوا العيب من الغائب | |
بأننا نسكت عما جرى | من الخلاف السابق الذاهب | |
ونجعل الكل على محمل ال | خير لنحظى برضى الواهب | |
تباً لعقل عن طريق الهدى | أصبح في تيه الهوى عازب |
والإشارة بقولنا: لَا تَجِدُ إلى قوله سبحانه: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] فإنه غير مؤمن به، ودعواه الإيمان مع ذلك كذب بحت، فلذلك من ادعى في أحد حباً مع حبه لعدوه فهو كاذب) (16) . (17)
طعن الشيعة الإمامية في الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
ومن طعنهم في الإمام أحمد: نسبة القول بوجوب بغض علي رضي الله عنه إلى الإمام أحمد، وفي هذا يروي البياضي الشيعي الاثنا عشري عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: (لا يكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً ولو قليلاً) (1) ، وادعى أن ذلك في مسند أسماه: مسند جعفر.
والجواب عن ذلك أن يقال:
إن من أحالك إلى مجهول لم ينصفك، فكيف بمن أحالك إلى معدوم، فهذا المسند الذي أحال إليه البياضي في هذا الافتراء الشنيع على الإمام أحمد معدوم.
ثم إن الإمام أحمد قد خصص في كتاب (فضائل الصحابة) مائة وتسعاً وتسعين صفحة كلها في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ويذهب نعمة الله الجزائري إلى أشد من ذلك فيقول:
(حماقة أحمد بن حنبل:
وروى أحمد بن حنبل أنه لو جاء رجل فقال: إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم في هذا اليوم من هو أحمق، فكلم رافضياً لحنث؛ لأنه خالف الإمام علياً عليه السلام، فإنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قال في أبي بكر وعمر: ((هذان سيدا كهول أهل الجنة)) (2) والرافضة يسبونهما.
أقول: الأحمق من يروي هذا الحديث ويصدقه، والصحيح ما روي أنه لا كهل في الجنة إلا إبراهيم الخليل؛ لأنهم أرادوا معارضة الحسن والحسين ( رضي الله عنه) سيدا شباب أهل الجنة، فوقعوا في المناقضة من حيث لا يشعرون) (3) .
ويقول صاحب كتاب: (علل الشرائع):
(وحدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيسابوري بنيسابور قال: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن محمود يقول: سمعت إبراهيم بن محمد بن سفيان يقول: (إنما كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب عليه السلام أن جده ذا الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب يوم النهر وان كان رئيس الخوارج).
حدثنا أبو سعيد أنه سمع هذه الحكاية من إبراهيم بن محمد بن سفيان بعينها.
حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن محمود قال: سمعت محمد بن أحمد بن يعقوب الجوزجاني قاضي هراة يقول: سمعت محمد بن فورك الهروي يقول: سمعت علي بن خشرم يقول: كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجرى ذكر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: لا يكون الرجل مجرماً حتى يبغض علياً قليلاً، قال علي بن خشرم: فقلت: لا يكون الرجل مجرماً يحب كثيراً. وفي غير هذه الحكاية قال علي بن خشرم: فضربوني وطردوني من المجلس.
حدثنا الحسين بن يحيى البجلي قال: حدثنا أبي عن ابن عوانة عن عطاء بن السايب قال: حدثني ابن عبادة بن الصامت قال: حدثني أبي عن جدي قال: إذا رأيت رجلاً من الأنصار يبغض علي بن أبي طالب فاعلم أن أصله يهودي) (4) . (5)
أقسـام أخبار الشـيعة
أما أقسام أخبارهم فاعلم أن أصولهم عندهم أربعة: صحيح وحسن وموثق وضعيف.
أما الصحيح: فكل ما اتصل رواته بالمعصوم بواسطة عدل إمامي. وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلاً في الصحيح لعدم اتصالهما وهو ظاهر، مع أنهم يطلقون عليهما لفظ الصحيح، كما قالوا: روى ابن أبي عمير في الصحيح كذا وكذا. ولا يعتبرون العدالة في إطلاق الصحيح، فإنهم يقولون: رواية المجهول الحال صحيحة كالحسين بن الحسن بن أبان فإنه مجهول الحال نص عليه الحلي في "المنتهى" مع أنها مأخوذة في تعريفه. وكذا لا يعتبر عندهم كون الراوي إمامياً في إطلاق الصحيح فقد أهملوا قيود التعريف كلها.
وأيضاً قد حكموا بصحة حديث من دعا عليه المعصوم بقول: أخزاه الله وقاتله الله، أو لعنه, أو حكم بفساد عقيدته, أو أظهر البراءة منه.
وحكموا أيضًا بصحة روايات المشبّهة والمجسّمة ومن جوّز البداء عليه تعالى، مع أن هذه الأمور كلها مكفرة، ورواية الكافر غير مقبولة فضلاً عن صحتها، فالعدالة غير معتبرة عندهم وإن ذكروها في تعريف الصحيح، لأن الكافر لا يكون عدلاً البتة.
وحكموا أيضاً بصحة الحديث الذي وجدوه في الرقاع التي أظهرها ابن بابويه مدعياً أنها من الأئمة. ورووا عن الخطوط التي يزعمون أنها خطوط الأئمة، ويرجحون هذا النوع على الروايات الصحيحة الإسناد عندهم.
هذا حال حديثهم الصحيح الذي هو أقوى الأقسام الأخرى وأعلاها.
وأما "الحسن" فهو عندهم ما اتصل رواته بالمعصوم بواسطة إمامي ممدوح من غير نص على عدالته. وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلين في تعريف الحسن أيضاً. من أن إطلاقه عليهما شائع عندهم حيث صرح فقهاؤهم أن رواية زرارة في مفسد الحج إذا قضاه في عام آخر حسن، مع أنها منقطعة.
ويطلقون لفظ الحسن على غير الممدوح حيث قال ابن المطهر الحلي طريق الفقيه إلى منذر بن جيفر حسن, مع أنه لم يمدحه أحد من هذه الفرقة.
وأما (الموثق) ويُقال له: (القوي) أيضاً, فكل ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته وسلامة باقي الطريق عن الضعف، مع أنهم أطلقوا الموثق أيضاً على طريق الضعيف، كالخبر الذي رواه السكوني عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين، وكذا أطلقوا القوي على رواية نوح بن دراج وناجية بن أبي عمارة الصيداوي وأحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري مع أنهم إمامية ولكنهم ليسوا بممدوحين ولا مذمومين.
وأما (الضعيف) فكل ما اشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال (1) .
واعلم أن العمل بالصحيح واجب عندهم اتفاقاً، مع أنهم يروون بعض الأخبار الصحيحة ولا يعملون بموجبها، كما روى زرارة عن أبي جعفر قال: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: أطعموا الجدّة السُّدس ولم يفرض الله له شيئاً (2) . وهذا خبر موثق. وروى سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الكاظم قال: سألته عن بنات الابن والجدة. فقال: للجدة السدس، والباقي لبنات الابن وهذا خبر صحيح عندهم، فهم يقولون ما لا يفعلون.
ثم اعلم أن أكثر علماء الشيعة كانوا يعملون سابقاً بروايات أصحابهم بدون تحقيق وتفتيش، ولم يكن فيهم من يميز رجال الإسناد، ولا من ألّف كتاباً في الجرح والتعديل، حتى صنّف الكشي سنة أربعمائة تقريباً كتاباً في (أسماء الرجال وأحوال الرواة) وكان مختصراً جداً لم يزد الناظر فيه إلا تحيراً. لأنه أورد فيه أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل ولم يمكنه ترجيح أحدها على الآخر (3) .
ثم تكلم الغضائري في الضعفاء والنجاشي وأبو جعفر الطوسي في الجرح والتعديل وصنفوا فيه كتباً طويلة. ولكنهم أهملوا فيها توجيه التعارض بالمدح والقدح ولم يتيسر لهم ترجيح أحد الطرفين، ولهذا منع صاحب (الدراية) تقليدهم في باب الجرح والتعديل. (4)
الأدلة عند الشـيعة
اعلم أن الأدلة عندهم أربعة: كتاب، وخبر، وإجماع، وعقل.
أما (الكتاب) فهو القرآن المنـزل الذي لم يبق حقيقاً بأن يستدل به بزعمهم الفاسد، لأنه لا اعتماد على كونه قرآناً إلا إذا أُخذ بواسطة الإمام المعصوم، وليس القرآن المأخوذ من الأئمة موجوداً في أيديهم، والقرآن المعروف غير معتدّ به عند أئمتهم بزعمهم وأنه لا يليق بالاستدلال به لوجهين: الأول: لما روي جماعة من الإمامية عن أئمتهم أن القرآن المنـزل وقع فيه تحريف في كلماته عن مواضعها، بل أسقط منه بعض السور (1) ، وترتيبه هذا أيضاً غير معتدّ لكونه متغيراً عن أصله، وما هو موجود الآن في أيدي المؤمنين هو مصحف عثمان الذي كتبه (2) ، وأرسل منه سبع نسخ إلى أطراف العالم وألجأ الناس على قبوله وقراءته على ما رتبه وآذى من خالف ذلك، فلا يصح التمسك به ولا يعتمد على نظمه من العام والخاص والظاهر والنص ونحوها، لأنه يجوز أن يكون هذا القرآن الذي بين أيدينا كله أو أكثره منسوخاً بالآيات أو السور التي أسقطت منه أو مخصوصاً بها.
الثاني: أن نقلة هذا القرآن مثل ناقلي التوراة والإنجيل، لأن بعضهم كانوا منافقين كالصحابة العظام والعياذ بالله تعالى، وبعضهم كانوا مداهنين في الدين كعوامّ الصحابة فإنهم تبعوا رؤساءهم أي بزعمهم طمعاً في زخارف الدنيا، فارتدوا عن الدين كلهم إلا أربعة أو ستة (3) فغيّروا خطاب الله تعالى، فجعلوا مثلاً مكان (من المرافق) إِلَى الْمَرَافِقِ [ المائدة:6] (4) ومكان (أئمة هي أزكى)، أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [ النحل:92].
فكما أن التوراة والإنجيل لا يُعمل بهما أصلاً فكذلك هذا القرآن، وكما أن التوراة والإنجيل نُسِخا بالقرآن المجيد فكذلك القرآن نُسخت أشياء كثيرة منه ولا يُعلم نواسخها إلا الأئمة الثلاثة.
وأما (الخبر) فقد مرّ بيانه مفصلاً فتذكر. ثم إن ناقل الخبر إما من الشيعة أو غيرهم، ولا اعتبار لغيرهم أصلاً، لأن الصدر الأول من غيرهم (5) الذي هو منتهى الأسانيد كانوا مرتدين ومحرفين كتاب الله تعالى ومعادين أهل بيت النبوة. فلابد أن يكون من الشيعة، وبين الشيعة اختلاف كثير في أصل الإمامة وتعيين الأئمة وعددهم، ولا يمكن إثبات قول من أقوالهم إلا بالخبر، لأن كتاب الله تعالى لا اعتماد عليه، ومع ذلك فهو ساكت عن هذه الأمور، فلو توقف ثبوت الخبر وحجّيته على ثبوت ذلك القول لزم الدور الصريح وهو محال.
وأما (الإجماع) فباطل أيضاً، لأن كونه حجة ليس بالأصالة بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حُجّيته على قول المعصوم لا على نفس الإجماع، وثبوت عصمة الإمام وتعيينه إما بخبره أو بخبر معصوم آخر، فقد جاء الدور الصريح أيضاً.
وأيضاً إجماع الصدر الأول والثاني – يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة – غير معتبر، لأنهم أجمعوا على: خلافة أبي بكر وعمر، وحرمة المتعة (6) وتحريف الكتاب، ومنع ميراث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وغصب فَدَك من البتول (7) . وبعد حدوث الاختلاف في الأمة وتفرّقهم بفرق مختلفة كيف يتصور الإجماع، ولا سيما في المسائل الخلافية المحتاجة إلى الاستدلال وإقامة الحجة القاطعة.
وأما (العقل) فهو باطل أيضاً لأن التمسك به إما في الشرعيات أو غيرها، فإن كان في الشرعيات فلا يصح التمسك به عند هذه الفرقة أصلاً، لأنهم منكرون أصل القياس ولا يقولون بحجّيته.
وأما في غير الشرعيات فيتوقف العقل على تجريده عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر في صورة الأشكال، وهذه الأمور لا تحصل إلا بإرشاد إمام، لأن كل فرقة من طوائف بني آدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء أُخر، وهم متخالفون فيما بينهم بالأصول والفروع، ولا يمكن الترجيح بالعقل فقط، فالتمسك إذن بقول الإمام، ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلاً بالإجماع. نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمداً من الشريعة.
وهاهنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) (8) . وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر, والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً في الأمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال، مذهبه باطل وفاسد لا يُعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى.
وليس المتمسك بهذين الحبلين المتينين إلا أهل السنة، لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار كما سبق بيانه قريباً، وقد روى الكليني عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله: أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم سبعة عشر ألف آية (9) . وروي عن محمد نصر أنه قال في (لم يكن) اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم (10) .
وروي عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفاً من القرآن ليس مما يقرأه الناس. فقال أبو عبد الله: مه اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم اقرأ كتاب الله على حده (11) .
وروى الكليني وغيره عن الحكم بن عتيبة قال: قرأ علي بن الحسين (وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث) قال: وكان علي بن أبي طالب محدّثاً.
وروي عن محمد بن الجهم وغيره عن أبي عبد الله أن أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [ النحل:92]. ليس كلام الله، بل محرّف عن موضعه، والمُنـزّل (أئمة هي أزكى من أئمتكم).
وقد تقرّر عندهم أن سورة (الولاية) سقطت وكذا أكثر (سورة الأحزاب) فإنها كانت مثل (سورة الأنعام) فأسقط منها فضائل أهل البيت وأحكام إمامتهم. وأُسقط لفظ (ويلك) قبل قوله تعالى لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا [ التوبة:40]. وكذا أُسقط لفظ (بعلي بن أبي طالب) بعد قوله تعالى: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25 ] (12) وكذا لفظ (آل محمد) الواقع بعد (ظلموا) من قوله تعالى وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [ الشعراء:227] (13) إلى غير ذلك من الأقوال والترهات.
وأما العترة الشريفة فهي بإجماع أهل اللغة تُقال لأقارب الرجل، والشيعة ينكرون نسبة بعض العترة كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولا يعدون بعضهم داخلاً في العترة كالعباس عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأولاده كالزبير بن صفية عمة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بل يبغضون أكثر أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنهم ويسبونهم كزيد بن علي بن الحسين الذي كان عالماً متقياً وكذا يحيى ابنه وكذا إبراهيم وجعفر ابني موسى الكاظم ولقبوا الثاني بالكذاب مع أنه من كبار أولياء الله تعالى.
ولقبوا أيضاً جعفر بن علي أخا الإمام العسكري بالكذاب، ويعتقدون أن الحسن بن الحسن المثنى وابنه عبد الله المحض وابنه محمداً الملقب بالنفس الزكية ارتدوا وحاشاهم من كل سوء.
وكذلك يعتقدون في إبراهيم بن عبد الله وزكريا بن محمد الباقر ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ومحمد بن القاسم بن الحسن ويحيى بن عمر الذي كان من أحفاد زيد بن علي بن الحسين، وكذلك يعتقدون في جماعة حسنيين وحسينيين كانوا قائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين، إلى غير ذلك من الأمور الشنيعة التي يعتقدونها في حق العترة الطاهرة، نعوذ بالله من جميع ذلك، ونبرأ إليه جلّ شأنه من سلوك هاتيك المسالك.
فقد بان لك أن الدين عند هذه الطائفة الشنيعة قد انهدم بجميع أركانه وانقضّ ما تشيّد من محكم بنيانه، حيث إن كتاب الله تعالى قد سبق لك اعتقادهم فيه وعدم اعتمادهم على ظاهره وخافيه، ولا يمكنهم أيضاً التمسك بالعترة المطهرة بناء على زعمهم الفاسد من أن بعضهم كانوا كفرة. (14)
طبقات الشيعة
وأما أحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلاف الشيعة، وأصول الضلالات كانوا عدة طبقات:
الطبقة الأولى: هم الذين استفادوا هذا المذهب بلا واسطة، من رئيس المضلين إبليس اللعين وهؤلاء كانوا منافقين، جهروا بكلمة الإسلام وأضمروا في بطونهم عداوة أهله، وتوصلوا بذلك النفاق إلى دخول في زمرة المسلمين والتمكن من إغوائهم وإيقاع المخالفة والبغض والعناد فيما بينهم، ومقتداهم على الإطلاق عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني الذي كان شراً من إبليس وأعرف منه في الإضلال والتضليل، وأقدم منه في المخادعة والغرور بل شيخه في المكر والشرور، وقد مارس زماناً في اليهودية فنون الإغواء والإضلال وسعى مجتهداً في طرق الزور والاحتيال فأضل كثيراً من الناس واستزل جماً غفيراً أطفأ منهم النبراس، وطفق يغير عقائد العوام ويموه عليهم الضلالات والأوهام، فأظهر أولاً محبة كاملة لأهل البيت النبوي، وحرض الناس على ذلك الأمر العلي، ثم بين وجوب لزوم جانب الخليفة الحق وأن يُؤثر على غيره، وأن ما عداه من البغاة فاستحسنه جمّ من العوام الغفير، وقبله ناس من الجهلة كثيرون، فأيقنوا بصلاحه واعتقدوا بإرشاده ونصحه.
ثم فرّع على ذلك فروعاً فاسدة وجزئيات كاسدة فقال: إن الأمير رضي الله عنه هو وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأفضل الناس بعده وأقربهم إليه، واحتج على ذلك بالآيات الواردة في فضائله والآثار المروية في مناقبه، وضم إليها من موضوعاته وزاد عليها من كلماته وعباراته.
فلما رأى أن ذلك الأمر قد استقر في أذهان أتباعه, واستحكمت هذه العقيدة في نفوس أشياعه ألقى إلى بعض هؤلاء ممن يعتمد عليه: أن الأمير وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم استخلفه بنص صريح، وهو قوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [المائدة:55] (1)ولكن الصحابة قد ضيعوا وصيته عليه الصلاة والسلام وغلبوا الأمير بالمكر والزور وظلموه فعصوا الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وارتدوا عن الدين - إلا القليل منهم - محبة في الدنيا وطمعاً في زخارفها.
واستدل على ذلك بما وقع بين فاطمة رضي الله تعالى عنها وبين أبي بكر رضي الله عنه في مسألة فدك (2) إلى أن ينتهي الأمر إلى الصلح. ثم أوصى أتباعه بكتمان هذا الأمر وعدم نسبته إليه وقال: "لا تظهروا للناس أنكم أتباعي لأن غرضي إظهار الحق والهداية إلى الطريق المستقيم دون الجاه والشهرة عند الناس".
فمن تلك الوسوسة ظهر القيل والقال ووقع بين المسلمين التفرّق والجدال، وانتشر سب الصحابة الكرام وذاع الطعن فيهم من أولئك الطغام، حتى إن الأمير رضي الله عنه قد خطب فوق المنبر خطباً كثيرة في ذم هؤلاء القوم وأظهر البراءة منهم وأوعد بعضهم بالضرب والجلد.
فلما رأى ابن سبأ أن سهمه هذا أيضاً قد أصاب هدفاً واختلّت ذلك عقائد أكثر المسلمين اختار أخص الخواص من أتباعه وألقى إليهم أمراً أدهى من الأول وأمرّ، وذلك بعد أن أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً أن الأمير رضي الله عنه يصدر منه ما لا يقدر عليه البشر من قلب الأعيان، والإخبار بالمغيبات، وإحياء الموتى، وبيان الحقائق الإلهية والكونية، وفصاحة الكلام، والتقوى والشجاعة، والكرم، إلى غير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فهل تعلمون منشأ هذه الأمور؟
فلما أظهروا العجز عن ذلك قال لهم: إن هذه كلها من خواص الألوهية التي تظهر في بعض المظاهر، ويتجلّى اللاهوت في كسوة الناسوت، فاعلموا أن علياً هو الله، ولا إله إلا هو.
فلما وصلت هذه المقالة إلى الأمير رضي الله عنه أهدر دماء تلك الطائفة وتوعدهم بالإحراق في النار، واستتابهم فأجلاهم إلى المدائن، فلما وصلوا إليها أشاعوا تلك المقالة الشنيعة.
وأرسل ابن سبأ بعض أتباعه إلى العراق وأذربيجان، ولما لم يستأصلهم أمير المؤمنين رضي الله عنه بسبب اشتغاله بما هو أهم راج مذهبه واشتهر وذاع وانتشر، فقد بدأ أولاً بتفضيل الأمير وثانياً بتكفير الصحابة، وثالثاً بألوهية الأمير ودعا الناس على حسب استعدادهم، وربط رقاب كل من اتبعه بحبل من حبال الغواية، فهو قدوة لجميع الفرق الرافضة، وإن أكثر أتباعه
وأشياعه من تلك الفرق يذكرونه بالسوء لكونه قائلاً بألوهية الأمير ويعتقدون أنه مقتدى الغلاة فقط، ولذا ترى أخلاق اليهود وطبائعهم موجودة في جميع فرق الشيعة، وذلك مثل الكذب، والبهتان، وسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وكبائر أئمة الدين وحملة كلام الله تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل كلام الله تعالى والأحاديث على غير ظاهرها، وكتم عداوة أهل الحق في القلب، وإظهار التملّق خوفاً وطمعاً، واتخاذ النفاق شعاراً ودثاراً، وعدّ التقية من أركان الدين، ووضع الرقاع المزورة ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، وإبطال الحق وإحقاق الباطل لأغراض دنيوية. وهذا الذي ذُكر قطرة من بحر وذرّة من جبل. وإذا تفكرت في سورة البقرة وحفظت ما ذكر الله تعالى فيها من صفات اليهود الذميمة ترى جميعها مطابقة لصفات هذه الفرقة مطابقة النعل بالنعل.
الطبقة الثانية: جماعة ممن ضعف إيمانهم من أهل النفاق، وهم قتلة عثمان (3) وأتباع عبد الله بن سبأ الذين كانوا يسبون الصحابة الكرام، وهم الذين انخرطوا في عسكر الأمير وعدّوا أنفسهم من شيعته خوفاً من عاقبة ما صدر منهم من تلك الجناية العظمى، وبعض منهم تشبثوا بأذيال الأمير طمعاً في المناصب العالية ورفعة المراتب فحصل لهم بذلك مزيد من الأمنية وكمال الطمأنينة، ومع ذلك فقد أظهروا للأمير رضي الله عنه ما انطووا عليه من اللؤم والخبائث فلم يستجيبوا لدعوته وأصروا على مخالفته، وظهرت منهم الخيانة على ما نصبوا عليه، واستطالت أيديهم على عباد الله تعالى وأكل أموالهم، وأطالوا ألسنتهم في الطعن على الصحابة.
وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلافهم ومسلّموا الثبوت عندهم، فإنهم وضعوا بناء دياناتهم وإيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلاء الفساق المنافقين ومنقولاتهم، فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن الأمير رضي الله عنه بواسطة هؤلاء الرجال.
وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا الباب وقالوا إنهم قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة الشيعة الأولى في عسكر الأمير وتغلبهم، ولما وقع التحكيم وحصل اليأس من انتظام أمور الخلافة وكادت المدة المعينة للخلافة تتم وتنقرض وتخلفها نوبة العضوض رجعت الشيعة الأولى من دومة الجندل التي كانت محل التحكيم إلى أوطانهم لحصول اليأس من نصرة الدين وشرعوا بتأييده بترويج أحكام الشريعة والإرشاد ورواية الأحاديث وتفسير القرآن المجيد، كما أن أمير المؤمنين رضي الله عنه دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه الأمور، ولم يبق في ركاب أمير المؤمنين إذ ذاك من الشيعة الأولى إلى القليل ممن كانت له دار في الكوفة.
فلما رأت هاتيك الفرقة الضالة المجال في إظهار ضلالتهم أظهروا ما كانوا يخفونه من إساءة الأدب في حق الأمير وأتباعه الأحياء منهم والأموات، ومع هذا كان لهم طمع في المناصب أيضاً لأن العراق وخراسان وفارس والبلاد الأُخرى الواقعة في تلك الأطراف كانت باقية بعدُ في تصرّف الأمير وحكومته، والأمير رضي الله عنه عاملهم بما عاملوه.
ولما كانت الروايات من أهل السنة في هذا الباب غير معتدّ بها لمزيد عدواتهم لفرق الشيعة على حد زعمهم، وجب النقل من كتب الشيعة المعتبرة مما صنفه الإمامية.
ولما نعى الأمير بخبر قتل محمد بن أبي بكر في مصر كتب كتاباً إلى عبد الله بن عباس، فإنه كان حينئذٍ عامل البصرة، وهو مذكور في كتاب (نهج البلاغة) الذي هو عند الشيعة أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى:
"أما بعد فإن مصر قد افتتحت، ومحمد بن أبي بكر استشهد، فعند الله نحتسبه ولداً صالحاً وعاملاً كادحاً وسيفاً قاطعاً وركناً دافعاً. وكنت قد حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءاً، فمنهم الآتي كارهاً ومنهم المُتعلّل كاذباً، ومنهم القاعد خاذِلاً. أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجاً عاجلاً. فوالله لولا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً ولا ألتقي بهم أبداً".
وكذا لما أُخبر بقدوم سفيان بن عوف الذي كان من بني غامد وأمير أمراء معاوية (رضي الله عنه) وركبانه ببلد الأنبار وقتلهم أهله خطب خطبة مندرجة فيها هذه العبارة المشيرة للإرشاد: "والله يميتُ القلبَ ويجلب الهمّ ما نرى من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحاً وترحاً حين صرتم غرضاً يُرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تغزون، ويُعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارة القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام البرد قلتم هذه صبارة القُرّ أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد. كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقرّ تفرّون فأنتم والله من السيف أفرّ، يا أشباه الرجال ولا رجال، حُلُومُ الأطفال، وعُقُولُ ربات الحجول. لوددتُ أني لم أعرفكم، معرفةٌ والله جرَّت ندماً، وأعقبت سَدَماً".
وأيضاً يقول في هذه الخطبة: "قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً. وشحنتُم صدري غيظاً، وجرّعتُمُوني نُغَبَ التهمام أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالخذلان والعصيان، حتى قالت قُريشٌ: إن ابن أبي طالب رجلٌ شُجاعٌ ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً وأقدم فيها مقاماً مني، لقد نهضتُ فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذرفتُ على الستين ولكن لا رأي لمن لا يُطاع".
ويقول في خطبة أخرى: "أيها الناس المجتمعةُ أبدانهم، المختلفةُ أهواؤهم، كلاكم يوهي الصُّمُّ الصِّلاب، وفعلكم يُطمع فيكمُ الأعداء. تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا حضر القتال قلتم: حيدي حياد. ما عزَّت دعوة من دعاكم ولا استراح قلبُ من قاساكم. أعاليل بأضاليل..." إلخ.
ويقول:"المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسَّهم الأخيب. ومن رَمَى بكم فقد رمى بأفوَقَ ناصل. أصبحتُ والله لا أُصدقُ قولكم، ولا أطمع في نصركم ولا أوعِدُ العدوّ بكم".
ويقول في خطبة أخرى إذ استنفر الناس إلى أهل الشام:" أفٍ لكم، لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً، وبالذلّ من العزّ خلفاً؟ إذا دعوتكم إلى جهاد أعدائكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غَمرة، ومن الذُّهول في سكرة، يُرتج عليكم حَواري فتعمهون، وكأن قلوبكم مألوسةٌ فأنتم لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يُمال بكم ولا زوافِر عز يفتقر إليكم، ما أنتم إلا كإبل ضلّ رعاتها. فكلما جُمعت من جانبٍ انتشرت من آخر، وبئس لعمر الله سعرُ نار الحرب أنتم، تُكادون ولا تكيدون، وتُنقص أطرافكم ولا تمتعضون، لا يُنام عنكم وأنتم في غفلة ساهون".
وأيضاً يقول في خطبة أخرى:"مُنيت بمن لا يُطيع إذا أمرت، ولا يُجيب إذا دعوت. لا أباً لكم، ما تنظرون بنصركم ربّكم؟ لا دين يجمعكم ولا حمية تُحمشكم. أقول فيكم مُستصرخاً، وأناديكم متغوّثاً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يُدرك بكم ثأر، ولا يُبلغ منكم مرام. دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الحمل الأسرّ، وتثاقلتم تثاقل النّضو الأدبر. ثم خرج إليّ منكم جُنيد متذائب ضعيفكَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ [الأنفال:6].
ويقول: "كم أُداريكم كما تُدارى البِكار العَمِدة والثيابِ المتداعية إن حيصت من جانبٍ تهتكت من آخرَ، وكلما أطلّ عليكم مِنسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه وانجحر انجحار الضبَّة في جحرها والضبع في وجارها".
وأيضاً في خطبة أخرى:"من رمى بكم فقد رمى أفوق ناصل، إنكم والله لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات".
وهذه الخطب كلها ذكرها الرضي في (نهج البلاغة) وغيره من الإمامية أيضاً رووها في كتبهم.
وقال علي بن موسى بن طاووس (4) سبط محمد بن الحسن الطوسي: إن أمير المؤمنين كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلا رجلان، فتنفس الصعداء وقال: أين يقعان. ثم قال ابن طاووس: إن هؤلاء مع اعتقادهم فرض طاعته وأنه صاحب الحق، وأن الذين ينازعونه على الباطل. وكان عليه السلام يداريهم ولكن لا تجديه المداراة نفعاً. وقد سمع قوماً من هؤلاء ينالون منه في مسجد الكوفة ويستخفون به، فأخذ بعضادتي الباب وأنشد متمثلاً:
هنيئاً مريئاً غير داء مُخامر | لعزّة من أعراضنا ما استحلّت |
فيئس منهم كلهم، ودعا على هؤلاء الذين يدّعون شيعته بقوله: "قاتلكم الله، وقبحاً لكم وترحاً". ونحوها.
وكذا حلف على أن لا يُصدّق قولهم أبداً. ووصفهم في مواضع كثيرة بالعصيان لأوامره وعدم استماعهم وقبولهم لكلامه، وأظهر البراءة من رؤيتهم.
وهؤلاء لم يكن لهم وظيفة سوى الحطّ على حضرة الأمير رضي الله عنه وذمهم له، وحاشاه.
وقد علم أيضاً أن شيعة ذلك الوقت كانوا كلهم مشتركين في هذه الأحوال، وداخلين في هذه المساوئ إلا رجلين منهم، فإذا كان حال الصدر الأول والقرن الأفضل الذين هم قدوة لمن خلفهم من بعدهم وأسوة لأتباعهم ما سمعت ذكره، فكيف بأتباعهم؟ فويلٌ لهم مما يكسبون.
الطبقة الثالثة: هم الذين اتبعوا السيد المجتبى السبط الأكبر وقرة عين البتول الإمام الحسن رضي الله عنه، بعد شهادة الأمير رضي الله عنه، وبايعه قدر أربعين ألفاً على الموت، ورغبّوه في قتال معاوية (رضي الله عنه) وخرجوا إلى خارج الكوفة، وكان قصدهم إيقاعه في ورطة الهلاك، وقد أزعجوه في أثناء الطريق بطلب وظائفهم منه، وظهر منهم في حقه سوء الأدب ما ظهر، كما فعل المختار الثقفي من جرّ مصلاه من تحت قدمه المباركة، وهو الذي كان يعدّ نفسه من أخصّ شيعته، وكطعن آخر بالسنان فخذ الإمام رضي الله عنه حتى تألم منه ألماً شديداً.
فلما قامت الحرب على ساق، وتحققت المقاتلة، رغبوا إلى معاوية (رضي الله عنه) لدنياه وتركوا نصرة الإمام، مع أنهم كانوا يدّعون أنهم من شيعته المخصوصين وشيعة أبيه، وأنهم أحدثوا مذهب التشيع وأسسوه. ذكر ذلك المرتضى في كتابه (تنـزيه الأنبياء والأئمة) عند ذكر عذر الإمام الحسن عن صلح معاوية وخلع نفسه من الخلافة وتفويضها إليه. وذكر أيضاً نقلاً عن كتاب (الفصول) للإمامية أن رؤساء هذه الجماعة كانوا يكتبون معاوية (رضي الله عنه) خفياً على الخروج للمحاربة مع الإمام، بل بعضهم أراد الفتك به رضي الله عنه، فلما تحققت هذه الأمور عنده رضي بالصلح مع معاوية (رضي الله عنه) وخلع الخلافة عن نفسه.
الطبقة الرابعة: هم أكثر أهل الكوفة الذين طلبوا حضرة السبط الأصغر وريحانة سيد البشر صلى الله عليه وسلم الحسين رضي الله تعالى عنه، وكتبوا إليه كتباً عديدة في توجهه إلى طرفهم، فلما قرب من ديارهم مع الأهل والأقارب والأصحاب, وأخذت الأعداء تؤجج نيران الحرب في مقابلته، تركه أولئك الكذابون وتقاعدوا عن نصرته وإعانته، مع كثرة عدد الأعداء وقوة شوكتهم. بل رجع أكثرهم مع الأعداء خوفاً وطمعاً، وصاروا سبباً لشهادته وشهادة كثير ممن معه، حتى مات الأطفال والصبيان الرضع من شدة العطش، وأغروا ذوات الخدور والمستورات بالحجب من بيت النبوة وأطافوهم في البلاد والقرى والبوادي (5) وقد نشأ ذلك من غدرهم وعدم وفائهم ومخادعتهم وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ[الشعراء:227].
الطبقة الخامسة: وهم الذين كانوا في زمن استيلاء المختار على العراق والبلاد الأُخر من تلك الأقطار، وكانوا معرضين عن الإمام السجّاد لموافقته المختار، وينطقون بكلمة محمد بن الحنفية ويعتقدون إمامته، مع أنه لم يكن من أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم (6) ولم يقم دليل على إمامته (7) . وهذه الفرقة قد خرجت في آخر الأمر على الدين وحادت عن جادة المسلمين بما قالوا من نبوّة المختار ونزول الوحي إليه.
الطبقة السادسة: هم الذين حملوا زيداً الشهيد على الخروج، وتعهدوا بنصرته وإعانته، فلما جدّ الأمر وحان القتال أنكروا إمامته بسبب أنه لم يتبرأ من الخلفاء الثلاثة، فتركوه في أيدي الأعداء ودخلوا به الكوفة فاستشهد وعاد رزء الحسين. وكنا بواحد فصرنا باثنين. ولبئس ما صنعوا. ولو فرضنا أنه لم يكن إماماً أفلم يكن من أولاد الإمام، مع أن من علم صحة نسبه وإن كان من العصاة يجب على الأمة إعانته ونصرته ولا سيما إذا كان على الحق، ولم يلزمه من عدم التبري ذنب ولم تلحقه منه نقيصة. وقد نقل الكشي روايات صحيحة عن الأئمة الأطهار تدل على أن سبّ الخلفاء الثلاثة لا يحتاج إليه في النجاة ودخول الجنة، وقد كان مظلوماً فإعانة المظلوم واجبة, وفرض عين مع القدرة عليها.
الطبقة السابعة: هم الذين يدّعون صحة الأئمة والأخذ عنهم، مع أن الأئمة كانوا يُكفرونهم ويكذبونهم.
ولنذكر لك نبذة يسيرة من عقائد أسلافهم حيث أن هذا الكتاب لا يسع ذلك على سبيل الاستقصاء، ولكن ما لا يُدرك كله لا يترك كله.
فنقول: إن منهم من كان يعتقد أن الله تعالى جسم ذو أبعاد ثلاثة كالهشامين وشيطان الطاق والميثمي، ذكر ذلك الكليني في (الكافي).
ومنهم من أثبت له صورة جلّ شأنه كهشام بن الحكم وشيطان الطاق.
ومنهم من اعتقد أن الله تعالى مجوّف من الرأس إلى السرة، ومنها إلى القدم مصمت كهشام بن سالم والميثمي.
ومنهم من اعتقد أن عزّ اسمه لم يكن عالماً في الأزل (8) كزرارة بن أعين وبكير بن أعين وسليمان الجعفري ومحمد بن مسلم الطحان وغيرهم.
ومنهم من أثبت له مكاناً وحيزّاً وجهة وهم الأكثرون منهم. ومنهم من كفر بالله تعالى فلم يعتقد بالصانع القديم ولا بالأنبياء ولا بالبعث والمعاد كديك الجن الشاعر وغيره.
ومنهم من كان من النصارى ويُعلن ذلك جهاراً ويتزيى بزيهم، ومع ذلك لم يترك صحبة قومه كزكريا بن إبراهيم النصراني الذي روى عنه أبو جعفر الطوسي في كتابه (التهذيب).
ومنهم من قال في حقهم جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: يروون عنا الأكاذيب ويفترون علينا أهل البيت كالتبّان المكنى بأحمد.
ومنهم من حذّر الأئمة منهم ومن نقلة الأخبار ورواة الآثار عن الأئمة العظام. روى الكليني عن إبراهيم الخراز ومحمد بن الحسين قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا فقلنا: إن هشام بن سالم والميثمي وصاحب الطاق يقولون: إن الله تعالى أجوف من الرأس إلى السرّة والباقي مصمت. فخر ساجداً ثم قال: سبحانك، ما عرفوك ولا وحّدوك، فمن أجل ذلك وصفوك. وقد دعا الإمام على هؤلاء وعلى زرارة بن أعين فقال: أخزاهم الله.
وروى الكليني أيضاً عن علي بن حمزة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم: أن الله جسم صمدي نوري معرفته ضرورية يمنّ بها على من يشاء من عباده. فقال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يحدّ ولا يحسّ ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد.
ومنهم من كان منكراً لموت الإمام الصادق بأنه هو المهدي الموعود به، ويُنكرون إمامة الأئمة الباقين. وأكثر رواة الإمامية كانوا واقفية كما لا يخفى من راجع أسماء رجالهم حيث يقولون في مواضع شتى: إن فلاناً كان من الواقفية (9) .
فهاتان الفرقتان منكرتان لعدد الأئمة وتعيين أشخاصهم. ومُنكر الإمامة كمُنكر النبوة كافر. ومع هذا يروي علماء الشيعة عنهم في صحاحهم. ومنهم من لم يعلم إمام وقته وقضى عمره في التردّد والتحيّر، فدخل في هذا الوعيد "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" كالحسن بن سماعة بن مهران, وابن فضّال وعمرو بن سعيد وغيرهم من رواة الأخبار.
ومنهم من اخترع الكذب وأصرّ على ذلك كأبي عمرو بن خرقة البصري. ومنهم من طرده الإمام جعفر الصادق عن مجلسه ثم لم يُجوّز له مجيئه إليه كابن مسكان.
ومنهم من أقرّ بكذبه كأبي بصير. ومنهم من كان من البدائية الغالية كدارم بن الحكم, وزياد بن الصلت, وابن هلال الجهمي, وزرارة بن سالم. ومنهم من كان يكذب بعضهم بعضاً في الرواية كالهشامين وصاحب الطاق والميثمي.
واعلم أن جميع فرق الشيعة يدّعون أخذ علومهم من أهل البيت، وتنسب كل فرقة منهم إلى إمام، ويروون عنهم أصول مذهبهم وفروعه، ومع ذلك يُكذّب بعضهم بعضاً، ويُضلّل أحدهم الآخر مع ما بينهم من التناقض في الاعتقادات ولاسيما في الإمامة، فذلك أوضح دليل وأقوى برهان على كذب تلك الفرق كلها، وذلك لأن الروايات المختلفة والأخبار المتناقضة لا يمكن ورودها من بيت واحد وإلا يلزم كذب بعضهم، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] وقد علم أيضاً من التواريخ وغيرها أن أهل البيت ولا سيما الأئمة الأطهار من خيار خلق الله تعالى بعد النبيين (10) وأفضل سائر عباده المخلصين.
والمقتفين لآثار جدهم سيد المرسلين صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا يمكن صدور الكذب عنهم، فعلم أنهم بريئون مما ترويه عنهم تلك الفرق المضلة بعضهم بعضاً، بل قد وضعتها كل فرقة من هذه الفرق ترويجاً لمذهبهم، ولذا وقف فيها التخالف.
وأما الاختلاف الواقع عند أهل السنة فليس كذلك لوجهين: الأول أنه اختلاف اجتهادي، فإنهم يعلمون من زمن الصحابة إلى زمن الفقهاء الأربعة أن كل عالم مجتهد، ويجوز للمجتهد العمل برأيه المستنبط من دلائل الشرع فيما ليس فيه نص. واختلاف الآراء طبيعي لنوع الإنسان، وليس ذلك اختلاف الرواية حتى يدل على الكذب والافتراء (11) .
الثاني: إن اختلافهم كان في فروع الفقه لا في أصول الدين، واختلاف الفروع للاجتهاد جائز فلا يكون دليلاً لبطلان المذهب، وذلك كاختلاف المجتهدين من الإمامية في المسائل الفقهية كطهارة الخمر ونجاسته وتجويز الوضوء بماء الورد وعدمه.
ولننبهك على كيفية أخذ الشيعة العلم من أهل البيت، فاعلم أن الغلاة – وهم أقدم من جميع الفرق الشيعية وأضلهم – قد أخذوا مذهبهم عن عبد الله بن سبأ حيث موّه عليهم قصداً لإضلالهم أنه أخذ ذلك عن الأمير رضي الله عنه، وزعمت المختارية والكيسانية (12) أنهم قد أخذوه عن الأمير والحسنين وعن محمد بن علي وعن أبي هاشم ابنه، والزيدية (13) عن الأمير والحسنين وزين العابدين وزيد بن علي ويحيى بن زيد، والباقرية (14) عن خمسة, أعني الأمير إلى الباقر، والناووسية (15) عن هؤلاء الخمسة والإمام الصادق، والمباركية (16) عن هؤلاء الستة وإسماعيل بن جعفر.
والقرامطة (17) عن هؤلاء السبعة ومحمد بن إسماعيل، والشميطية (18) عن هؤلاء الثمانية ومحمد بن جعفر وموسى وعبد الله و إسحاق أبناء جعفر.
والمهدوية عن اثنين وعشرين، وهم كانوا يعتقدون أن جميع سلاطين مصر والمغرب الذين خلوا من نسل محمد الملقب بالمهدي أئمة معصومون، ويزعمون أن العلم المحيط بجميع الأشياء كان حاصلاً لهم، وهؤلاء السلاطين أيضاً كانوا يدّعون ذلك كما تشهد لذلك تواريخ مصر والمغرب.
والنـزارية عن ثمانية عشر أولهم أمير المؤمنين وآخرهم المستنصر بالله، والإمامية الاثنا عشرية عن اثني عشر أولهم الأمير وآخرهم الإمام محمد المهدي.
ولا حدّ لعلمائهم في الكثرة، وقدماؤهم المشاهير: سليم بن قيس الهلالي، وأبان بن تغلب، وهشام بن سالم، وصاحب الطاق، وأبو الأحوص داود بن أسد، وعلي بن منصور، وعلي بن جعفر، وبيان بن سمعان المُكنّى بأبي أحمد المشهور بالجزري، وابن أبي عمير محمد بن زياد الأزدي، وعبد الله بن المغيرة البجلي، والنصري واسمه الحارث بن المغيرة، وأبو بصير، ومحمد بن حكيم، ومحمد بن فرج الرخجي، وإبراهيم بن سليمان الخزاز، ومحمد بن الحسين، وسليمان بن جعفر الجعفري، ومحمد بن مسلم الطحان، وبكير بن أعين، وزارة بن أعين وأبناؤهما، وسماعة بن مهران الحضرمي، وعلي بن أبي حمزة البطائني، وعيسى وعثمان وعلي وهؤلاء الثلاثة بنو فضّال، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، ويونس بن عبد الرحمن القمي، وأيوب بن نوح النخعي، وحسن بن العباس بن الحريش الرازي، وأحمد بن إسحاق، وجابر الجعفي، ومحمد بن جمهور العمي، والحسين بن سعيد الأهوازي، وعبد الله وعبيد الله ومحمد وعمران وعبد الأعلى كلهم بنو علي بن أبي شعبة وأولادهم وجدّهم.
وأما المصنفون من الاثني عشرية فصاحب (معالم الأصول) فخر المحققين محمد بن الحسن ابن مطهر الحلّي، ومحمد بن علي الطرازي، ومحمد بن عمر الجعابي، وأبو الفتح محمد بن علي الكراجكي، وإبراهيم بن علي الكفعمي (19) وجلال الدين حسن بن أحمد شيخ الشيخ المقتول، ومحمد بن الحسن الصفار (20) وأمان بن بشر البغال، وعبيد بن عبد الرحمن الخشعي، وفضل بن شاذان القمي، ومحمد بن يعقوب الكليني الرازي، وعلي بن الحسين بن بابويه القمي، والحسين ابنه أيضاً، وعبيد الله بن علي الحلبي، وعلي بن مهزيار الأهوازي، وسلار: حمزة بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني، وعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي (21) وابن براج: عبد العزيز بن نحرير وابن زهرة: حمزة بن علي، وابن إدريس المفتري على الشافعي المشهور، والذي جرّأه على ذلك مشاركته له الكُنية، ومعين الدين المصري، وابن جنيد، وحمزة أبو الصلاح، وابن المشرعة الواسطي، وابن عقيل، والغضائري، والكشي, والنجاشي, والملا حيدر العاملي, والبرقي, ومحمد بن جرير الطبري الآملي, وابن هشام الديلمي, ورجب بن محمد بن رجب البرسي (22) .
واعلم أن جميع فنونهم من الكلام والعقائد والتفسير مستمدة من كتب غيرهم، والمعتمد من كتب أخبارهم الأصول الأربعة: أحدها (الكافي) المشهور بالكليني، وثانيها (من لا يحضره الفقيه) وثالثها (التهذيب) ورابعها (الاستبصار).
وصرح علماؤهم بأن العمل بكل ما في هذه الأربعة واجب، وكذلك صرحوا بأن العمل برواية الإمامي الذي يكون دونه أصحاب الأخبار أيضاً واجب بهذا الشرط كما نص على ذلك أبو جعفر الطوسي والمرتضى وفخر الدين الملقب بالمحقق الحلي، مع أنه يوجد في تلك الكتب الأربعة من رواية المجسمة كالهشامين وصاحب الطاق، ورواية من اعتقد أن الله تعالى لم يكن عالماً في الأزل كزرارة وأمثاله كالأحولين، وسليمان الجعفري، ورواية من كان فاسد المذهب ولم يكن معتقداً بإمام أصلاً كبني فضّال وابن مهران وغيرهم، ورواية بعض الوضاعين الذين لم يخف حالهم على الشيعة كجعفر الأودي وابن عياش (أحمد بن محمد الجوهري) وكتاب (الكافي) مملوء من رواية ابن عياش، وهو بإجماع هذه الفرقة كان وضّاعاً كذّاباً.
والعجيب من المرتضى (23) مع علمه بهذه الأمور كان يقول: إن أخبار فرقتنا وصلت إلى حد التواتر.
وأعجب من ذلك أن جمعاً من ثقاتهم رووا وحكموا عليه بالصحة، وآخرين كذلك حكموا عليه بأنه موضوع مفترى، وهذه الأخبار كلها في صحاحهم، كما أن ابن بابويه حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن وآياته، ومع ذلك فتلك الروايات ثابتة في (الكافي) بأسانيد صحيحة بزعمهم، إلى غير ذلك من المفاسد، والله سبحانه يحقُّ الحقّ وهو يهدي السبيل. (24)
بداية وضع الأخبار
...الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام، ولها عقائد خاصة بها، لم تظهر كتبها إلا بعد استقرار عقائدها، ووضوحها لدى معتنقيها. وهذا أمر بدِهى، أن الكتب إنما توضع لتأييد هذه العقائد، والدعوة لها، فلابد أن تسبق العقائد هذه الكتب.
بل إن هناك مرحلة تلي العقائد وتسبق الكتب، وهي وضع الأخبار وتناقلها والاحتجاج بها قبل أن تجمع في كتاب، وقبل أن يوضع كتاب مرة واحدة.
فبالنسبة للشيعة مثلا وجدنا بعد موت كل إمام حدوث تفرق جديد، فكانت كل فرقة تحتج بأخبار تؤيد ما انتهت إليه في تلك المرحلة، إلى أن تصل إلى الإمام الأخير الذي تستقر عنده آراؤها، وما كانت أي فرقة لتضع أخباراً في إمام إلا بعد ولادته، لأنها لا تعلم الغيب في واقع الأمر، وإن زعم منها من زعم أنه يعلم مثل هذا العلم.
وللبيان أثبت بعض ما جاء في كتاب من كتب الشيعة أنفسهم، وهو كتاب (فرق الشيعة) للحسن بن موسى النوبختي، وسعد بن عبدالله القمي، والاثنان عاشا في القرن الثالث، وأدركا بداية القرن الرابع.
يبين الكتاب تفرق الشيعة بعد موت الإمام جعفر الصادق، ومما جاء فيه: لما توفي أبو عبدالله بن محمد، افترقت بعده شيعته ست فرق وكانت وفاته بالمدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة، وهو ابن خمس وستين سنة، وكان مولده في سنة ثلاث وثمانين، ودفن في القبر الذي دفن فيه أبوه وجده في البقيع، وكانت إمامته أربعا وثلاثين سنة إلا شهرين، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر بن قحافة.
ففرقة منها قالت: إن جعفر بن محمد حي لم يمت، ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس، وهو القائم المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنني أنا صاحبكم، وأنه قال لهم: إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه،فإني صاحبكم، صاحب السيف، وهذه الفرقة تسمى الناووسية، وسميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له فلان بن فلان الناووس.
وفرقة زعمت: أن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنه خاف فغيبه عنهم، وزعموا: أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض، ويقوم بأمور الناس، وأنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده، وقلدهم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبهم والإمام لا يقول إلا الحق، فلما أظهر موته علمنا أنه قد صدق، وأنه القائم لم يمت. وهذه الفرقة هي الإسماعيلية الخالصة. وأم إسماعيل وعبدالله ابني جعفر بن محمد هي فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وأمها أسماء بنت عقيل بن أبي طالب.
وفرقة ثالثة زعمت: أن الإمام بعد جعفر هو ابنه محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأمه أم ولد، وقالوا: إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه، فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل، وكان الحق له، ولا يجوز غير ذلك, لأن الإمامة لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين، ولا تكون إلا في الأعقاب، ولم يكن لأخوى إسماعيل عبدالله وموسى في الإمامة حق، كما لم يكن لمحمد بن الحنفية فيها حق مع علي بن الحسين. وأصحاب هذه المقالة يسمون المباركية، برئيس لهم كان يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر.
فأما الإسماعيلية الخالصة فهم الخطابية أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدى الأجدع. وقد دخلت منهم فرقة في فرقة محمد بن إسماعيل، وأقروا بموت إسماعيل بن جعفر في حياة أبيه، وهم الذين خرجوا في حياة أبي عبدالله جعفر بن محمد فحاربوا عيسى بن موسى بن محمد بن عبدالله بن العباس، وكان عاملا على الكوفة، فبلغه عنهم أنهم أظهروا الإباحات، ودعوا إلى نبوة " أبي الخطاب "، وأنهم مجتمعون في مسجد الكوفة قد لزموا الأساطين يرون الناس أنهم لزموها للعبادة، فبعث إليهم رجلا من أصحابه في خيل ورجال ليأخذهم ويأتيه بهم، فامتنعوا عليه وحاربوه، وكانوا سبعين رجلاً، فقتلهم جميعاً فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى فعد فيهم، فلما جن الليل خرج من بينهم فتخلص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب بأبى خديجة. وذكر بعد ذلك أنه قد تاب ورجع، وكان ممن يروي الحديث، فحارب عيسى محاربة شديدة بالحجارة والقصب والسكاكين التي كانت مع أتباعه، وجعلوا القصب مكان الرماح، وقد كان أبو الخطاب قال لهم: قاتلوهم فإن قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح والسيوف، ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم لايضركم ولا يعمل فيكم، ولا يحتك في أبدانكم، فجعل يقدمهم عشرة عشرة للمحاربة، فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلا، قالوا له ياسيدنا، ما ترى ما يحل بنا من القوم ؟ وما ترى قصبنا لا يعمل فيهم ولا يؤثر، وقد يكسر كله، وقد عمل سلاحهم فينا وقتل من ترى منا ؟ فذكر رواة العامة أنه قال لهم إن كان قد بدا لله فيكم فما ذنبى ؟
وقال رواة الشيعة أنه قال لهم: يا قوم قد بليتم وامتحنتم، وأذن في قتلكم وشهادتكم، فقاتلوا على دينكم وأحسابكم، ولا تعطوا بلدتكم فتذلوا مع أنكم لا تتخلصون من القتل، فموتوا كراما أعزاء واصبروا فقد وعد الله الصابرين أجراً عظيما، وأنتم الصابرون. فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم، وأسر أبو الخطاب، فأتي به عيسى بن موسى، فأمر بقتله فضربت عنقه في دار الرزق على شاطئ الفرات وأمر بصلبه وصلب أصحابه فصلبوا، ثم أمر بعد مدة بإحراقهم فأحرقوا، وبعث برءوسهم إلى المنصور، فأمر بها فصلبت على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام، ثم أحرقت.
فلما فعل ذلك قال بعض أصحابه: إن أبا الخطاب لم يقتل، ولا قتل أحد من أصحابه، وإنما لبس على القوم وشبه عليهم، وإنما حاربوا بأمر أبي عبدالله جعفر بن محمد، وخرجوا متفرقين من أبواب المسجد ولم يرهم أحد، ولم يجرح منهم أحد، وأقبل القوم يقتل بعضهم بعضا على أنهم يقتلون أصحاب أبي الخطاب، وإنما يقتلون أنفسهم، حتى جن عليهم الليل، فلما أصبحوا نظروا في القتلى فوجدوهم كلهم منهم، ولم يجدوا من أصحاب أبي طالب قتيلا ولا جريحا، ولا وجدوا منهم أحدا. وهذه الفرقة هي التي قالت: إن أبا الخطاب كان نبياً مرسلاً، أرسله جعفر بن محمد، ثم إنه صيره بعد ذلك حين حدث هذا الأمر من الملائكة - لعن الله من يقول هذا. ثم خرج بعد ذلك من قال بمقالته من أهل الكوفة وغيرهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد قتل أبي الخطاب، فقالوا بإمامته وأقاموا عليها.
وصنوف الغالية افترقوا بعده على مقالات كثيرة، واختلفوا في رئاسات أصحابهم ومذاهبهم، حتى تراقى بعضهم إلى القول بربوبيته، وأن الروح التي صارت في آدم ومن بعده من أولي العزم من الرسل صارت فيه.
وقالت فرقة منهم: إن روح جعفر بن محمد تحولت عن جعفر في أبي الخطاب، ثم تحولت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد بن إسماعيل بن جعفر، ثم ساقوا الإمامة على هذه الصفة في ولد محمد بن إسماعيل.
وتشعبت منهم فرقة من المباركية ممن قال بهذه المقالة، تسمى القرامطة، وإنما سميت بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب بقرمطويه، وكانوا في الأصل على مقالة المباركية ثم خالفوهم وقالوا: لا يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم وآله إلا سبعة أئمة: علي بن أبي طالب وهو إمام رسول، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، ومحمد بن إسماعيل بن جعفر وهو الإمام القائم المهدي، وهو رسول. وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وآله انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي بن أبي طالب رضي الله عنه للناس بغدير خم، فصارت الرسالة في ذلك اليوم إلى أمير المؤمنين وفيه، واعتلوا في ذلك بخبر تأولوه، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) (1) ، وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة، وتسليم منه ذلك لعلي بن أبي طالب بأمر الله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وآله بعد ذلك صار مأموما لعلي بن أبي طالب، محجوجا به، فلما مضى علي رضي الله عنه صارت الإمامة في الحسن، ثم صارت من الحسن في الحسين، ثم صارت في علي بن الحسين، ثم في محمد بن علي، ثم كانت في جعفر بن محمد، ثم انقطعت عن جعفر في حياته فصارت في إسماعيل بن جعفر كما انقطعت الرسالة عن محمد صلى الله عليه وآله في حياته. ثم إن الله عز وجل بدا له في إمامة جعفر وإسماعيل فصيرها في محمد بن إسماعيل، واعتلوا في ذلك بخبر رووه عن جعفر بن محمد أنه قال: ما رأيت مثل بداء لله في إسماعيل، وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي لم يمت وأنه غائب مستتر في بلاد الروم، وأنه القائم المهدي، ومعنى القائم عندهم أنه عندهم أنه يبعث بالرسالة، وبشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد صلى الله عليه وآله، وأن محمد بن إسماعيل من أولي العزم، وأولو العزم عندهم سبعة: " نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم، وعلي رضي الله عنه، ومحمد بن إسماعيل " على معنى أن السموات سبع، وأن الأرضين سبع، وأن الإنسان بدنه سبع: يداه ورجلاه، وظهره، وبطنه، وقلبه، وأن رأسه سبع: عيناه وأذناه، ومنخراه، وفمه وفيه لسانه وفمه بمنزلة صدره الذي فيه قلبه، والأئمة سبع كذلك وقلبهم محمد بن إسماعيل، واعتلوا في نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وآله وتبديلها، بأخبار رووها عن أبي عبدالله جعفر بن محمد أنه قال: لو قام قائمنا علمتم القرآن جديداً " وأنه قال: ((إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء )) (2) ونحو ذلك من أخبار القائم، وزعموا أن الله تبارك وتعالى جعل لمحمد بن إسماعيل جنة آدم، ومعناها عندهم الإباحة للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا،وهو قول الله عز وجل:وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا [البقرة: 35 ] يعني محمد بن إسماعيل وأباه إسماعيل، وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة: 35 ] أي موسى بن جعفر بن محمد، وولده من بعده، ومن ادعى منهم الإمامة، وزعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين الذي حكاه الله عز وجل في كتابه، وأن الدنيا اثنتا عشرة جزيرة في كل جزيرة حجة، وأن الحجج اثنا عشر، ولكل حجة داعية، ولكل داعية يد، يعنون بذلك أن اليد رجل له دلائل وبراهين يقيمها كدلائل الرسل، ويسمون الحجة الأب، والداعية الأم، واليد الابن يضاهئون قول النصارى في ثالث ثلاثة، أن الله الأب, والمسيح الابن، وأمه مريم، فالحجة الأكبر هو الرب، وهو الأب، والداعية هي الأم، واليد هو الابن - كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيداً، وخسروا خسرانا مبينا. وزعموا أن جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده، وسنها نبيه صلى الله عليه وسلم وآله، وأمر بها ظاهر وباطن، وأن جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنة، أمثال مضروبة، وتحتها معان هي بطونها، وعليها العمل، وفيها النجاة، وأن ما ظهر منها هي التي نهى عنها، وفي استعمالها الهلاك والشقاء وهي جزء من العقاب الأدنى، عذب الله بهم قوما، وأخذهم به ليشقوا بذلك، إذ لم يعرفوا الحق، ولم يقوموا به ولم يؤمنوا.
وهذا أيضاً مذهب عامة أصحاب أبي الخطاب - ومع ذلك استحلوا استعراض الناس بالسيف وسفك دمائهم، وأخذ أموالهم، والشهادة عليهم بالكفر والشرك على مذهب البيهسية والأزارقة من الخوارج، في قتل أهل القبلة وأخذ أموالهم والشهادة عليهم بالكفر، واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى عز وجل: فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ [التوبة: 5 ] قالوا: إن قتلهم يجب أن يكون بمنزلة نحر الهدي وتعظيم شعائـر الله، وتأولوا في ذلك قـول الله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]. ورأوا سبي النساء وقتل الأطفال، واعتلوا في ذلك بقول الله تبارك وتعالى: لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [ نوح: 26 ] وزعموا أنه يجب عليهم أن يبدأوا بقتل من قال بالإمامة ممن ليس على قولهم، وخاصة من قال بإمامة " موسى بن جعفر " وولده من بعده، وتأولوا في ذلك قول الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً [ التوبة: 123]، فالواجب أن يبدأوا بهؤلاء ثم بسائر الناس، وعددهم كثير إلا أنه لا شوكة لهم ولا قوة، وكانوا كلهم بسواد الكوفة واليمن أكثر، ونواحي البحر واليمامة وما والاها، ودخل فيهم كثير من العرب فقووا بهم وأظهروا أمرهم، ولعلهم أن يكونوا زهاء مائة ألف.
وقالت الفرقة الرابعة من أصحاب أبي عبدالله جعفر بن محمد: إن الإمام بعد جعفر ابنه محمد، وأمه أم ولد يقال لها: حميدة، وهو موسى وإسحق بنو جعفر بن محمد لأم واحدة. وتأولوا في إمامته خبرا، وزعموا أن بعضهم روى لهم أن محمد بن جعفر دخل ذات يوم على أبيه وهو صبي صغير، فدعاه أبوه فعدا إليه فكبا في قميصه، ووقع لحر وجهه، فقام إليه جعفر وقبله، ومسح التراب عن وجهه، ووضعه على صدره، وقال: سمعت أبي يقول: إذا ولد لك ولد يشبهني، فسمه باسمي، فهو شبيهي وشبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وعلى سنته، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر، وفي ولده من بعده. وهذه الفرقة تسمى السميطية، وتنسب إلى رئيسهم يقال له " يحيى بن أبي السميط "، وقال بعضهم هم الشميطية لأن رئيسهم كان يقال له "يحيى بن أبي شميط ".
والفرقة الخامسة منهم قالت: الإمامة بعد جعفر في ابنه عبدالله بن جعفر الأفطح، وذلك أنه كان عند مضى جعفر أكبر ولده سنا، وجلس مجلس أبيه بعده، وادعى الإمامة بوصية أبيه، واعتلوا أي الأفطحية بحديث يروونه عن أبيه وعن جده أنهما قالا: الإمامة في الأكبر من ولد الإمام: فمال إلى عبدالله والقول بإمامته جل من قال بإمامة أبيه، غير نفر يسير عرفوا الحق وامتحنوا عبدالله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة والحج وغير ذلك فلم يجدوا عنده علما، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبدالله بن جعفر هي " الفطحية" وسموا بذلك لأن عبدالله كان أفطح الرأس، وقال بعضهم كان أفطح الرجلين، وقال بعض الرواة أنهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبدالله بن فطيح. ومال إلى هذه الفرقة عامة مشايخ الشيعة وفقهائها، ولم يشكوا في أن الإمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده من بعده.
فلما مات عبدالله ولم يخلف ذكراً، ارتاب القوم واضطربوا وأنكروا الروايات الكثيرة عن علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد من أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسنين، ولا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى انقضاء الدنيا، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته سوى قليل منهم، إلى القول بإمامة موسى بن جعفر. وقد كانت جماعته من شيعة عبدالله قد رجعوا في حياته عن إمامته لروايات وقفوا عليها رووها عن جعفر أنه قال " إن الإمامة بعدي في ابني موسى، وأنه دل عليه، وأشار إليه، وأعلمهم في عبدالله أمورا لا يجوز أن تكون في الإمام ولا يصلح من كانت فيه للإمامة، وروى بعضهم أن جعفر قال لموسى: يابني إن أخاك سيجلس مجلسي ويدعي الإمامة بعدي فلا تنازعه ولا تتكلمن فإنه أول أهلي الذين لحقوا بي.
فلما توفي عبدالله رجعت شيعته عن القول به، وثبتت طائفة على القول بإمامته ثم بإمامة موسى بن جعفر من بعده. وعاش عبدالله بعد أبيه سبعين يوما أو نحوها.
وقالت الفرقة السادسة منهم: إن الإمام هو موسى بن جعفر بعد أبيه، وانكروا إمامة عبدالله، وخطأوه في فعله وجلوسه مجلس أبيه وادعائه الإمامة. هذا هو التفرق الذي حدث بعد موت الإمام جعفر الصادق.
وأضيف هنا ما جاء في الكتاب عن تفرق الشيعة بعد الإمام الحادي عشر، وهو الحسن العسكري:
قال المؤلفان في بيان هذا التفرق:
وتوفي ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه، وهي أم ولد يقال لها عسفان، ثم سماها أبوه حديثا، فافترق أصحابه من بعده فرقا:
ففرقة منها قالت: إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب، وهو القائم، ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له، ولا خلف معروف ظاهر، لأن الأرض لا تخلو من إمام، وقد ثبتت إمامة الحسن بن علي، والرواية قائمة أن للقائم غيبتين فهذه الغيبة إحداهما، وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة أخرى، وذهبوا في ذلك إلى بعض مذاهب الواقفة على موسى بن جعفر. وإذا قيل لهذه الفرقة: ما الفرق بينكم وبين الواقفة ؟ قالوا: إن الواقفة أخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لأنه توفي عن خلف قائم أوصى إليه وهو الرضا رضي الله عنه، ولأنه رحمه الله عليه توفي عن بضعة عشر ذكرا، كل إمام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه وله خلف ظاهر معروف فهو ميت لا محالة، وإنما القائم المهدي الذي يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف، فيضطر شيعته إلى الوقوف عليه إلى أن يظهر، لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف، فقد صح أنه غاب.
وقالت الفرقة الثانية: إن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهدي، واعتلوا في ذلك برواية اعتلت بها فرقة من واقفة موسى بن جعفر رووها عن جعفر بن محمد، أنه قال: إنما سمي القائم قائما لأنه يقوم بعدما يموت، فالحسن بن علي قد مات ولا شك في موته، ولا خلف له، ولا وصي موجود، فلا شك أنه القائم، وأنه حي بعد الموت، لأن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر، فهو رضي الله عنه غائب مستتر، وسيظهر ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وإنما قالوا: إنه حي بعد الموت، وأنه مستتر خائف لأنه لا يجوز عندهم أن تخلو الأرض من حجة قائم على ظهرها، عدل حي ظاهر أو خائف مغمور، للخبر الذي روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في بعض خطبه: (اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك ظاهر أو مغمور، لئلا تبطل حججك وبيناتك). فهذا دليل على أنه عاش بعد موته. وليس بين هذه الفرقة والفرقة التي قبلها فرق أكثر من أن هذه صححت موت الحسن بن علي رضي الله عنه، وأن الأولى قالت إنه غاب وهو حي وأنكرت موته، وهذه أيضاً شبيهة بفرقة من الواقفة على موسى بن جعفر رضي الله عنه. وإذا قيل لهم: من أين قلتم هذا ؟ وما دليلكم عليه ؟ رجعوا إلى تأول الروايات.
وقالت الفرقة الثالثة: إن الحسن بن علي توفي ولا عقب له، والإمام بعده أخوه، جعفر، وإليه أوصى الحسن، ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت إليه الإمامة. فلما قيل لهم: إن الحسن وجعفر ما زالا متهاجرين متصارعين متعاديين طول زمانهما، وقد وقفتم على صنايع جعفر ومخالفي الحسن، وسوء معاشرته له في حياته، ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه، قالوا: إنما ذلك بينهما في الظاهر، فأما في الباطن فكانا متراضيين، متصافيين، لا خلاف بينهما، ولم يزل جعفر مطيعا له، سامعا منه، فإذا ظهر فيه شىء من خلافه فعن أمر الحسن، فجعفر وصي الحسن، وعنه أفضت إليه الإمامة. ورجعوا إلى بعض قول الفطحية في عبدالله وموسى, وزعموا أن موسى بن جعفر إنما كان إماما بوصية أخيه عبدالله إليه، وعن عبدالله صارت إليه الإمامة لا عن أبيه، وأقروا بإمامة عبدالله بن جعفر وثبوتها بعد إنكارهم لها وجحودهم إياها، وأوجبوا فرضها على أنفسهم ليصححوا بذلك مذهبهم. وكان رئيسهم والداعي لهم إلى ذلك رجل من أهل الكوفة من المتكلمين يقال له علي الطاحي الخزار، وكان مشهورا في الفطحية، وهو ممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه، وكان متكلما محجاجا،وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزوينى، غير أن هذه أنكرت إمامة الحسن بن علي رضي الله عنه، وقالت: إن جعفرا أوصى أبوه إليه لا إلى الحسن.
وقالت الفرقة الرابعة: إن الإمام بعد الحسن هو جعفر، وأن الإمامة صارت إليه من قبل أبيه، لا من قبل أخيه محمد ولا من قبل الحسن. ولم يكن محمد إماما، ولا الحسن أيضاً، لأن محمدا توفي في حياة أبيه، وتوفي الحسن ولا عقب له، وكان مدعيا مبطلا، والدليل على ذلك أن الإمام لا يموت حتى يوصي ويكون له خلف، والحسن قد توفي ولا وصي له، ولا ولد، فادعاؤه الإمامة باطل، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه، ولا يجوز أيضاً أن تكون الإمامة في الحسن وجعفر لقول أبي عبدالله جعفر بن محمد وغيره من آبائه صلوات الله عليهم أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام، فدلنا ذلك على أن الإمامة لجعفر، وأنها صارت إليه من قبل أبيه لا من قبل أخويه.
أما الفرقة الخامسة: فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن علي المتوفي في حياة أبيه، وزعمت أن الحسن وجعفر ادعيا ما لم يكن لهما، وأن أباهما لم يشر إليهما بشيء من الوصية والإمامة. ولا روي عنه في ذلك شىء أصلا، ولا نص عليهما بشيء يوجب إمامتهما، ولا هما في موضع ذلك وخاصة جعفر: فإن فيه خصالا مذمومة، وهو بها مشهور، ولا يجوز أن يكون مثلها في إمام عدل. وأما الحسن فقد توفي ولا عقب له، فعلمنا أن محمدا كان الإمام، قد صحت الإشارة من أبيه إليه، والحسن قد توفي ولا عقب له، ولا يجوز أن يموت إمام بلا خلف، ثم رأينا جعفر في حياة الحسن وبعد مضيه، ظاهر الفسق، غير صائن لنفسه، معلنا بالمعاصي، وليس هذا صفة من يصلح للشهادة على درهم، فكيف يصلح لمقام النبي صلى الله عليه وسلم وآله، لأن الله عز وجل لم يحكم بقول شهادة من يظهر الفسق والفجور، فكيف يحكم له بإثبات الإمامة مع عظم فضلها وخطرها وحاجة الخلق إليها. وإذ هي السبب الذي يعرف به دينه ويدرك رضوانه، فكيف تجوز في مظهر الفسق، وإظهار الفسق لا يجوز تقية، هذا ما لايليق بالحكيم عز وجل، ولا يجوز أن ينسب إليه تبارك وتعالى، فلما بطل عندنا أن تكون الإمامة تصلح لمثل جعفر، وبطلت عمن لا خلف له، لم يبق إلا التعلل بإمامة أبي جعفر محمد بن علي أخيهما، إذ لم يظهر منه إلا الصلاح والعفاف، وإن له عقبا قائما معروفا، مع ما كان من أبيه من الإشارة بالقول مما لا يجوز بطلان مثله، فلابد من القول بإمامته وأنه القائم المهدي، أو الرجوع إلى القول ببطلان الإمامة أصلا، وهذا مما لايجوز.
وقالت الفرقة السادسة: إن لحسن بن علي ابنا سماه محمدا، ودل عليه، وليس الأمر كما زعم من ادعى أنه توفي ولا خلف له، وكيف يكون إمام قد ثبتت إمامته ووصيته، وجرت أموره على ذلك، وهو مشهور عند الخاص والعام، ثم توفي ولا خلف له، ولكن خلفه قائم وولد قبل وفاته بسنين، وقطعوا على إمامته وموت الحسن، وأن اسمه محمد، وزعموا أن أباه أمر بالاستتار في حياته مخافة عليه، فهو مستتر خائف في تقية من عمه جعفر وغيره من أعدائه وأنها إحدى غيباته، وأنه هو الإمام القائم، وقد عرف في حياة أبيه ونص عليه، ولا عقب لأبيه غيره، فهو الإمام لا شك فيه.
وقالت الفرقة السابعة: بل ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر، والذين ادعوا له ولدا في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم، لأن ذلك لو كان، لم يخف كما لم يخف غيره، ولكنه مضى ولم يعرف له ولد، ولا يجوز أن يكابر في مثل ذلك ويدفع العيان والمعقول والمتعارف. وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتا عند السلطان، وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك، فقد ولد له ابن بعد وفاته بثمانية أشهر، وقد كان أمر أن يسمى محمداً. وأوصى بذلك وهو مستور لا يرى. واعتلوا في تجويز ذلك وتصحيحه بخبر يروى عن أبي الحسن الرضا رضي الله عنه، أنه قال: ستبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع، فهذا هو.
وقالت الفرقة الثامنة: أنه لا ولد للحسن أصلاً، لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه وفتشنا عنه سرا وعلانية وبحثنا عن خبره في حياة الحسن بكل سبب فلم نجده ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن بن علي وقد توفي ولا ولد له ظاهر معروف أن له ولدا مستوراً لجازت مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف، ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله، أن يقال خلف ابنا نبيا رسولا، ولجاز أن تدعي الفطحية أن عبدالله بن جعفر بن محمد خلف ولدا ذكرا إماما، وأن أبا الحسن الرضا رضي الله عنه خلف ثلاثة بنين غير أبي جعفر، أحدهم الإمام، لأن مجيء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب، كمجيء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم وآله لم يخلف ذكرا من صلبه ولا خلف عبدالله بن جعفر ابنا ولا كان للرضا أربعة بنين، فالولد قد بطل لا محالة. ومع ذلك فهناك حبل قائم... فإنه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجة.
واحتج أصحاب الولد على هؤلاء بالخبر الذي روي عن جعفر أن القائم يخفى على الناس حمله وولادته، وقالوا: أنكرتم علينا أمرا وقلتم بمثله, قلتم إن هناك حبلا قائما. فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم، واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم، فاستقصينا في ذلك غاية الاستقصاء فلم نجده، فنحن في الولد لذلك أصدق منكم، لأنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ثم يعرف بعد ذلك ويصح نسبه.
وقال المنكرون: الأمر الذي ادعيتموه منكر شنيع ينكره عقل كل عاقل، ويدفعه التعارف والعادة مع ما فيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين، أن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر، وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون، وأنكم على قولكم بلا صحة ولا بينة.
وقالت الفرقة التاسعة: إن الحسن بن علي قد صحت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطؤ الأخبار التي لايجوز تكذيب مثلها، وكثرة المشاهدين لموته وتواتر ذلك عن الولي له والعدو، وهذا ما لا يجب الارتياب فيه، وصح بمثل هذه الأسباب أنه لا خلف له فلما صح عندنا الوجهان ثبت أنه لا إمام بعد الحسن بن علي، وأن الإمامة انقطعت وذلك جائز في المعقول والقياس والتعارف، كما جاز أن تنقطع النبوة بعد محمد، فلا يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم وآله نبي، فكذلك جاز أن تنقطع الإمامة لأن الرسالة والنبوة أعظم خطراً وأجل والخلق إليها أحوج، والحجة بها ألزم، والعذر بها أقطع، لأن معها البراهين الظاهرة والأعلام الباهرة، ومع ذلك فقد انقطعت، فكذلك يجوز أن تنقطع الإمامة. واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن الصادق: أن الأرض لا تخلو من حجة، إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم، فيرفع عنهم الحجة إلى وقت، فهذا عندنا ذلك الوقت، والله يفعل ما يشاء، وليس في قولنا هذا بطلان الإمامة. وهذا أيضاً جائز من وجه آخر كما جاز أن لا يكون قبل النبي صلى الله عليه وسلم وآله فيما بينه وبين عيسى رضي الله عنه نبي، ولا وصي، ولما رويناه من الأخبار أنه كانت بين الأنبياء فترات، ورووا ثلاثمائة سنة وروي مائتا سنة، ليس فيها نبي ولا وصي، وقد قال الصادق رضي الله عنه: إن الفترة هي الزمان الذي لا يكون فيه رسول ولا إمام، والأرض اليوم بلا حجة، إلا أن يشاء الله فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم وآله، فيحي الأرض بعد موتها، كما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وآله على حين فترة من الرسل، فجدد ما درس من دين عيسى ودين الأنبياء قبله صلى الله عليهم، فكذلك يبعث القائم إذا شاء عز وجل والحجة علينا إلى أن يبعث القائم - وظهوره: الأمر والنهي المتقدمان والعلم الذي في أيدينا مما خرج عنهم إلينا، والتمسك بالماضي، مع الإقرار بموته، كما كان أمر عيسى رضي الله عنه ونهيه، وما خرج من علمه وعلم أوصيائه، والتمسك بالإقرار بنبوته وبموته، والإقرار بمن ظهر من أوصيائه، حجة على الناس قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وآله.
وهذه الفرقة لا توجب قيام القائم، ولا خروج مهدي، وتذهب في ذلك إلى بعض معاني البداء.
وقالت الفرقة العاشرة: إن محمد بن علي، الميت في حياة أبيه، كان الإمام بوصية من أبيه، وإشارته ودلالته ونصه على اسمه وعينه، ولا يجوز أن يشير إمام قد ثبتت إمامته وصحت على غير إمام، فلما حضرت الوفاة محمدا لم يجز أن يوصي ولا يقيم إماما، ولا يجوز له أن يوصي إلى أبيه، إذ إمامة أبيه ثابتة عن جده ولا يجوز أيضاً أن يأمر مع أبيه وينهى ويقيم من يأمر معه ويشاركه. وإنما ثبتت له الإمامة بعد مضي أبيه، فلما لم يجز إلا أن يوصي فقد أوصى إلى غلام لأبيه صغير كان في خدمته يقال له نفيس، وكان عنده ثقة أمينا، ودفع إليه الكتب والوصية، وأمره إذا حدث به حدث الموت أن يؤدي ذلك كله إلى أخيه جعفر، ما فعل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما خرج إلى الكوفة، فقد دفع كتبه والوصية وما كان عنده من السلاح وغيره إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وآله واستودعها ذلك كله، وأمرها أن تدفعه إلى علي بن الحسين الأصغر إذا رجع إلى المدينة، فلما انصرف علي بن الحسين من الشام إليها، دفعت إليه جميع ذلك، وسلمته له، فهذا بتلك المنزلة في الإمامة لجعفر بوصية " نفيس " إليه عن محمد أخيه، فإن نفيسا لما خاف على نفسه لما علم أهل الدار قصته وأحسوا بأمره وحسدوه، ونصبوا له وبغوه الغوائل، وخشي أن تبطل الإمامة وتذهب الوصية دعا جعفرا وأوصى إليه، ودفع إليه جميع ما استودعه أخوه الميت في حياة أبيه، ودفع إليه الوصية على نحو ما أمره، وهكذا ادعى جعفر أن الإمامة صارت إليه من قبل محمد أخيه، لا من قبل أبيه وهذه الفرقة تسمى النفيسية.
وقالت فرقة من النفيسية أنكروا إمامة الحسن رضي الله عنه: لم يوص أبوه إليه، ولا غير وصيته إلى محمد ابنه، وهذا عندهم جائز صحيح، فقالوا بإمامة جعفر من هذا الوجه وناظروا عليها. وهذه الفرقة تتقول على أبي محمد الحسن بن علي رضي الله عنه تقولا شديداً، وتكفره وتكفر من قال بإمامته، وتغلو في القول في جعفر، وتدعي أنه القائم، وتفضله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتقدمه على الحسن والحسين وجميع الأئمة، وتعتل في ذلك: أن القائم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله. وأخذ نفيس ليلا وألقي في حوض كان في الدار كبير فيه ماء كثير، فغرق فيه فمات وهذه الفرقة هي النفيسية الخالصة.
وقالت الفرقة الحادية عشرة منهم: لما سئلوا عن ذلك وقيل لهم ما تقولون في الإمام: أهو جعفر أم غيره ؟ قالوا: لا ندري ما نقول في ذلك أهو من ولد الحسن أم من إخوته فقد اشتبه علينا الأمر ولسنا نعلم أن للحسن بن علي ولدا أم لا، أم الإمامة صحت لجعفر أم لمحمد، وقد كثر الاختلاف، إلا أنا نقول: إن الحسن بن علي كان إماما مفترض الطاعة ثابت الإمامة، وقد توفي رضي الله عنه وصحت وفاته، وأن الأرض لا تخلو من حجة، ونحن نتوقف ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفا وخفي علينا أمره حتى يصح لنا الأمر ويتبين، ونتمسك بالأول كما أمرنا أنه إذا هلك الإمام، ولم يعرف الذي بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر، فنحن نأخذ بهذا ونلزمه، ولا ننكر إمامة أبي محمد، ولا ننكر موته، ولا نقول إنه رجع بعد موته، ولا نقطع على إمامة أحد من ولد غيره ولا ننتميه حتى يظهر الله الأمر إذا شاء ويكشفه ويبينه لنا، وهذه الفرقة لا تثبت لجعفر بن علي إمامة أحد من ولده ولا من غيره، بوجه من الوجوه ولا تثبت إمامة إمام إلا بوصية أبيه إليه، ووصية ظاهرة، ولم تثبت لجعفر وصية ظاهرة ولا باطنة، وكل إمام اختلف المؤتمون به في مخرج إمامته ممن هي، وممن أوصى إليه، ومن أقامه فهي باطلة لا تثبت، وأصحاب جعفر يختلفون في إمامة جعفر ومخرجها، فبعضهم يقول إنها له بوصية أبيه إليه وإقامته، وبعضهم يدعيها له من قبل أخيه محمد الميت في حياة أبيه، وبعضهم يدعيها له عن أخيه.
وقالت الفرقة الثانية عشرة: منهم وهم الإمامية: ليس القول كما قال هؤلاء كلهم، بل لله عز وجل في الأرض حجة من ولد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، وأمر الله بالغ، وهو وصي لأبيه قائم بالأمر بعده هاد للأمة مهدي على المنهاج الأول والسنن الماضية، ولا تكون الإمامة في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجوز ذلك، ولا تكون إلا في عقب الحسن بن علي بن محمد إلى فناء الخلق وانقطاع أمر الله ونهيه ورفعه التكليف عن عباده متصلا ذلك ما اتصلت أمور الله. ولو كان في الأرض رجلان، لكان أحدهما الحجة، ولو مات أحدهما لكان الآخر الحجة ما اتصل أمر الله، ودام نهيه في عباده وتكليفه قائما في خلقه. ولا يجوز أن تكون الإمامة في عقب من لم تثبت له إمامة، ولم تلزم العباد به حجة ممن مات في حياة أبيه، ولا في ولده ولا في وصي له من أخ ولا غيره، ولو جاز ذلك لصح مذهب أصحاب إسماعيل بن جعفر بن محمد ولثبتت إمامة ابنه محمد بن إسماعيل بعد مضي جعفر بن محمد، وكان من قال بها من المباركية والقرامطة محقا مصيبا في مذهبه، وهذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الأئمة الصادقين مما لا دفع له بين هذه العصابة من الشيعة الإمامية، ولا شك فيه عندهم ولا ارتياب لصحة مخرج الأخبار المروية فيه وقوة أسبابها، وجودة أسانيدها وثقة ناقليها. ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة، ولو خلت ساعة لساخت الأرض ومن عليها ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق كلها، فنحن متمسكون بإمامة الحسن بن علي، مقرون بوفاته، معترفون بأن له خلفا من صلبه، وأن خلفه هو الإمام من بعده، حتى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن أمره، كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه، إذ الأمر لله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء، ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء، ونطق وصموت، كما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وآله في حال نبوته بترك إظهار أمره، والسكوت والإخفاء من أعدائه والاستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم وأشهر من الإمامة، فلم يزل كذلك سنين إلى أن أمره بإعلان ذلك، وعند الوقت الذي قدره تبارك وتعالى، فصدع بأمره وأظهر الدعوة لقومه، ثم بعد الإعلان بالرسالة، وإقامة الدلائل المعجزة والبراهين الواضحة اللازمة بها الحجة وبعد أن كذبته قريش وسائر الخلق من عرب وعجم، وما لقى من الشدة ولقيه أصحابه من المؤمنين، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، وأقام هو مع قومه حتى توفي أبو طالب فخاف على نفسه وبقية أصحابه، فأمره الله عند ذلك بالهجرة إلى المدينة، وأمره بالاختفاء في الغار والاستتار من العدو، فاستتر أياما، خائفا مطلوبا، حتى أذن الله له وأمره بالخروج، وكما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك ظاهراً معروفا، أو خافياً مغموداً كيلا تبطل حجتك وبيناتك. وبذلك أمرنا، وبه جاءت الأخبار الصحيحة المشهورة عن الأئمة الماضين، وليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا أثر ما لا علم لهم به، ويطلبوا إظهاره، فستره الله عليهم وغيبه عنهم وقال الله عز وجل لرسوله: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36] فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك، إذ هو رضي الله عنه مغمود خائف مستور بستر الله تعالى، وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل، لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه رضي الله عنه ودماء شيعته وانتهاك حرمته، أعاذ الله من ذلك كل مؤمن ومؤمنة برحمته وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنها وصيانتها وسلامة ديننا والانتهاء إلى أمر الله وأمر أئمتنا وطاعتهم. وفقنا الله وجميع المؤمنين بطاعته ومرضاته بمنه ورأفته، ولا يجوز لنا ولا لأحد من المؤمنين أن يختار إماما برأيه ومعقوله واستدلاله، وكيف يجوز هذا وقد حظره الله جل وتعالى على رسله وأنبيائه وجميع خلقه، فقال في كتابه إذ لم يجعل الاختيار إليهم في شيء من ذلك: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [ الأحزاب: 36 ] وقال:وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [ القصص: 68 ] وإنما اختيار الحجج والأئمة إلى الله عز وجل وإقامتهم إليه فهو يقيمهم ويختارهم ويخفيهم إذا شاء ويظهرهم ويعلن أمرهم إذا أراد ويسترهم إذا شاء فلا يبديهم، لأنه تبارك وتعالى أعلم بتدبيره في خلقه وأعرف بمصلحتهم، والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منا. وقد قال أبو عبدالله الصادق رضي الله عنه: " وهو ظاهر الأمر، معروف المكان، لا ينكر نسبه ولا تخفى ولادته وذكره شائع مشهور في الخاص والعام: من سماني باسم فعليه لعنة الله " ولقد كان الرجل من شيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية، فإذا لقيه أبو عبدالله شكره على فعله وصوب له ما كان منه وحمده عليه، وذم من تعرف إليه وسلم عليه وأقدم عليه بالمكروه من الكلام. وكذلك وردت الأخبار عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر رضي الله عنه من منع تسميته مثل ذلك، وكان أبو الحسن الرضا يقول: لو علمت ما يريد القوم مني لأهلكت نفسى عندي بما لايوثق ديني، بلعب الحمام والديكة وأشباه ذلك، هذا كله لشدة التستر من الأعداء ولوجوب فرض استعمال التقية فكيف يجوز في زماننا هذا ترك استعمال هذا مع شدة الطلب وجور السلطان وقلة رعايته لحقوق أمثالهم، ومع ما لقي رضي الله عنه من " صالح بن وصيف " لعنه الله، وحبسه إياه ولأهل بيته، والأمر بقتله، وطلب الشيعة، وما نالهم منه من الأذى والتعنت، وتسميته من لم يظهر خبره ولا اسمه وخفيت ولادته. وقد رويت أخبار كثيرة: أن القائم تخفى على الناس ولادته ويخمل ذكره ولا يعرف اسمه ولا يعلم مكانه ولا يعرف إلا أنه لا يقوم حتى يظهر ويعرف أنه إمام ابن إمام، ووصي ابن وصي، يؤتم به قبل أن يقوم، ومع ذلك فإنه لابد من أن يعلم أمره ثقاته وثقات أبيه، وإن قالوا، لأن الإشارة بالوصية من إمام إلى إمام بعده لا تصح ولا تثبت إلا بشهود عدول من خاصة الأولياء أقل ذلك شاهدان فما فوقهما، إلا أن لا يكون للإمام الماضي إلا ولد واحد فيستغني بذلك عن الإشارة إليه على ما يروي عن أبي جعفر محمد بن الرضا. ومع هذا فإن الرضا لم يدع الإشارة إليه، والوصية والإشهاد على ذلك لأنه لابد منه، إذ السنة جارية من رسول الله بذلك، ومن الأئمة من بعده، وإذ قد فعله أمير المؤمنين بالحسن وفعله الحسن بالحسين مع وصية رسول الله وإشارته إليه أن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ، ولا عم، ولا ابن عم، ولا ولد ولد مات أبوه في حياة جده، ولا يزول عن ولد الصلب، ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له لصلبه وله ولد. فهذه سبيل الإمامة، وهذا المنهاج الواضح والفرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية الصحيحة التشيع عليه، وعلى ذلك كان إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن علي رضوان الله عليه.
وقالت الفرقة الثالثة عشرة: مثل مقالة الفطحية، والفقهاء منهم أهل الورع والعبادة، مثل عبدالله بن بكير بن أعين ونظرائه، فزعموا: أن الحسن بن علي توفي، وأنه كان الإمام بعد أبيه بوصية أبيه إليه، وأن جعفر بن علي هو الإمام بعده، كما كان موسى بن جعفر إماما بعد عبدالله بن جعفر، للخبر الذي روي: أن الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى، وأن الخبر الذي روي عن الصادق رضي الله عنه: أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه فإنها لا تخرج منه إلى أخيه، بل تثبت في خلفه، وإذا توفي ولا خلف له رجعت إلى أخيه ضرورة، لأن هذا معنى الحديث عندهم، وكذلك قالوا في الحديث الذي روي: أن الإمام لا يغسله إلا إمام، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره، وأقروا: أن جعفر بن محمد رضي الله عنه غسله موسى، وادعوا أن عبدالله أمره بذلك, لأنه كان الإمام بعد عبدالله، فلذلك جاز أن يغسله موسى، فهذه الأخبار بأن الإمام لا يغسله إلا الإمام صحيحة جائزة على هذا الوجه، فهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين إذا لم يكن الأكبر منهما خلف ولدا، والإمام عندهم " جعفر بن علي " على هذا التأويل ضرورة، وعلى هذه الأخبار والمعاني التي وصفناها...
مما سبق نلاحظ ما يأتي:-
ـ عندما وقفت الناووسية عند الإمام الصادق، واعتبرته القائم المهدي، بدأت في وضع الأخبار التي تؤيد عقيدتها، ولم تستطع أن تقوم بهذا قبل موته.
ـ والإسماعيلية الخالصة قامت بمثل هذا بالنسبة لإسماعيل بن جعفر.
ـ والمباركية جعلت الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر، ويذكر التاريخ تفرقها بعد ذلك لعدة فرق، ومنهم القرامطة الذين زعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين، واستباحوا المحارم وجميع ما خلقه الله!! ومع وضوح كفرهم استدلوا بما يؤيد عقيدتهم.
ـ والفرقة الرابعة التي قالت بإمامة محمد بن جعفر، وفي ولده من بعده، وضعت من الأخبار ما يدل على إمامته، ولم تستطع أن تضع ما ينص على أسماء من يأتي بعده.
ـ والفرقة الخامسة وضعت أيضاً من الأخبار ما يدل على إمامة عبدالله بن جعفر، ولم تستطع أن تضع ما ينص على أسماء من يأتي بعده. فلما مات ولم يخلف ذكرا حدث التفرق المذكور، وأنكر القوم ما أنكروا من الروايات، ووضعوا روايات جديدة تتفق مع العقيدة الجديدة، وانظر مثلا إلى هذه الرواية:
قال جعفر لموسى: " يا بني إن أخاك - يقصد عبدالله - سيجلس مجلسي، ويدعي الإمامة بعدي، فلا تنازعه ولا تتكلمن، فإنه أول أهلي الذين لحقوا بي ".
فهذه الرواية التي ذكرت للاستدلال على إمامة موسى بن جعفر لم توضع قبل موت عبدالله بن جعفر، لأن الوضاعين من هؤلاء الشيعة لم يكونوا يعرفون من الذي سيموت قبل الآخر.
ـ والفرقة السادسة التي قالت بإمامة موسى بن جعفر بعد أبيه صارت بعد وفاته خمس فرق.
ولعل في هذا ما يكفى لبيان ما أردت بيانه.
فالشيعة الاثنا عشرية التي نتحدث عنها كانت انبثاقا من إحدى الفرق الخمس السابقة، وخمس الفرق كلها كانت إحدى الفرق الست السابقة. وكل فرقة من الفرق الخمسة افترقت بعد ذلك عدة فرق. وإذا واصلنا المسيرة نجد أن الشيعة اتباع الحسن العسكري - الإمام الحادى عشر عند الاثني عشرية - انقسمت بعد موته إلى ما يقرب من عشرين فرقة، وكل فرقة تضع من الأخبار ما يؤيد عقيدتها الجديدة، ولا يمكن وضع هذه الأخبار قبل وفاة الإمام.
ونلحظ أن كل هذه الفرق أكدت أن الحسن العسكري لا خلف له ما عدا فرقة مع فرقة الإمامية.
ومعنى هذا أن الشيعة الاثني عشرية لم تبدأ في وضع الأخبار التي تتصل بالاثني عشر إماما إلا بعد الحسن العسكري، أي في النصف الثاني من القرن الثالث. وبعد هذا تبدأ مرحلة الكتب.
والواقع العملي يؤيد ما بينته هنا، فكتب الحديث الأربعة المعتمدة عندهم أولها ظهر في القرن الرابع، وهو الكافي، ثم جاء بعده باقي الكتب. (3)
الأصول الأربعمائة
قال مؤلف كتاب ( دراسة حول الأصول الأربعمائة ) (ص 7):
بلغ الرواة عنه – أي الإمام الصادق – أربعة آلاف رجل، وانصرفت طائفة كبيرة من هؤلاء لضبط ما رووه عن الإمام سماعاً في كتاب خاص في مواضيع الفقه والتفسير والعقائد وغيرها، وقد اصطلح التاريخ الشيعي على تسمية هذه الكتب بالأصول، كما حصرها في أربعمائة أصل، وهذا ما نعنيه بالأصول الأربعمائة. ا. هـ
وتحدث المؤلف بعد هذا مباشرة عن الاختلاف حول تحديد مفهوم الأصل، ثم ذكر أسماء أصحاب الأصول، ولكن عددهم لم يبلغ الثمانين، ثم قدم دراسة حول الأصول بصفة عامة، ثم تعريفاً مقتضباً للأصول الموجودة كاملة، أو الموجود قسم منها، وبلغ العدد ثمانية وعشرين.
وانتهى بعد ذلك إلى نتيجة البحث فقال:-
" وقد توصلنا من هذا البحث إلى النتائج التالية ":
أولاً: أن الأصل مما اصطلح عليه علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري.
ثانياً: أن المحدثين ذكروا في تحديد مفهوم الأصل أقوالاً كانت في الغالب مجرد حدس وتخمين كما صرح بذلك السيد محسن الأمين.
وأن لكلمة الأصل معنيين:
الأول: المعنى الاصطلاحي وهو عبارة عن الحاوي للحديث المروي سماعاً من الإمام الصادق غالبا ومن تأليف رواته وقد استشهدنا لذلك بنصوص المتقدمين، وأن أغلب من ذكرهم الطوسي والنجاشي في أصحاب الأصول هم من أصحاب الإمام الصادق ودراسة الأصول الموجودة.
الثاني: المعنى اللغوي بمعنى المصدر والمرجع – كما في عصرنا – وذلك حيث تستعمل في غير كتب الحديث من العلوم المختلفة أو تستعمل قبل القرن الخامس الهجري.
ثالثاً: تحديد زمن التأليف بعصر الإمام الصادق أي من روى عنه وينافي ذلك أن يروي عن أبيه الباقر أو ابنه الكاظم.
رابعاً: إن أريد من الأصل مفهومه اللغوي فأصول أحاديث الشيعة عدداً ستة آلاف وستمائة – تقريباً.
وإن أريد مفهومه الاصطلاحي المذكور فلا يزيد على المائة عددا والمذكور منها في فهرستي الطوسي والنجاشي لا تزيد على نيف وسبعين أصلاً.
خامساً: أن أعيان الأصول قد أهملت نظراً لاحتواء الكتب الأربعة وجوامع الحديث لهذه الأصول وغيرها من مصادر أحاديث الشيعة، ولأجل ذلك استغنى المحدثون عن الأصول بأعيانها لوجود مضامينها ورواياتها في هذه الكتب المتأخر تأليفها زمناً عن زمن تأليف الأصول ولم أقف – حسب تتبعي – للأصول التي ذكرها الشيخ الطوسي على أكثر من ثلاثة أصول موجودة اليوم، ومن الكتب التي وصفت بأنها أصول على أكثر من سبعة وعشرين كتاباً، وعساني أوفق للاطلاع عليها في المستقبل.
ويقول الشهيد الثاني بهذا الصدد: كان قد استقر أمر الإمامية على أربعمائة مصنف سموها أصولاً فكان عليها اعتمادهم، وتداعت الحال إلى أن ذهب معظم تلك الأصول ولخصها جماعة في كتب خاصة تقريبا على المتناول، وأحسن ما جمع منها (الكافي) و(التهذيب) و(الاستبصار) و(من لا يحضره الفقيه). انتهى كلام المؤلف.
ولو صح كلامه فإنه يعني أن التدوين كان للآراء والاجتهادات الفقهية وغيرها، كما كان للأحاديث التي رواها الإمام الصادق، والشيعة يرون أن كل ما صدر عنه يعتبر من السنة، ولكن الإمام الصادق نفسه لا يمكن أن يرى العصمة لنفسه أو حق التشريع، ويندر أن يوجد في عصره من يرى عصمته إلا الغلاة.
فما يصح نقله عن الإمام الصادق لا يختلف عما ثبت عن الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك و الشافعي وأحمد، وغيرهم من الأئمة الأعلام إلا فيما نراه من الاختلاف بين هؤلاء الأئمة المجتهدين أنفسهم. أما ما يدون في عصر الإمام الصادق افتراء عليه فإن الافتراء لا يتجاوز عصره والعصور السابقة، ولا يمكن أن يتصل بمن يأتي بعده مما يعد في علم الغيب. ولسنا هنا في حاجة إلى دراسة هذه الأصول، أو البحث عن أصحابها، ولكن الذي يعنينا هو أن ما يخص الشيعة الاثني عشرية لم يظهر في هذا العصر حتى يدون، ولذا عجبت كل العجب من عنوان أحد هذه الأصول، وقد ذكره المؤلف في ص 47، والعنوان:
" مقتضب الأثر في الأئمة الاثني عشر "!... ومن غير الممكن على الإطلاق أن يوضع هذا العنوان في عصر الإمام الصادق، فما كان أحد في وقته يعرف أسماء من يأتي بعده، حيث لا يعلم الغيب إلا الله، ولكن يمكن أن يوضع هذا العنوان بعد الإمام الحادي عشر، وتنسب الأقوال المفتراة إلى الصادق أو غيره، هذا هو الواقع الذي يمكن أن يكون. فلو نسب هذا العنوان إلى من عاش في عصر الصادق فإن هذا يعني أن واضع العنوان يفتري على من عاش في عصر الإمام.
وعلى كل حال بعد قراءة العنوان جاء ما يلي:
" تأليف أحمد بن محمد بن عياش الجوهرى، المتوفي سنة 401 هـ ".
إذن عاش المؤلف بعد الإمام الحادي عشر، بل بين وفاة كل منهما قرن ونصف، فهذا هو الذي يتفق مع ما سبق بيانه. (1)
الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة
رأينا من قبل الجرح والتعديل عن الجمهور، والموقف من الرواية عن أهل البدع، وما يتصل بالعدالة والضبط.
والصحابة الكرام، خير أمة أخرجت للناس، شهد لهم ربهم عز وجل وكفى بالله شهيدا، وشهد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم، وما أعظمها من شهادة! ولذلك فهم ليسوا في حاجة إلى شهادة بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعدالتهم أمر معلوم مسلم به عند جمهور المسلمين. ومن طعن فيهم ممن ينتسب إلى الإسلام كاد أن يخرج عن الملة إن لم يكن قد خرج بالفعل. وتبعاً للجرح والتعديل عند الفرق يحكم على الأحاديث، وتؤلف الكتب.
وقبل أن أبين الجرح والتعديل عند سلف عبدالحسين، وأثر هذا في كتبهم التي قال إنها مقدسة، وصحاح متواترة، أردت أن أوضح موقف " الحاكم " كما جاء في كتابه (معرفة علوم الحديث) وهو شيعي لكنه غير رافضى، حتى لا نخلط بين موقف الشيعة وموقف الرافضة.
تحدث الحاكم عن أصح الأسانيد فقال (ص 55) :
إن أصح أسانيد أهل البيت: جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة.
وأصح أسانيد الصديق: إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر.
وأصح أسانيد عمر: الزهري عن سالم عن أبيه عن جده.
وأصح أسانيد المكثرين من الصحابة لأبي هريرة: الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ولعبدالله بن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر، ولعائشة عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن القاسم بن محمد ابن أبي بكر، عن عائشة.
سمعت أبا بكر أحمد بن سلمان الفقية يقول: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسى يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب.
ومن أصح الأسانيد أيضاً محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن زهرة القرشي عن عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي عن عائشة.
وأصح أسانيد عبدالله بن مسعود: سفيان بن سعيد الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس النخعي عن عبدالله بن مسعود.
وأصح أسانيد أنس: مالك بن أنس عن الزهري عن أنس.
وأصح أسانيد المكيين: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر.
وأصح أسانيد اليمانيين: معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة.
ومما ذكره الحاكم نرى أنه لا يختلف عن جمهور المسلمين في نظرته للصحابة الكرام، وفي التوثيق بصفة عامة على خلاف ما نراه عند الرافضة.
وفي (ص 56 ) يقول: إن أوهى أسانيد أهل البيت: عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الحارث الأعور، عن علي.
وفي (ص 63) تحدث عن معرفة فقه الحديث فقال: " فأما فقهاء الإسلام، أصحاب القياس والرأي والاستنباط والجدل والنظر، فمعروفون في كل عصر وأهل كل بلد. ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هذا الموضع فقه الحديث عن أهله ليستدل بذلك على أن أهل هذه الصنعة من تبحر فيها لا يجهل فقه الحديث، إذ هو نوع من أنواع هذا العلم.
فمن أشرنا إليه من أهل الحديث محمد بن مسلم الزهري " وذكر الحاكم بإسناده بعد هذا عن مكحول قال: " ما رأيت أحداً أعلم بسنة ماضية من الزهري ".
وفي (ص 240) بدأ الحديث عن النوع التاسع والأربعين فقال: " هذا النوع من هذه العلوم معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين وأتباعهم ممن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة، والتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إلى الغرب ".
وأول من ذكرهم من هؤلاء الأئمة الإمام الزهري. وفي عصرنا وجدنا الرافضة والمستشرقين – لهدف واحد خبيث – يطعنان في هذا الإمام الجليل. ومن الأئمة الأعلام الذين ذكرهم: الإمام سفيان الثوري(ص 245) ، وسيأتي في نماذج من الجرح والتعديل ما قاله الرافضة في هذا الإمام.
و(مستدرك الحاكم) معروف مشهور، وسبق الإشارة إليه، غير أنه جمع الصحيح والحسن والضعيف والموضوع.
وممن عرف بالتشيع كذلك النسائي، صاحب (السنن)، أحد الكتب الستة المعتمدة عند جمهور المسلمين، و عبدالرزاق صاحب (المصنف)، وابن عبدالبر، صاحب الكتب الكثيرة النافعة. انظر (منهاج السنة) لابن تيمية ( 7 / 13، 373) ، ومنهج هؤلاء في الجرح والتعديل يعتبر من منهج الجمهور.
أما أسلاف عبدالحسين فإن منهجهم تأثر بعقيدتهم في الإمامة، فكما رفضوا الخلافة الراشدة للشيخين وذي النورين، رفضوا ما ثبت عنهم من أخبار، وطعنوا فيهم وفيمن لم يقل بقول عبدالله بن سبأ في الوصي بعد النبي، ولذلك طعنوا وجرحوا من شهد لهم ربهم عز وجل والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم. وفي ظلمات هذه الجهالة ألفت كتبهم.
نماذج من الجرح والتعديل
الجرح والتعديل عند هؤلاء القوم – كما رأينا – يرتبط بعقيدتهم الباطلة في الإمامة، ووضعت كتبهم – كما سنرى – لتأييد هذه العقيدة. وكتب الرجال عندهم طعنت في خير جيل عرفته البشرية وجرحت صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي عن الصحابة الكرام البررة. ولم يسلم من الطعن إلا من اشتهر في التاريخ بولائه لعلي بن أبي طالب. وقولهم بعصمة الأئمة جعلهم لا ينظرون إليهم على أنهم رواة ثقات بل جعلوهم مصدرا للتشريع، فأقوالهم سنة واجبة الاتباع كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أدنى فرق، ... بيان بعض النماذج مما جاء في كتب الرجال عندهم. وأصول هذه الكتب الرجالية خمسة هي: (رجال البرقي)، و(رجال الكشي)، و(رجال الشيخ الطوسي)، و(فهرسته)، و(رجال النجاشي). وقد رجع إلى هذه الأصول وغيرها عبدالله الماماقانى في كتابه (تنقيح المقال في علم الرجال ). والمؤلف يلقبونه بالعلامة الثاني آية الله، أما علامتهم الأول فهو ابن المطهر الحلي الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية. كما أشرت من قبل، وكتاب (تنقيح المقال) من أكبر الكتب حجماً ومكانة عندهم.
وإليك بعض النماذج مما جاء في هذا الكتاب.
ـ (علي بن أبي طالب:
أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، مناقبه وفضائله لا يسع البشر عدها وإحصاءها، قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي. وقد ورد أنه لو كان البحر مداداً، والأشجار أقلاماً وأوراق الأشجار قرطاساً، والجن والإنس كتاباً، لما أحصوا مناقبه)!! (جـ 2 ص 264) .
ـ (محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة:
جليل القدر عظيم المنزلة من خواص علي رضي الله عنه وحوارييه. أتته النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس لا من قبل أبيه. من أنجب النجباء، من أهل بيت سوء. بايع أمير المؤمنين على البراءة من أبيه، ومن الخليفة الثاني، وقال له: أشهد أنك إمام مفترض الطاعة، وأن أبي في النار...) إلخ.
(انظر ترجمته في ملحق الجزء الثاني (ص 57، 58) وينسب الرافضة هذه الأقوال للإمامين الباقر والصادق، وحاشاهما - رضي الله تعالى عنهما - أن ينطقا بمثل هذا الكفر الذي لا يقوله إلا عبدالله بن سبأ وأمثاله وأتباعه)
ـ (عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي خليفة العامة:
بالغت العامة في مدحه، ومن لاحظ ترجمته المتفرقة وأمعن النظر فيها لم يعتمد على خبره...) إلخ (2/ 201)
ـ (عبدالله بن عمرو بن العاص:
كان كأبيه في الرأي والنفاق، والكذب على الله ورسوله، والخروج مع معاوية بصفين، وكفى بذلك جرحا...) إلخ (2 / 200)، وفي ترجمته أخذ الرافضي يلعنه ويلعن أباه! .
ـ عبدالرحمن بن عوف:
في ترجمته اتهام له ولذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنهما، وفي نهاية الترجمة قال: (لا أعتمد على روايته، لأن من خان في الأصول لا يوثق به في الفروع) (2/146: 147)
ـ (خالد بن الوليد:
تعاقد مع أبي بكر على قتل علي رضي الله عنه، ثم ندم أبو بكر خوفاً من الفتنة، سماه العامة سيف الله، والأحق بتسميته سيف الشيطان... زنديق، أشهر من كفر إبليس في العداوة لأهل البيت.. )إلخ. اقرأ ترجمته (1 / 394) تجد هذا الكفر والضلال والمفتريات وغيرها .
ـ أنس بن مالك:
جاء في ترجمته أنه كان من المنحرفين عن علي رضي الله عنه، الكاتمين لمناقبه حباً للدنيا، فدعا عليه بالعمى فكف بصره، وأنه كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم!. (انظر أكاذيب وأباطيل هؤلاء الرافضة في ترجمته (1 /154: 155) .
ـ (النعمان بن بشير:
كان منحرفا عن علي رضي الله عنه، وعدواً له، فزندقته لا شك فيها..) إلخ (3 / 272 )، وفي الترجمة غير هذا من التكفير واللعن لهذا الصحابي الجليل ولغيره من الكرام البررة.
ـ معاذ بن جبل:
في ترجمته أنه مالأ عدو الله أبا بكر وعمر، على ولي الله علي بن أبي طالب، والبشرى بالنار له ولأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم، وأن الصحابة هلكوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلا أربعة.. إلى غير ذلك مما لا يصدر إلا عن الكفار والضالين. (انظر هذا الضلال في ترجمته (3 / 220 - 221).
ـ سفيان الثورى:
إذا كان هؤلاء القوم قد طعنوا وكفروا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة الكرام، وخيرهم جميعا الشيخان الصديق والفاروق، رضي الله تعالى عنهم جميعاً، إذا كان الأمر قد انحط إلى هذا الدرك الأسفل، فلا نعجب بعد هذا إذا طعنوا في أئمة المسلمين بعد الصحابة.
ففى ترجمة الإمام سفيان الثوري يذكرون أكاذيب ينسبونها إلى الإمام الصادق افتراء على الله تعالى وعلى الصادق رضي الله عنه، ثم يعقبون عليها بما يأتي:
يتبين أمران:-
أحدهما: أن سفيان الثوري كذاب خبيث مدلس معاند يهودي، قد آثر دنياه على آخرته على علم منه بذلك بنص الصادق.
والآخر: أن مذهب العامة ـ أي جمهور المسلمين ـ مبني على الأكاذيب!! من بدايته إلى نهايته، أعاذنا الله تعالى من ذلك، ولا جمع الله بيننا وبينهم في الدنيا ولا الآخرة. انظر (2/37: 38) .
وبعــــــد....
فلعل هذه التراجم ـ مع قلتها ـ كافية لبيان منهج الرافضة في الجرح والتعديل، واجترائهم على الله عز وجل، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى الصحابة الكرام، وعلى أئمة المسلمين سواء أكانوا من أهل البيت الأطهار أم من غيرهم. وإذا جئنا إلى التطبيق العملي فإنا نرى هذا المنهج مطبقا في كتبهم التي قال عنها الرافضي عبدالحسين إنها مقدسة، متواترة صحيحة، وما هي إلا هدم للإسلام أصوله وفروعه، وامتداد لمآرب عبدالله بن سبأ.
وفي الجزء الرابع في خاتمة الكتاب سنجد مثل هذه التراجم عندما نتحدث عن أبي القاسم الخوئي المرجع الأعلى للشيعة في العراق، وعن كتابه (معجم رجال الحديث)، مما يبين استمرار غلو الرافضة وزندقتهم حتى عصرنا إلا من عصم ربي من معتدلي الشيعة غير الرافضة (1)
مفهوم السنة عندهم
قال أحد علمائهم المعاصرين:-
" السنة في اصطلاح الفقهاء: قول النبي أو فعله أو تقريره " ثم قال: " أما فقهاء الإمامية بالخصوص - فلما ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبي، من كونه حجة على العباد واجب الاتباع - فقد توسعوا في اصطلاح السنة إلى ما يشمل قول كل واحد من المعصومين أو فعله أو تقريره، فكانت السنة باصطلاحهم: قول المعصوم أو فعله أو تقريره.
والسر في ذلك أن الأئمة من آل البيت - عليهم السلام - ليسوا هم من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه، ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية، بل لأنهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي، وذلك من طريق الإلهام كالنبي من طريق الوحي أو من طريق التلقي من المعصوم قبله كما قال مولانا أمير المؤمنين رضي الله عنه: (علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب) (1) .
وعليه فليس بيانهم للأحكام من نوع رواية السنة وحكايتها، ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنبـاط من مصـادر التشريـع, بل هم أنفسـهم مصـدر للتشريع، فقولهم: (سنة) لا حكاية السنة. وأما ما يجيء على لسانهم أحياناً من روايات وأحاديث عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم، فهي إما لأجل نقل النص عنه كما يتفق في نقلهم لجوامع كلمه، وإما لأجل إقامة الحجة على الغير، وإما لغير ذلك من الدواعي.
وأما إثبات إمامتهم، وأن قولهم يجري مجرى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو بحث يتكفل به علم الكلام " (2) .
وما أظننا بحاجة إلى بيان أثر الإمامة هنا، فهي أوضح من أن يطال فيها الحديث، فجعلوا الإمام كالنبي المرسل: العصمة لهم جميعاً، والسنة قول المعصوم أو فعله أو تقريره يستوي في هذا أن يكون المعصوم هو الرسول الكريم وأن يكون أحد أئمة الجعفرية. ولذلك رأينا من قبل أنهم جعلوا للإمام ما للنبي المصطفى من بيان القرآن الكريم وتقييد مطلقة، وتخصيص عامة. ورأينا كذلك أن الإخباريين منعوا العمل بظاهر القرآن الكريم لأنهم لا يستمدون شريعتهم إلا مما ورد عن أئمتهم. وحتى يكون الإمام مصدراً للتشريع قائماً بذاته جعل له الإلهام مقابلاً للوحي بالنسبة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم.
وهذا العالم الجعفري ـ مع شططه ـ يمثل جانب الاعتدال النسبي، فقد رأينا غيره يذهب إلى بقاء الوحي مع الأئمة وإن لم ينزل بقرآن جديد. وما ذكره هذا العالم لا يصح إلا بما أشار إليه في الفقرة الأخيرة من إثبات إمامة الأئمة... (3)
مراتب الحديث
الإخباريون من الجعفرية ـ وهم قلة قليلة ـ لا علم لهم بمصطلح الحديث، فهم يتلقون بالقبول كل ما ورد عن أئمتهم في كتب الحديث المعتمدة عندهم، بل يرون تواتر " كل حديث وكلمة بجميع حركاتها وسكناتها الإعرابية والبنائية وترتيب الكلمات والحروف " (1) وكتب الحديث هذه أربعة ظهرت في القرنين الرابع والخامس، وأصحابها يرون صحة ما أثبتوا في كتبهم.
والجعفرية الاثنا عشرية ظلوا قرابة ثلاثة قرون بعد ظهور هذه الكتب لا يفترقون كثيراً عن النزعة الإخبارية، فأول من وضع مصطلح الحديث وبين مراتبه عندهم هو الحسن بن المطهر الحلي الملقب بالعلامة الذي توفي سنة 726 هـ (2) .
والحديث عند جمهور الجعفرية ينقسم إلى متواتر وأخبار آحاد. وأثر عقيدتهم الباطلة يظهر في المتواتر باشتراطهم " أن لا يكون ذهن السامع مشوباً بشبهة أو تقليد يوجب نفي الخبر ومدلوله " (3) وندرك الأثر هنا عندما نراهم يقولون: " بهذا الشرط يندفع احتجاج مخالفينا في المذهب على انتفاء النص على أمير المؤمنين رضي الله عنه - بالإمامة " فإذا ما نقل بالتواتر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد من بعده فالاتهام يوجه إلى السامعين، وبذلك يصلون إلى هدفهم بعدم حجية هذا النقل. وعلى العكس من هذا نراهم يذهبون إلى تواتر حديث الثقلين والغدير (4) .
فعقيدة الإمامة توجههم في رفض الأخذ بالتواتر أو رفع غيره إلى مرتبته، ما دام الخبر متعلقاً بهذه العقيدة.
وأخبار الآحاد عندهم تنقسم إلى أربع مراتب، هي أصول الأقسام وإليها يرجع كل تقسيم آخر، وهذه المراتب هي: الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف. فأما الصحيح عندهم فهو: " ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات حيث تكون متعددة " (5) .
وزاد بعضهم في التعريف أن يكون العدل ضابطاً، ورأى صاحب (مقباس الهداية) أن قيد العدل يغني عن ذلك، فمن ليس ضابطا فليس بعدل أي أنهم متفقون على أن شروط الصحة هي:-
1. اتصال السند إلى المعصوم بدون انقطاع.
02 أن يكون الرواة إماميين في جميع الطبقات.
03 وأن يكونوا كذلك عدولا ضابطين.
وأثر الإمامة هنا يبدو إلى جانب تحديد المعصوم - في اشتراط إمامية الراوي، فالحديث لا يرقى لمرتبة الصحيح ما لم يكن الرواة من الجعفرية الاثني عشرية في جميع الطبقات.
وأول واضع لأقسام الحديث عندهم يوضح سبب هذا الاشتراط بقوله: " لا تقبل رواية الكافر، وإن علم من دينه التحرز عن الكذب، لوجوب التثبت عند الفاسق، والمخالف من المسلمين، إن كفرناه فكذلك، وإن علم منه تحريم الكذب - خلافاً لأبي الحسن لاندراجه تحت الآية، وعدم علمه لا يخرجه عن الاسم، ولأن قبول الرواية تنفيذ الحكم على المسلمين، فلا يقبل كالكافر الذي ليس من أهل القبلة. احتج أبو الحسن بأن أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف كالحسن البصري وقتادة وعمر بن عبيد، مع علمهم بمذهبهم، وإنكارهم على من يقول بقولهم، والجواب المنع من المقدمتين، ومع التسليم فنمنع الإجماع عليه وغيره ليس بحجة. والمخالف غير الكافر لا تقبل روايته أيضاً لاندراجه تحت اسم الفاسق " (6) .
ويقول الماماقاني (7) : " الموافق للتحقيق هو أن العدالة لا تجامع فساد العقيدة وأن الإيمان شرط في الراوي ". ويقول أيضاً: " وهو الذي اختاره العلامة في كتبه الأصولية وفاقاً للأكثر لقوله تعالى:- إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] ولا فسق أعظم من عدم الإيمان، والأخبار الصريحة في فسقهم بل كفرهم لا تحصى كثرة ".
يستفاد مما سبق: أن الإيمان شرط في الراوي، وخبر الفاسق يجب التأكد من صحته، وغير الجعفري كافر أو فاسق، فخبره لا يمكن بحال أن يكون صحيحاً، وهنا لا يبدو أثر الإمامة فحسب بل يظهر التطرف والغلو والزندقة.
ويأتي بعد الصحيح: الحسن:، وهو " ما اتصل سنده إلى المعصوم بإمامي ممدوح مدحاً مقبولا معتداً به، غير معارض بذم، من غير نص على عدالته، مع تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقة، أو في بعضها. (8)
ويستفاد من هذا النص أنهم يشترطون للحسن:
اتصال السند إلى المعصوم بدون انقطاع.
أن يكون جميع الرواة إماميين.
وأن يكون ممدوحين مدحاً مقبولاً معتداً به، دون معارضة بذم، وبالطبع الذم غير المقبول لا يعتد به.
ألا ينص على عدالة الراوي، فلو كان الرواة عدولاً لأصبح الحديث صحيحا كما عرفنا من دراستنا للصحيح.
تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقه، أو في بعضها. يفهم من هذا أن جميع الرواة غير ثابتي العدالة، أو بعضهم كذلك والآخرين عدول، فالمعروف أن الحديث يحمل على أدنى مرتبة في الرواة - فلو فقد شرطا آخر غير العدالة لما أصبح حسناً.
ويقول صاحب (ضياء الدراية) (ص 24) :
" ألفاظ المدح على ثلاثة أقسام ":
ما له دخل في قوة السند، مثل صالح وخير.
ما له دخل في قوة المتن لا في السند، مثل فهيم وحافظ.
ما ليس له دخل فيهما، مثل شاعر وقارئ.
فالأول يفيد في كون السند حسنا أو قويا، والثاني ينفع في مقام الترجيح، والثالث لا عبرة له في المقامين، بل هو من المكملات ".
ويقول عن الجمع بين القدح والمدح (الصفحة ذاتها) :
" القدح بغير فساد المذهب قد يجامع المدح لعدم المنافاة بين كونه ممدوحاً من جهة، ومقدوحاً من جهة أخرى ".
وأثر عقيدة الإمامة في هذا النوع يبدو فيما يأتي:
اشتراط إمامية الراوي.
قبول رواية الإمامي غير ثابت العدالة، ورفض رواية غير الإمامي كائناً من كان، وبالغاً ما بلغ من العدالة والتقوى والورع.
قبول رواية الإمامي الممدوح المقدوح أحياناً بشرط ألا يكون القدح بفساد المذهب، وفساد المذهب يعني الخروج عن الخط الجعفري: فهذا قدح لا يغتفر (9) .
ويأتي بعد الحسن الموثق، وهو: " ما اتصل سنده إلى المعصوم بمن نص الأصحاب على توثيقه، مع فساد عقيدته، بأن كان من أحد الفرق المخالفة للإمامية، وإن كان من الشيعة، مع تحقق ذلك في جميع رواة طريقه أو بعضهم مع كون الباقين من رجال الصحيح " (10) .
وهذا التعريف يفيد اشتراط ما يأتي:
اتصال السند إلى المعصوم.
أن يكون الرواة غير إماميين، ولكنهم موثقون من الجعفرية على وجه الخصوص.
أو يكون بعضهم كذلك، والآخرون من رجال الصحيح، حتى لا يدخله ضعف آخر، فيكفي أن دخل في الطريق من ليس بإمامي.
وأثر عقيدة الإمامة هنا يبدو فيما يأتي:-
جعل الموثق بعد الصحيح والحسن لوجود غير الجعفرية في السند.
التوثيق لا يكون إلا من الجعفرية أنفسهم، ولذلك قال صاحب (ضياء الدراية): " توثيق المخالف لا يكفينا، بل الموثق عندهم ضعيف عندنا، والمدار في الموثق إنما هو توثيق أصحابنا ".
ويوضح الماماقاني توثيق أصحابه بقوله:
" يمكن معرفة غير الإمامي الموثق بأن يكون الإمام قد اختاره لتحمل الشهادة أو أدائها، في وصية، أو وقف، أو طلاق، أو محاكمة، أو نحوها، أو ترحم عليه أو ترضاه، أو أرسله رسولاً إلى خصم له أو غير خصمه، أو ولاه على وقف أو على بلدة، أو اتخذه وكيلاً، أو خادماً ملازماً، أو كاتباً، أو أذن له في الفتيا والحكم أو أن يكون من مشايخ الإجازة أو تشرف برؤية الإمام الثاني عشر الحجة المنتظر أو نحو هذا " (11) .
فالتوثيق إذن لا يخرج عن النطاق الجعفري الاثني عشري.
مع هذا النوع من التوثيق لا يدخل السند مع الموثقين إلا رجال الصحيح، وعلى الرغم من ذلك يبقى هذا القسم في المرتبة الثالثة.
وبعد الموثق يأتي: الضعيف، وهو " ما لم يجتمع فيه شرط أحد الأقسام السابقة، بأن اشتمل طريقة على مجروح بالفسق ونحوه، أو على مجهول الحال، أو ما دون ذلك كالوضاع " (12) .
وفي الحديث عن الصحيح رأينا كيف أنهم اعتبروا غير الجعفري كافراً أو فاسقاً فروايته ضعيفة غير مقبولة. ولا تقبل من غير الجعفري إلا من نال توثيق الجعفرية.
وعلى هذا الأساس يرفضون الأحاديث الثابتة عن الخلفاء الراشدين الثلاثة وغيرهم من أجلاء الصحابة، والتابعين، وأئمة المحدثين والفقهاء، ما داموا لا يؤمنون بعقيدة الإمامية الاثني عشرية. فالروايات التي يدخل في سندها أي من هؤلاء الصديقين الصالحين الأئمة الأعلام الأمناء، تعتبر روايات ضعيفة في نظر هؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثا . (13)
التعارض والترجيح
روى الكليني في أصول الكافي عن عمر بن حنظلة قال:
" سألت أبا عبدالله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة، أيحل ذلك ؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال تعالى: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ [النساء:60] قلت: فكيف يصنعان ؟ قال: ينظران إلى ما كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.
قلت: فإن كان كل رجل اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكون الناظرين في حقهما، واختلفا فيما حكما، وكلاهما: اختلفا في حديثكم ؟
قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.
قال: قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على الآخر ؟
قال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيأخذ به من حكمنا. ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك.
قلت: فإن كان الخبران عنكما (1) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم ؟
قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة، وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.
قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ ؟
قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.
فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً ؟
قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم، فيترك، ويؤخذ بالآخر.
قلت: فإن وافق حكامهم الخبران جميعاً ؟
قال: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (2)
هذه الرواية يسميها الجعفرية الرافضة مقبولة ابن حنظلة، وفي باب الترجيح عندهم هي " العمدة في الباب، المقبولة التي قبلها العلماء بأن راويها صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الإجماع، أي الذين أجمع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم: كما رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم " (3)
ويقول المظفر: " من الواضح أن موردها التعارض بين الحاكمين، لا بين الراويين، ولكن لما كان الحكم والفتوى في الصدر الأول يقعان بنص الأحاديث، لا أنهما يقعان بتعبير من المحاكم أو المفتى كالعصور المتأخرة استنباطاً من الأحاديث تعرضت هذه المقبولة للرواية والراوي، لارتباط الرواية بالحكم. ومن هنا استدل بها على الترجيح للرواية المتعارضة " (4) .
ثم يقول بعد بيان انحصار دليل مخالفة العامة في هذه المقبولة: والنتيجة أن المستفاد من الأخبار أن المرجحات المنصوصة ثلاثة: الشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة. وهذا ما استفاده الشيخ الكليني في مقدمة الكافي (5) .
وهذه المقبولة التي اعتبرت العمدة في باب الترجيح بصفة عامة، والدليل الوحيد على مخالفة العامة –أي جمهور المسلمين – بصفة خاصة، أقول: هذه المقبولة مرفوضة من وجهة نظرنا لما يأتي:
أنها اعتبرت كل حاكم أو قاض غير جعفري اثني عشري طاغوتاً أمرنا أن نكفر به بنص القرآن الكريم.
أنها اعتبرت أخذ الحق الثابت سحتاً ما دام أخذه عن طريق هؤلاء الحكام والقضاة.
أنها جعلت حكم الحكم الجعفري الرافضي كحكم الله تعالى، ومن لم يقبله فكأنما أشرك بالله سبحانه.
أنها تدعو إلى مخالفة جمهور المسلمين حتى عند ظهور موافقتهم للكتاب والسنة.
فالإمام الصادق أعمق إيماناً، وأرفع شأنا من أن يصدر منه هذه الجهالة، وإنما تصدر هذه الرواية عن غال، يفتري على الأئمة، يريد لأمة الإسلام أن تفترق ولا تتحد.
وبعد هذا نرى أثر عقيدة الإمامة في باب الترجيح عند الجعفرية يظهر فيما يأتي:
1. جعلوا المشهور عندهم مقدما على غيره، حتى قدموه على ما وافق الكتاب والسنة، فالمشهور الجعفري المخالف للكتاب والسنة مقدم على غيره الموافق للكتاب والسنة.
ثم " إنهم لا يزالون يقدمون المشهور على غيره ولو كان راوي الغير أعدل وأصدق " (6) وهذا مما جعل غلاة الجعفرية يسيرون إلى أهدافهم من طريق ممهد، ولنضرب لهذا مثلا لعله كاف لما أردنا توضيحه.
صاحب كتاب ( فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ) قال عن الروايات التي يرى أنها تثبت - على حد افترائه - تحريف القرآن الكريم:" الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق والداماد، والعلامة المجلسي وغيرهم " فهذه روايات جعفرية مشهورة مستفيضة، فلما تعارضت مع كتاب الله تعالى: حيث أخبر سبحانه بأنه الحافظ لكتابه العزيز ولا تبديل لكلماته، حرفوا معناه كما رأينا من قبل في الجزء الثاني، فهؤلاء القوم لم يناقضوا أنفسهم هنا، فهم غلاة في المبدأ وغلاة في التطبيق. ولكن الذين يمثلون جانب الاعتدال النسبي عند الجعفرية أبوا أن يهدم الإسلام من أساسه فرفضوا الأخذ بهذه الروايات، وكان عليهم إذن أن يغيروا المبدأ حتى لا يناقضوا أنفسهم عند التطبيق. فهم يتفقون مع الغلاة في تقديم المشهور، واختلفوا معهم عندما جاء المشهور الجعفري لتقويض البناء الإسلامي.
2. جعلوا من المرجحات مخالفة العامة، أي عامة المسلمين، فما خالف الأمة الإسلامية أولى بالقبول عندهم مما وافقهم، استناداً إلى المقبولة المرفوضة فهي مستندهم الوحيد، وهي التي تزعم أن الإمام الصادق قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.
ولعل هذا من أخطر المبادئ التي جعلت بين الجعفرية الرافضة وسائر الأمة الإسلامية هوة – سحيقة عميقة – فابتعد الجعفرية كثيراً عن الخط الإسلامي الصحيح، لأنهم استقروا " على تقديم مخالف العامة على موافقهم، من غير ملاحظة المرجحات السندية وجوداً وعدماً، حتى لو كان الخبر مستفيضاً يحملونه على التقية عند التعارض " (7) .
والحمل على التقية هنا يعني أن الخبر في ذاته لا يحمل قرائن التقية لأنهم يقولون: " الذي يكون من الشرائط لحجية الخبر هو أن لا يكون في الخبر قرائن التقية بحيث يستفاد من نفس الخبر أنه صدر تقية، والذي يكون مرجحاً، مجرد المخالفة والموافقة للعامة من دون أن يكون في الخبر الموافق قرائن التقية " (8) .
وهم يعودون بهذا المبدأ الهدام إلى عصر الصحابة الكرام: فيقولون: " بأن الرشد في خلافهم، وأن قولهم في المسائل مبني على مخالفة أمير المؤمنين رضي الله عنه فيما يسمعونه منه " (9) .
ثم يقولون: " التعليل بأن الرشد في خلافهم محتمل لوجوه:
الأول - أن يكون إصابة الواقع غالباً في مخالفتهم، فهم غالباً في ضلالة وبعد عن الواقع.
والثاني - أن يكون نفس مخالفتهم رشداً، فالمخالفة لهم حسن ذاتاً.
والثالث - أن يكون ذلك من جهة صدور الخبر الموافق تقية، فيكون الأخذ بالخبر المخالف رشداً من باب تمامية وجه صدوره بخلاف الموافق " (10) .
وبعد: فإنا لا نعجب عندما ينفث غلاة الجعفرية الرافضة وزنادقتهم سمومهم بمثل هذه الأقوال، ولكن لا ندري كيف يصبح هذا المبدأ مقبولا عند الجعفرية جميعاً ؟ وكنا ننتظر، من معتدليهم نسبياً ودعاة التقريب منهم، أن يقفوا موقفاً يتفق مع اعتدالهم الظاهري، ودعوتهم للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
ونضرب مثلا هنا - والأمثلة جد كثيرة - يبين كيف تمكن واضعو هذا المبدأ من توجيه المذهب الجعفري وجهة بعيدة عن أمة الإسلام في كثير من الأحكام، وبالطبع على غير أساس من الحق، والمثل هو ما رواه الكليني:
" عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان، فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه، فقال: يا زرارة: إن هذا خير لنا، وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم ".
فهنا إذن ثلاث فتاوى تعطي أحكاماً مختلفة لمسألة واحدة، ولا أساس لهذا الاختلاف سوى عدم اجتماع الشيعة على حكم واحد، حتى لا يكشف أمرهم، فيصبحوا عرضة للقتل. ولكن هذه الفتاوى عند الجعفرية الاثني عشرية سنة ومصدر تشريع، فعند الترجيح يؤخذ بما خالف الأمة الإسلامية، ويترك ما وافقها، حتى إذا كان المتروك موافقاً للكتاب والسنة: على أن هذا ما حضره زرارة ويمكن أن يأتي آخرون، فتكثر الروايات، وتختلف الأحكام بغير دليل شرعي، والترجيح لما خالف جمهور المسلمين. (11)
الكتب الأربعة
للجعفرية الاثني عشرية كتب كثيرة تروي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم وكذلك عن أئمتهم، ولكن الذي يعنينا هنا الكتب المعتمدة لديهم، فغير المعتد ليس بحجة لهم أو عليهم.
وهذه الكتب المعتمدة أربعة:
أولها (الكافي) لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الملقب بحجة الإسلام وثقته، المتوفي سنة 329هـ.
والثاني (من لا يحضره الفقيه) لمحمد بن بابويه القمي، الملقب بالصدوق، المتوفي سنة 381 هـ.
والآخران هما (التهذيب) و (الاستبصار) ، وكلاهما لمحمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة، المتوفي سنة 460 هـ.
والكافي له المقام الأعلى عند الجعفرية، يقول عبدالحسين المظفر في مقدمته لأصول الكافي: " ولما كان البحث يدور حول كتابنا هذا، فقد عرفت ما سجله على صفحاته مؤلفه من الأحاديث التي يبلغ عددها زهاء سبعة عشر ألف حديث، وهي أول موسوعة إسلامية استطاع مؤلفها أن يرسم بين دفتيها مثل هذا العدد من الأحاديث، وقد كلفته هذه المجموعة أن يضحي من عمره عشرين سنة قضاها في رحلاته متنقلا من بلدة إلى أخرى، لا يبلغه عن أحد مؤلف، أو يروي حديثا، إلا وشد الرحال إليه، ومهما كلفه الأمر فلا يبرح حتى يجتمع به، ويأخذ عنه، ولذلك تمكن من جمع الأحاديث الصحيحة. وهذه الأحاديث التي جاءت في (الكافي) جميعها ذهب المؤلف إلى صحتها، ولذلك عبر عنها بالصحيحة " .
ويقول: "ويعتقد بعض العلماء أنه عرض على القائم رضي الله عنه (يعنى الإمام الثاني عشر) فاستحسنه وقال: كاف لشيعتنا " (1) .
" وقد اتفق أهل الإمامة، وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب، والأخذ به والثقة بخبره، والاكتفاء بأحكامه. وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره، على أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم، وعندهم أجل وأفضل من جميع أصول الأحاديث " (2)
فلا خلاف إذن بين الجعفرية حول مكانة الكافي، ولكنا ذكرنا من قبل أن مراتب الحديث المعروفة عند متأخري الجعفرية ظهرت على يد علامتهم الحلي، أي بعد الكليني بقرابة أربعة قرون، والكليني يذهب إلى أن كل ما جمعه في الكافي صحيح، فماذا يعنى بالصحيح هنا ؟
يوضح هذا أحد كتابهم فيقول: "إن الصحيح عند المتقدمين هو الذي يصح العمل به والاعتماد عليه، ولو لم يكن من حيث سنده مستوفياً للشروط التي ذكرناها، والصحيح في عرف المتأخرين هو الجامع لتلك الشروط " (3)
ثم يقول بعد حديث عن الكليني وكتابه: " المتحصل من ذلك أن الذين اعتمدوا على (الكافي)، واعتبروا جميع مروياته حجة عليهم فيما بينهم وبين الله سبحانه، هؤلاء لم يعتمدوا عليها إلا من حيث الوثوق والاطمئنان بالكليني الذي اعتمد عليها، وكما ذكرنا فإن وثوق الكليني بها لم يكن مصدره بالنسبة إلى جميعها عدالة الرواة، بل كان في بعضها من جهة القرائن التي تيسر له الوقوف عليها نظراً لقرب عهده بالأئمة عليهم السلام، ووجود الأصول المختارة في عصره.
هذا بالاضافة إلى عنصر الاجتهاد والذي يرافق هذه البحوث في الغالب. يؤيد ذلك أن الكليني نفسه لم يدع بأن مرويات كتابه كلها من الصحيح المتصل سنده بالمعصوم بواسطة العدول، فإنه قال في جواب من سأله تأليف كتاب جامع يصح العمل به، والاعتماد عليه، قال: وقد يسر لي الله تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت. وهذا الكلام منه كالصريح في أنه قد بذل جهده في جمعه وإتقانه، معتمدا على اجتهاده وثقته بتلك المجاميع والأصول الأربعمائة التي كانت مرجعاً لأكثر المتقدمين عليه، ومصدراً لأكثر مرويات كتابه " (4) .
ويقول الحسني أيضا: " والشيء الطبيعى أن تتضاءل تلك الثقة التي كانت للكافي - على مرور الزمن بسبب بعد المسافة بين الأئمة عليهم السلام وبين الطبقات التي توالت مع الزمن بمجيء دور العلامة الحلي: انفتح باب التشكيك في تلك الروايات على مصراعيه بعد أن صنف الحديث إلى الأصناف الأربعة، فتحرر العلماء من تقليد المتقدمين فيما يعود إلى الحديث، وعرضوا مرويات الكافي وغيره على أصول علم الدراية وقواعده، فما كان منها مستوفياً للشروط المقررة أقروا العمل به والاعتماد عليه، وردوا ما لم تتوفر فيه الشروط المطلوبة. وعلى هذا الأساس، توزعت أحاديث الكافي التي بلغت ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً على النحو التالي:
الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثاً، والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً، الموثق ألف ومائة وثمانية وعشرون حديثاً، القوي (5) ثلاثمائة وحديثان, والضعيف تسعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثمانون حديثاً (6) .
ومما تجدر الإشارة إليه أن اتصاف هذا المقدار من روايات الكافي بالضعف لا يعني سقوطها بكاملها عن درجة الاعتبار، وعدم جواز الاعتماد عليها في أمور الدين، ذلك لأن وصف الرواية بالضعف من حيث سندها، وبلحاظ ذاتها لا يمنع من قوتها من ناحية ثانية كوجودها في أحد الأصول الأربعمائة، أو بعض الكتب المعتبرة، أو موافقتها للكتاب والسنة، أو لكونها معمولاً بها عند العلماء وقد نص أكثر الفقهاء أن الرواية الضعيفة إذا اشتهر العمل بها والاعتماد عليها تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة وربما تترجح عليها في مقام التعارض (7) .
والكافي يقع في ثمانية أجزاء تضم الأصول والفروع: فالأصول وهي التي تتصل بالعقائد، تقع في الجزأين الأول والثاني. والفروع في الفقه تقع في خمسة أجزاء، أما الجزء الأخير وهو الروضة، فيقول عنه الدكتور حسين علي محفوظ: لما أكمل الكليني كتابه هذا، وأتم رد مواده إلى فصولها، بقيت زيادات كثيرة من خطب أهل البيت، ورسائل الأئمة وآداب الصالحين وطرائف الحكم وألوان العلم مما لاينبغي تركه،فألف هذا المجموع الأنف، وسماه (الروضة) لأن الروضة منبت أنواع الثمر، ومعدن ألوان الزهر. والروضة على كل حال مرجع قيم وأصل شريف... إلخ (8) .
هذا هو الكافي، الكتاب الأول عند الجعفرية، أما الكتب الثلاثة الأخرى فإنها تقتصر على الروايات المتصلة بالأحكام الفقهية، أي أنها تلتقي مع الفروع من (الكافي). ولذلك عندما نبحث عن أثر عقيدة الإمامة في الكتب الأربعة سندرس أولاً الأصول مع الروضة، ثم نجعل (الفروع) من (الكافي) مع بقية الكتب الأربعة... فالكافي مملوء بهذا الضلال المضل، وعلى الأخص في الأصول والروضة، وهي الأجزاء التي نبدأ الآن الحديث عنها، وبيان ما بها من ضلال وزيغ تأثراً بعقيدة الرفض الباطلة، وبما نادى به ابن سبأ اللعين.
أولاً: الجزء الأول من أصول الكافي:
عندما ننظر في الجزء الأول من (أصول الكافي) نجد أن أكثر من ثلثيه يقع تحت عنوان كتاب (الحجة) ، قال الكليني في خطبة (الكافي): " ووسعنا قليلاً كتاب (الحجة)، وإن لم نكمله على استحقاقه لأنا كرهنا أن نبخس حظوظه كلها، وأرجو أن يسهل الله ـ جل وعز ـ إمضاء ما قدمنا من النية، إن تأخر الأجل صنفنا كتاباً أوسع وأكمل منه، نوفيه حقوقه كلها " (ص 9).
والكتاب كما يبدو من عنوانه يتعلق بالحجة أي الإمام، فالكتاب نفسه إذن أثر من آثار عقيدة الإمامة الباطلة! وننظر في أبواب كتاب (الحجة) هذا فنرى " باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث " (ص 167) .
والرواية الأولى: عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل وكان " رسولاً نبياً " ما الرسول وما النبي ؟ قال النبي الذي يرى في منامه، ويسمع الصوت ولا يعاين الملك. والرسول الذي يسمع الصوت، ويرى في المنام ويعاين الملك. قلت: " الإمام ما منزلته ؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى، ولا يعاين الملك، ثم تلا هذه الآية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ [الحـج:52 ] ولا محدث).
وضم الباب ثلاث روايات أخرى (9) .
وذكر الكليني بعد هذا ثلاث روايات بأن " الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف ".
وفي " باب أن الأرض لا تخلو من حجة " (ص 178 –179) ذكر الكليني ثلاث عشرة رواية منها:
عن أبي عبدالله: أن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم (10) .
وعنه: أن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل.
وعنه أيضاً: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.
وعن أبي جعفر: لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.
وفي " باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة " (179-180) ذكر خمس روايات منها: " عن أبي عبدالله: لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام وقال: إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحد على الله عز وجل – أنه تركه بغير حجة لله عليه ". وذكر الكليني أربع عشرة رواية في " باب معرفة الإمام والرد إليه " (ص 180-185) منها: " عن أبي حمزة عن أبي جعفر قال: إنما يعبد الله من يعرف الله فأما من لايعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً.
قلت: جعلت فداك فما معرفة الله ؟ قال: تصديق الله عز وجل، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، وموالاة علي والائتمام به وأئمة الهدى والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله عز وجل " (11) .
وعن أبي عبدالله: " كان أمير المؤمنين إماماً ثم كان الحسن إماما ثم كان الحسين إماماً، ثم كان علي بن الحسين إماماً ثم كان محمد بن علي إماماً، من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى: ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم " (12) .
وترى الكليني بعد هذا يحرف معانى بعض آي القرآن الكريم ليؤيد ما سبق وليصل إلى الافتراء بأن أصحاب الثلاثة ضلوا أي أصحاب الخلفاء الراشدين الثلاثة.
وفي " باب فرض طاعة الأئمة " يذكر سبع عشرة رواية، منها ما نسبه للإمام الصادق: " نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا، ولا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً " (13) .
وفي " باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه " (ص 190 - 191) يذكر خمس روايات ويحرف معاني بعض آيات القرآن الكريم، ليجعل أئمة الجعفرية الرافضة هم الشهداء على الناس.
وفي " باب أن الأئمة هم الهداة " (191 - 192) يذكر أربع روايات، ويحرف معنى الآية السابعة من سورة الرعد إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [ الرعد:7] فيؤول كلمة هاد بأنها الإمام علي، ثم أئمة الشيعة الجعفرية من بعده.
وفي " باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه " (ص 192-193) يذكر ست روايات منها:
عن أبي جعفر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تبارك وتعالى: " استكمال حجتي على الأشقياء من أمتك من ترك ولاية علي والأوصياء من بعدك، فإن فيهم سنتك وسنة الأنبياء من قبلك، وهم خزاني على علمي من بعدك ". ثم قال الرسول: " لقد أنبأني جبريل رضي الله عنه بأسمائهم وأسماء آبائهم ".
وفيها: " عن أبي عبدالله إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا خزانه في سمائه وأرضه، ولنا نطقت الشجرة، وبعبادتنا عبدالله عز وجل، ولولانا ما عبدالله ".
وفي " باب أن الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى " (ص 193-194) يذكر الكليني ثلاث روايات ويذكر أن الأئمة المراد من قول الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ [النور: 55].
وفي " باب أن الأئمة نور الله عز وجل " (ص 194-196) يذكر هذه الروايات: عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن: 8] .
قال: يا أبا خالد، النور والله نور الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم نور الله في السموات والأرض. والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلمه الله من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر ".
وعن أبي عبدالله في تفسير النور في (الآية 157) من الأعراف " النور في هذا الموضع على أمير المؤمنين والأئمة ".
وعن أبي جعفر في نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [ الحديد: 28] يعني إماماً تأتمون به.
وعن صالح بن سهل الهمداني قال: قال أبو عبدالله في قول الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النــور:35]. فاطمة عليها السلام فِيهَا مِصْبَاحٌ النــورالحسن الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الحسين الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ إبراهيم رضي الله عنه لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ لا يهودية ولا نصرانية يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ يكاد العلم ينفجر بها وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ إمام منها بعد إمام يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء يهدي الله للأئمة من يشاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ[النــور:35].
قلت: أَوْ كَظُلُمَاتٍ قال: الأول وصاحبه يَغْشَاهُ مَوْجٌ الثالث مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ الثاني بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ معاوية لعنه الله وفتن بني أمية إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ المؤمن في ظلمه فتنتهم لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا إماماً من ولد فاطمة عليها السلام فَمَا لَهُ مِن نُّورٍإمام يوم القيامة (14) .
وقال في قوله تعالى: يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة. وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى مثله.
وعن أبي الحسن يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم... " والله متم نوره: والله متم الإمامة، والإمامة هي النور وذلك قوله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [ التغابن:8] قال: النور هو الإمام.
وفي " باب أن الأئمة هم أركان الأرض " (196-198) يروي الكليني: عن أبي عبدالله: ما جاء به علي آخذ به، وما نهى عنه انتهى عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد - صلى الله عليه وسلم، ولمحمد - صلى الله عليه وسلم - الفضل على جميع من خلق الله عز وجل، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله. كان أمير المؤمنين باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك، وكذلك يجرى لأئمة الهدى واحداً بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، وكان أمير المؤمنين كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد رضي الله عنه، ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى فيكسى، وأدعى فأكسى، ويستنطق وأستنطق فأنطق على حد منطقه، ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي: علمت المنايا والبلايا والأنساب، وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني، أبشر بإذن الله وأؤدي عنه، كل ذلك من الله مكنني فيه بعلمه.
وذكر الرواية السابقة أيضاً بطريق آخر، وذكر مضمونها بطريق ثالث، وفيها أن الأئمة " جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بهم، والحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى ".
ثم ذكر رواية مماثلة عن أبي جعفر، وفيها أن الإمام علياً قال: " وإني لصاحب الكرات (15) ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس ".
وفي " باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته " (ص 198-205) يذكر الكليني فيما يرويه: إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل رضي الله عنه بعد النبوة... فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم فقال جل وتعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ آل عمران:68] فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وسلم علياً بأمر الله تعالى على رسم مما فرض الله. فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ [الروم:56 ] فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد، فمن أين يختار هؤلاء الجهال الإمام المطهر من الذنوب، والمبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين. الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره.. راموا إقامة الإمام بعقول حائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا بعداً، قاتلهم الله أنى يؤفكون، ولقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً وضلوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[القصص:68 ] وقال عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [ الأحزاب:36] وقال: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ القلم أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ "إلى" إِن كَانُوا صَادِقِينَ [القلم:36-41] .
وأن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار.
وفي " باب أن الأئمة ولاة الأمر وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عز وجل " (ص 205 - 206) يذكر الكليني خمس روايات منها:
إن الإمام الباقر سئل عن قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء:59] فكان جوابه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً [النساء:51]، يقولون لأئمة الضلالة والدعاة إلى النار: هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:52] يعنى الإمامة والخلافة. فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء:53] نحن الناس الذين عنى الله. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54] نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين.
وفي " باب أن الأئمة هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه " (ص 206 - 207) يذكر ثلاث روايات.
وفي " باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة " (ص 207) يذكر ثلاث روايات، يحرف بها معاني بعض آي القرآن الكريم كما فعل في الباب السابق.
وفي " باب ما فرض الله - عز وجل، ورسوله - صلى الله عليه وسلم. من الكون مع الأئمة" (ص 208 - 210)، يذكر سبع روايات، روايتين أن الأئمة هم مراد الله تعالى من قوله: اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [ التوبة:119].
وينسب خمساً من الروايات للرسول -صلى الله عليه وسلم، فيزعم أنه قال: ((من سره أن يحيا حياتي، ويموت ميتتى، ويدخل الجنة. فليتول علي بن أبي طالب وأوصياءه من بعده)). وفي بعضها: ((لقد أتاني جبرائيل بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وأحبائهم والمسلمين لفضلهم)).
وفي رواية أخرى: ((إلى الله أشكو أمر أمتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وأيم الله ليقتلن ابني، لا أنالهم الله شفاعتي)).
ونجد تحريف الكليني لمعاني بعض آيات القرآن المجيد في الأبواب التالية " باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة " (ص 210-212) ثلاث روايات.
" باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هو الأئمة " (ص 212 ) روايتان .
" باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة " (ص 213 ) ثلاث روايات .
" باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم " (ص 213 - 214) خمس روايات .
" باب في أن من اصطفاه الله من عباده، وأورثهم كتابه هم الأئمة " (ص 214 -215، أربع روايات) .
" باب أن القرآن يهدي للإمام " (ص 216، روايتان) .
" باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة " (ص 217، أربع روايات) .
" باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة والسبيل فيهم مقيم " (ص 218-219، خمس روايات) .
ويذكر الكليني روايتين في " باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله، وإمام يدعو إلى النار " (ص 215-216) وأولى الروايتين هي:
عن أبي جعفر: لما نزلت هذه الآية: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [ الإسراء:71 ] قال المسلمون: يا رسول الله، ألست إمام الناس كلهم أجمعين ؟ قال:: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقدمون في الناس فيكذبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي، وأنا منه بريء.
وفي" باب عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة " (ص 219- 220) يذكر ست روايات منها:
عن عبدالله بن أبان الزيات، وكان مكينا عند الرضا قال: قلت للرضا: ادع الله لي ولأهل بيتي، فقال: أو لست أفعل ؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة قال: فاستعظمت ذلك، فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عز وجل: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] قال: هو والله علي بن أبي طالب .
وفي " باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي " (ص 220)، يذكر روايتين.
وفي " باب أن الأئمة معدن العلم، وشجرة النبوة ومختلف الملائكة " (ص 221) يذكر ثلاث روايات.
وفي " باب أن الأئمة ورثة العلم، يرث بعضهم بعضاً العلم " (ص 221 ـ 223) يذكر ثماني روايات.
وفي " باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء، الذين قبلهم " (ص 223- 226) يذكر سبع روايات، منها: كتب الرضا: أما بعد، فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان أمين الله في خلقه، فلما قبض صلى الله عليه وسلم كنا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء الله في أرضه عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب، ومولد الإسلام ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان، وحقيقة النفاق. وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم... كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (من أشرك بولاية علي) مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ (من ولاية علي) إن الله (يا محمد) وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [ الشورى:13] (16) . من يجيبك إلى ولاية علي.
عن أبي الحسن الأول أن الله يقول: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ[النمل:75] ، ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [ فاطر:32] فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل، أورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شىء.
وفي " باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها " (ص 227 - 228) يذكر روايتين تفيدان معنى الباب.
ويذكر الكليني ست روايات في " باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، وأنهم يعلمون علمه كله " (ص 228-229). والجزء الأول من الباب يتفق مع ما ذكرناه من ذهاب الكليني إلى وقوع النقص في كتاب الله تعالى، والجزء الأخير يذكرنا بما قلنا عن القرآن الناطق
وفي " باب ما أعطى الأئمة من اسم الله الأعظم " (ص 230) يذكر ثلاث روايات تفيد أن الذي أحضر عرش بلقيس كان عنده حرف واحد من اسم الله الأعظم، وهو ثلاثة وسبعون حرفا، على حين أن أئمة الجعفرية عندهم اثنان وسبعون، واستأثر الله سبحانه بحرف واحد.
وفي " باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء " (ص 231-232) يذكر خمس روايات هي: عن أبي جعفر: كانت عصا موسى لآدم فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسى بن عمران، وإنها لعندنا، وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع موسى، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع ما تؤمر به، إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون. يفتح لها شعبتان: إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعا، تلقف ما يأفكون بلسانها.
وعن أبي عبدالله: ألواح موسى عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورثة النبيين.
وعن أبي عبدالله: قال أبو جعفر: إن القائم إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه، فمن كان جائعا شبع، ومن كان ظامئا روي، فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.
وعن أبي جعفر: خرج أمير المؤمنين ذات ليلة بعد عتمة وهو يقول: همهمة همهمة وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام وعليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسى.
والرواية الأخيرة تبين أن قميص يوسف جاء إبراهيم من الجنة، فحماه من النار، وأن هذا القميص عندهم من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي " باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتاعه " (ص232-237) يذكر تسع روايات تفيد أن الأئمة عندهم كل ما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي بعض الروايات أن من هذا المتاع ما هو من الجنة، وفي رواية عن أمير المؤمنين أن رسول صلى الله عليه وسلم كلمه حماره قائلاً: " بأبي أنت وأمي: إن أبي حدثني، عن أبيه عن جده، عن أبيه، أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح فمسح على كفله، ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار "
وفي " باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل " (ص 238) ذكر أربع روايات، وهي تفيد أن أي أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة، ومثلهم من صار إليه السلاح، فإنه يؤتى الإمامة.
وفي " باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة " (ص 238 ـ 242) ذكر الكليني ثماني روايات هي:
1- عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبدالله رضي الله عنه فقلت له: جعلت فداك إنني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي ؟ قال: فرفع أبو عبدالله رضي الله عنه سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك. قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم عليا رضي الله عنه باباً يفتح له منه ألف باب ؟ قال: فقال يا أبا محمد، علم رسول صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه ألف باب يفتح من كل باب ألف باب. قال: قلت هذا والله العلم. قال: فنكث ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه من فلق فيه، وخط على بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش. وضرب بيده إلي فقال: تأذن لي يا أبا محمد ؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر ؟ قال: قلت: وما الجفر ؟ قال: وعاء من أدم، فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة رضي الله عنه ؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله العلم. قال: إنه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم ؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من عبد الأسر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.
2- عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبدالله رضي الله عنه يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، ذلك أنني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام قال: قلت: وما مصحف فاطمة ؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه عليه الصلاة والسلام دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لايعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: إذ أحسست بذلك وسمعت الصوت، فقولي لي. فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين رضي الله عنه يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون.
3-عن الحسن بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول: إن عندي الجفر الأبيض: قلت: فأي شيء فيه ؟قال: زبور داود،وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، ومصحف إبراهيم رضي الله عنه، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة، وأرش الخدش.
وعندى الجفرالأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال السلاح، وبذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل. فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: أي والله كما يعرفون الليل أنه ليل، والنهارأنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم.
4- عن سليمان بن خالد قال: قال أبوعبدالله: إن في الجفرالذين يذكرونه لما يسوؤهم، لأنهم لا يقولون الحق (17) والحق فيه، فليخرجوا قضايا علي وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمات، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام، ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله عز وجل يقول: (فأتوا بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (18) .
5-عن أبي عبد الله:هو(آي الجفر) جلد ثور مملوء علما، قال له فالجامعة ؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها، حتى أرش الخدش.
إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان داخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي يكتب ذلك،فهذا مصحف فاطمة.
6-عن أبي عبدالله قال: إن عندنا كتابا إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وخط علي صحيفة فيها كل حلال وحرام.
7-عبدالملك بن أعين قال لأبي عبدالله: إن الزيدية والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبدالله فهل له سلطان ؟ فقال: والله إن عندى لكتابين فيهما تسمية كل نبي وكل ملك يملك الأرض، لا والله ما محمد بن عبدالله في واحد منهما.
8-كتاب فاطمة: ليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا.
وفي" باب في أن الأئمة يزدادون في ليلة يوم الجمعة " (ص 253-254) يذكر ثلاث روايات عن أبي عبدالله منها:
إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم - العرش ووافى الأئمة معه ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأفقدنا.
وفي " باب لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم " (ص254 -255) يذكرأربع روايات. ويذكر أربع روايات كذلك تحت " باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التى خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل " (ص 255-256)
وفي "باب نادر فيه ذكر الغيب " (256 –257) يذكر أربع روايات، منها رواية تعجب لوجودها في هذا الكافي، وهي:
عن أبي عبدالله: " يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل. لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني، فما علمت في أي بيوت الدار هي ".
كلمة حق جرى بها قلم لا يعرف الحق، لذا كان عجيبا، ولكن سرعان ما زال هذا العجب، فالرواية التالية عن نفس الإمام أنه سئل " الإمام يعلم الغيب ؟ فقال: لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك "
فالكليني إذن لم يذكر الرواية الأولى للأخذ بها، ولكن ليهدم هذا المعنى المستقر في أخلاد المؤمنين ببيان أن الأئمة لا يعلمون الغيب إلا بإرادتهم عن طريق الله سبحانه، فما أهون أن يعلم مكان الجارية إذا أراد! والأبواب التالية توضح ما أراده الكليني:
" باب أن الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا " (ص 158) فيه ثلاث روايات.
" باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم " (ص 258 –260) فيه ثماني روايات.
" باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشيء " (ص 260-262) فيه ست روايات.
" باب جهات علوم الأئمة " (ص264) فيه ثلاث روايات تفيد أن هذه الجهات هي الوارثة والإلهام.
" باب أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه " (ص 264-265) فيه روايتان.
وفي " باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين وأنه كان شريكه في العلم " (ص362) يذكر ثلاث روايات.
وفي " باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى الأئمة في أمر الدين (ص 265-268) يذكر عشر روايات.
وفي " باب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى، وكراهية القول فيهم بالنبوة " (ص 268-270)، يذكر سبع روايات.
وفي " باب أن الأئمة محدثون مفهمون " (ص 270-271) يذكر خمس روايات.
وفي " باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة " (ص 271- 272) يذكر ثلاث روايات تفيد أن هذه الأرواح خمس: روح الإيمان وروح القوة، وروح الشهوة، وروح الحياة، والخامسة روح القدس وهي خاصة بالأنبياء " فإذا قبض النبي صلى الله عليه وسلم - انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو وروح القدس كان يرى به ".
وفي " باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة " (ص 273-274) يذكر ست روايات، منها أن الإمام الصادق قال عن قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[الشورى:52]
قال: "خلق من خلق الله - عز وجل - أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده "
ومنها أن الإمام الصادق قال: ما سبق أيضاً عن قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [ الإسراء:85] وأنه كذلك قال: منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد صلى الله عليه وسلم ما صعد إلى السماء وأنه لفينا.
وفي " باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله " (ص274-275) يذكـــر ثلاث روايات.
وفي " باب أن الأئمة في العلم والشجاعة والطاعة سواء"(ص275) يذكر ثلاث روايات ويحرف معنى آية كريمة.
وفي " باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده، وأن قول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58] فيهم عليهم الصلاة والسلام نزلت " (ص 276 ـ 277) يذكر سبع روايات، ويحرف معنى آيات أخريات:
وفي " باب أن الإمامة عهد من الله عزوجل معهود من واحد إلى واحد " (ص 277 ـ 279) ، يذكر أربع روايات منها:
عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله فذكر الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال:لا والله يا أبا محمد، ما ذاك إلينا، وما هو إلا إلى الله عز وجل، ينزل واحد بعد واحد (19) .
وفي " باب أن الأئمة لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل، وأمر منه لا يتجاوزونه "(ص279-284) يذكر أربع روايات مطولة، والكليني هنا يخرج لنا بطريقة جديدة في الافتراء على الله عز وجل، فالروايات تفيد أن جبرئيل – رضي الله عنه - نزل على محمد- صلى الله عليه وسلم - بكتاب كل إمام يفك خاتما، وينفذ ما بالجزء الذي يخصه من الكتاب.
ومن هذه الروايات:
عن أبي عبد الله: (أن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا (20) لم ينزل على محمد كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل: يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ قال: نجيب الله منهم وذريته، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم رضي الله عنه، وميراثه لعلي وذريتك من صلبه. قال: وكان عليها خواتيم، قال ففتح علي الخاتم الأول ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها، فلما توفي الحسن فتح الحسين الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة،لا شهادة لهم إلا معك، قال: ففعل) … إلخ.
ومنها... (وأن الحسين قرأ صحيفته التي أعطيها، وفسر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض، فخرج للقتال... وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله تعالى في نصرته فأذن لها، ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل، فنزلت وقد انقضت مدته وقتل، فقالت الملائكة: يارب أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته، فانحدرنا وقد قبضته، فأوحى الله إليهم: أن الزموا قبره حتى تروه قد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته، فإنكم قد خصصتم بنصرته وبالبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره).
وفي " باب الأمور التى توجب حجة الإمام (ص284-285) يذكر ست روايات تفيد أن الأمور هي: الفضل، والوصية والسلاح وأن يكون الإمام أكبر ولد أبيه ما لم يكن فيه عاهة كإسماعيل بن جعفر. ومن هذه الروايات: الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا طير ولا بهيمة،ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام. وفي " باب ثبات الأمانة في الأعقاب، وأنها لاتعود في أخ ولا عم ولا غيرهما من القرابات (ص285-286) يذكر خمس روايات، ويستثنى الحسين من عدم العودة في الأخ.
وفي " باب ما نص الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم على الأئمة واحدا فواحدا " (ص 286-292) يذكر سبع روايات وفي إحداها إبطال إمامة محمد بن الحنفية.
وفي " باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين "(ص292-297) يذكر تسع روايات، وفيها تحريف لبعض آي القرآن الكريم نصا ومعنى، وفيها تخطئة وإنكار لنص آيه كريمة، وتعريض بالشيخين: الصديق والفاروق رضي الله تعالى عنهما، وبأنهما ارتدا.. إلخ.
ويعقد الكليني بعد هذا أحد عشر بابا كل باب للإشارة والنص على أحد الأئمة بحسب الترتيب الزمني إلى أن يصل إلي الإمام الثاني عشر في باب الإشارة والنص إلى صاحب الدار في(ص329) ويضمن هذه الأبواب ثلاثة وتسعين رواية ؟!
وبعد الباب الأخير يأتي " باب في تسمية من رآه " (ص329-332) يذكر خمس عشرة رواية لتسمية من رأى إمامهم الأخير.
وباب في النهي عن الاسم (ص332-333) يذكر أربع روايات وفيها: لا يرى جسمه ولا يسمي اسمه.
" وباب نادر في حال الغيبة " (ص333-335) فيه ثلاث روايات.
" وباب في الغيبة "(ص335-343) يذكر الكليني فيه إحدى وثلاثين رواية يستفاد منها أن إمامهم الثاني عشر يشهد المواسم ويرى الناس ولا يرونه. وأن له غيبتين …إلخ. وفي بعض الروايات تحريف لمعاني آيات من القرآن الكريم، وفي بعض التحريف تحديد لزمن الغيبة، ففي قوله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [ التكوير:16] يروي روايتين أن المراد هو " إمام يخنس سنة ستين ومائتين " (21) .
وفي" باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة " (ص343 – 367) يذكر تسع عشرة رواية منها:
رواية بطريقين عن أبي جعفر: أن محمد بن علي المسمى بابن الحنفية طلب من علي بن الحسين بعد استشهاد أبيه الحسين ألا ينازعه في الإمامة لأنه أحق بها. ولكن عليا خوف عمه من عقاب الله تعالى، وطلب الاحتكام للحجر الأسود، فسأل ابن الحنفية الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين لو كنت إماما لأجابك، ثم سأل علي الحجر فتحرك حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، وشهد بأن الوصية لعلي (22) .
وفي رواية عن موسى بن جعفر أنه أثبت إمامته لمن طلب الإثبات بأن أمر شجرة لتأتيه، فجاءت تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه، ثم أشار إليها فرجعت (23) .
وعن محمد بن علي الرضا: أن عصا في يده نطقت وقالت: إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة (24) .
وفي " باب كراهية التوقيت " (ص 368-369) يذكر سبع روايات، الأولى هي:-
عن أبي جعفر: (إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ).
وفي رواية: (إذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم به فقولوا: صدق الله، وإذا حد ثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا: صدق الله تؤجروا مرتين).
وفي " باب التمحيص والامتحان " (ص369-371) يذكر ست روايات.
وفي " باب من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر" (ص371-372) يذكر سبع روايات وفي" باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ومن جحد الأئمة أو بعضهم، ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل " (ص372-374) يذكر اثنتي عشرة رواية، وهذه الروايات يستفاد منها أن غير أئمة الجعفرية الرافضة كفار وإن كانوا فاطميين علويين، ومن تبعهم كان مشركا بالله. وفي الروايات تحريف لمعاني آيات ذكرت، وتكفير لفلان وفلان، أي الصديق والفاروق – ومن والاهما، وقاعدة عامة لظاهر القرآن وباطنه " وأن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله تعالى في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق ".
وفي " باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى " (ص376-377) يذكر أربع روايات تـفيد أنه يموت ميتة جاهلية.
وفي " باب فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر " (ص377-378) يذكر أربع روايات منهـا :
عن الرضا: الجاحد منا له ذنبان، والمحسن له حسنتان.
وفي " باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام (ص 378-380) يذكر ثلاث روايات.
وفي " باب أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه " (ص380-382) يذكر ست روايات.
وفي " باب حالات الأئمة في السن "(ص382-384) يذكر ثماني روايات.
وفي " باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة " (25) (ص384-385) يذكر ثلاث روايات.
وفي " باب مواليد الأئمة (ص385-389) يذكر ثماني روايات منها: عن أبي عبد الله: إن الله تبارك وتعالى إذا أحب أن يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه، فمن ذلك يخلق الإمام، فيمكث أربعين يوما وليلة في بطن أمه لا يسمع الصوت. ثم يسمع بعد ذلك الكلام، فإذا ولد بعث ذلك الملك فيكتب بين عينيه: " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " (115: الأنعام) فإذا مضى الإمام الذي كان قبله رفع لهذا منار من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق فبهذا يحتج الله على خلقه (26)
وفي الباب أكثر من رواية تفيد هذا المعنى باختلاف في مكان الكتابة.
وفي " باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم "(ص389-390) يذكر أربع روايات منها:
عن أبي جعفر: إن الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا، ثم تلا هذه الآية: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون [ المطففين:18-21] وخلق عدونا من سجين، وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوى إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الآية كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ [ المطففين:7-9] .
وفي " باب التسليم وفضل المسلمين " أي للأئمة (ص390-392)، يذكر ثماني روايات.
وفي " باب أن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم، أن يأتوا الإمام فيسألون عن معالم دينهم، ويعلمونه ولا يتهم ومودتهم له " (ص392-393) يذكر ثلاث روايات منها:
نظر أبو جعفر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال: هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنما أمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا يعلمونا ولا يتهم ومودتهم، ويعرضوا علينا نصرتهم.
ومنها أنه نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم، فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي " باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم، وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار " (ص393-394)، يذكر أربع روايات.
وفي " باب أن الجن يأتيهم: فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمورهم " (ص394-397) يذكر سبع روايات تفيد معنى الباب، وأن بعض الناس رأوا الجن يخرجون من عند الأئمة، وفي رواية: إن ثعبانا جاء وأمير المؤمنين يخطب، فأمر بعدم قتله، وصعد الثعبان إليه فقال أمير المؤمنين: من أنت ؟ فقال الثعبان: عمرو بن عثمان خليفتك على الجن، وإن أبي مات، وأوصاني أن آتيك فأستطلع رأيك..إلخ.
وفي " باب في الأئمة أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود (27) ولا يسألون البينة " ص (397-398) يذكر خمس روايات.
وفي " باب أن مستقى العلم من بيت آل محمد صلى الله عليه وسلم " (ص398-399) يذكر روايتين
وفي " باب أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل " (ص399-400) .
يذكر ست روايات.
وفي " باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستعصب " (ص401-402) يذكر خمس روايات.
وفي " باب ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لأئمة المسلمين، و اللزوم لجماعتهم ومن هم ؟ " (ص403-405) يذكر خمس روايات تؤيد فرقته الرافضة.
وفي " باب ما يجب من حق الإمام على الرعيه وحق الرعيه على الإمام " (ص405-407) يذكر سبع روايات.
وفي " باب أن الأرض كلها للإمام " (407-410) يذكر ثماني روايات تفيد معنى الباب، وأن الله تعالى أورث أئمة الجعفرية الأرض كلها، فأداءالخراج يجب أن يكون لهم.
ومما جاء في " باب نادر" (ص411-412): عن جابر عن أبي جعفر قال: قلت له: لم سمي أمير المؤمنين ؟ قال: الله سماه وهكذا أنزل في كتابه:
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172 ] وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين ؟ (28)
وفي " باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية " (ص412-436)، يذكر الكليني اثنتين وتسعين رواية: ويبدو من العنوان أن الكليني أراد هنا أن يخضع كتاب الله لهواه، فيحرف معناه ليؤيد عقيدته في الإمامة، أراد إذا أن يجعل آيات الله تعالى تتحدث عن أئمة الجعفرية. ولكن الكليني لم يكتف بهذا فسلك مسلك شيخه علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير الضال المضل الذي تحدثنا عنه، ولذا ترى الكليني هنا يحرف نصوص آيات قرآنية، ويطعن في الصحابة الكرام بصفة عامه، فيصمهم بالكفروالردة والنفاق، ويطعن في الخلفاء الراشدين الثلاثة بصفة خاصة باعتبار أنهم – كما يفتري - اغتصبوا الولاية من أمير المؤمنين، ويطعن في الشيخين بصفة أخص.
والروايات التي تحمل تحريف نصوص الآيات الكريمة هي الروايات أرقام ( 8، 23، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 43، 47، 48، 58، 59، 60، 62، 63، 64، 91 ).
والطعن في الصحابة الكرام البررة في أكثر الروايات، أما الروايات التي تطعن في الخلفاء الراشدين الثلاثة فهي أرقام:17، 42، 73، 83.
والروايات التى تطعن في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما –هي:3، 14، 43، 79.
ونكتفي هنا بذكر رواية واحدة من روايات الباب، وهي الرواية رقم 91 (ص442-435) وهي:
عن محمد بن الفضيل عن إمامهم الحادي عشر:
قال: سألته عن قول الله عز وجل:يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[ الصف:8] قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم. قلت وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ[ الصف:8]قال: والله متم الإمامه لقوله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا[التغابن: 8] فالنور هو الإمام: قلت: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ كُلِّهِ [ الصف:9] قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق، قلت: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قال: يظهر على جميع الأديان عند قيام القائم، قال الله: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولاية القائم وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ بولاية علي، قلت: هذا تنزيل ؟ قال: نعم أما هذا الحرف فتنزيل وأما غيره فتأويل.
قلت: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قال: إن الله تبارك وتعالى سمى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين، وجعل من جحد وصية إمامته كمن جحد محمدا، وأنزل بذلك قرآنا: يا محمد إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ (بولاية وصيك) قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ [المنافقون: 1] (بولاية علي لكافرون) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ [المجادلة: 16](والسبيل هو الوصي) إنهم ساء ما كانوا يعملون. ذلك بأنهم آمنوا (برسالتك) ثم كفروا(بولاية وصيك) فطبع(الله) على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله قال: وإذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم لووا رءوسهم " قال الله ورأيتهم يصدون: (عن ولاية علي) وهم مستكبرون عليه. ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المنافقون:6] يقول الظالمين لوصيك.
قلت: أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ الملك:22] قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين.
قال: قلت: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [ الحاقة:40] قال: يعنى جبرئيل عن الله في ولاية علي قال: قلت:وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ [ الحاقة:41] قال: قالوا: إن محمدا كذاب على ربه وما أمره الله بهذا في علي, فأنزل الله بذلك قرآنا فقال: (إن ولاية علي) (تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا(محمد) بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) ثم عطف القول فقال: إن(ولاية علي) ُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [ الحاقة:48] (العالمين) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ [الحاقة:49] وإن (عليا) (لحسرة على الكافرين). وإن (ولايته) (لحق اليقين. فسبح (يا محمد) باسم ربك العظيم) يقول اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.
قلت: قوله: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ [ الجن:13] قال الهدى الولاية، آمنا بمولانا فمن أمن بولاية مولاه فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا قلت: تنزيل قال: لا تأويل قلت: قوله قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [ الجن:21] قال: إن رسول الله دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد اعفنا من هذا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذا إلى الله ليس إلي، فاتهموه، وخرجوا من عنده فأنزل الله ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ (إن عصيته) أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ) (في علي) قلت: هذا تنزيل قال: نعم ثم قال توكيدا: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (في ولاية على) فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) قلت: حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددايعني بذلك القائم وأنصاره، قلت: (واصبر على ما يقولون) قال: يقولون فيك
وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (وَذَرْنِي (يا محمد) وَالْمُكذِّبِينَ (بوصيك) أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا) قلت:إن هذا تنزيل ؟ قال: نعم.. إلخ (29) .
وفي " باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية " (436 ـ 438)، يذكر تسع روايات يستفاد منها أن ولاية أئمة الجعفرية الإمامية الرافضة ولاية الله تعالى جاء بها كل الأنبياء، وكتبت في جميع صحفهم، ويؤمن بها ما لا يحصى من الملائكة، منكرها كافر، وجاهلها ضال، ومن اتخذ معهم أئمة آخرين كان مشركاً، ومن جاء بهذه الولاية دخل الجنة.
وفي " باب في معلافتهم أولياءهم والتفويض إليهم " (ص 438 ـ 439) ، يذكر ثلاث روايات هي:
1-عن أبي عبد الله: إن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين وقال له: إني أحبك وأتولاك، فكذبه. فكرر ثلاثا فقال له: كذبت ما أنت كما قلت، إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، ثم عرض علينا المحب لنا، فوالله ما رأيت روحك فيمن عرض، فأين كنت ؟ فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه".
وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله: كان في النار.
2- عن أبي جعفر: إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق. 3-عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله قال: سألته عن الإمام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان بن داود ؟ فقال نعم. وذلك أن رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها، وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأول، ثم سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين ثم قال: ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ (أعط) بِغَيْرِ حِسَابٍ) (30) وهكذا هي في قراءة على... إلخ.
وفي أبواب التاريخ " يذكر الكليني روايات نرى في الحاشية رفضا لبعضها وطعنا في سندها، ولكن أثر الإمامة يبدو كذلك فيما لم يطعن فيه، مثال هذا ما رواه أن أبا جعفر المنصور أمر بإحراق دار الإمام جعفر الصادق، فخرج يتخطى النار، ويمشي فيها، ويقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله (31) .
وفي " باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (ص252-535) يذكر الكليني عشرين رواية، نذكر هنا نص إحدى الروايات:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، قال: قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري:إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: أي الأوقات أحببته، فخلا به في بعض الأيام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح المكتوب؟ فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم فهنيتها بولادة الحسن ورأيت في يديها لوحا أخضر، ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض، شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اللوح ؟
فقالت هذا لوح أهداه الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه اسم أبي واسم بَعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلام فقرأته واستنسخته. فقال له أبي: فهل لك ياجابر أن تعرضه علي؟ فقال: نعم فمشى معه أبي إلى منزله فأخرج صحيفة من رق فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك. فنظر جابر في نسخته فقرأه فما خالف حرف حرفا فقال جابر: فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا.
ونص الكتاب هو:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظم يا محمد أسمائي، واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي، عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. فإياي فاعبد وعلي فتوكل، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا. وإني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسينا خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة. جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود: محمد الباقر علمي والمعدن لحكمتى، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد على، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعد موسى فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لاينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفي ، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي، وخيرتي في علي، وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي ـ حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سري، وحجتي علي خلقي. لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن وأكمل ذلك بابنه "محمد" رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقا، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل و أدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلا عن أهله.
وفي " باب صلة الإمام " (ص537-538) يذكر سبع روايات منها:
عن أبي عبدالله:ما من شيء أحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام وأن الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل أحد، ثم قال: إن الله يقول في كتابه:مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (32) .
قال: هو والله في صلة الإمام خاصة.
وعنه: درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي درهم فيما سواه من وجوه البر.
وفي " باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه " (538-549) يكتب الكليني صفحة عن الباب، ثم يذكر ثمانياً وعشرين رواية منها:
عن الإمام الصادق " نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال " (33) .
ويفسر ابنه موسى الكاظم ـ كما يزعم الكليني ـ صفو المال بقوله: " للإمام صفو المال: أن يأخذ من هذه الأموال صفوها، الجارية الفارهة، والدابة الفارهة، والثوب والمتاع بما يحب أو يشتهي، فذاك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس " (34) .
وعن الإمام الصادق أيضاً: " من أين دخل على الناس الزنى؟.. من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم لميلادهم " (35) .
وبانتهاء هذا الباب ينتهي كتاب (الحجة).
وإذا نظرنا في بقية الجزء الأول فإنا نراه لا يخلو من التأثر بعقيدة الإمامة. مثال هذا:
ما يطالعنا في خطبة الكتاب: " دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم " (36) ، وفي كتاب (فضل العلم) "يغدو الناس على ثلاثة أصناف: عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء " (37) ، والرواية عن الإمام الصادق.
وعن ابنه موسى " لعن الله أبا حنيفة، وكان يقول: قال علي، وقلت: (38) ، وعن الإمام علي: " ذلك القرآن فاستنطقوه.. ولن ينطق لكم،أخبركم عنه.. إلخ " (39) .
وعن سليم بن قيس الهلالي قال: قلت لأميرالمؤمنين: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم غير ما في أيدى الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم، قال: فأقبل علي فقال: قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، كمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، وإنما آتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثر ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمداً، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره، ووصفهم بما وصفهم، فقال عز وجل: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [ المنافقون: 4]، ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذباً.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم - أو سمعه ينهى عن شيء، ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ.
وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ... وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم دخلة، وكل ليلة دخلة، فيخلينى فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري (40) .
وتنظر مثلا في باب النوادر من كتاب (التوحيد) (ص 143-146) تجد ما يأتي: عن الحارث بن المغيرة النصري قال: سئل أبو عبدالله عن قول الله تبارك وتعالى: كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[القصص:88 ] فقال: ما يقولون فيه ؟ قلت: يقولون يهلك كل شىء إلا وجه الله، فقال: سبحان الله! لقد قالوا قولاً عظيماً، إنما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه.
وعن أبي جعفر: " نحن المثاني الذي أعطاه الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين الله في خلقه، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا، وجهلنا من جهلنا وإمامة المتقين ".
وعن أبي عبدالله في قول الله عز وجل: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180 ]قال: نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا.
وعنه: إن الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار،وبنا نزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبدالله، ولولا نحن ما عبدالله.
وعن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر فأنشأ يقول ابتداء منه من غير أن أسأله: نحن حجة الله، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله, ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة الله في عباده.
وعن أمير المؤمنين: أنا عين الله وأنا يد الله، وأنا جنب الله, وأنا باب الله.
وعن أبي الحسن موسى: يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ [الزمر:56] قال: جنب الله أمير المؤمنين، وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم.
وعن أبي جعفر: بنا عبدالله وبنا عرف الله وبنا وحد الله تبارك وتعالى ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى.
وعن أبي جعفر: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[البقرة:57، الأعراف: 160] قال: إن الله تعالى أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكن خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ [ المائدة: 55] يعنى الأئمة منا.
ثانياً: الجزء الثاني من (أصول الكافي):
بعد عرضنا للجزء الأول أعتقد أننا لسنا في حاجة إلى أن نطيل الحديث عن الجزء الثاني، ذلك أن هذا الجزء يتحدث في جملته عن الإيمان والكفر، والجزء السابق بين مفهوم الإيمان والكفر عند الكليني، وأمثاله من غلاة الفرقة الضالة وزنادقتهم. كما رأينا في كثير من رواياته، فقد ربط الإيمان والكفر بإمامة الجعفرية الإمامية فالمؤمن بها هو المؤمن، ومنكرها كافر، إلى غير ذلك مما رأينا. فهذا الجزء إذن يعتبر امتدادا للجزء الأول، فيكفي أن نورد بعض الأمثلة لنرى أن الكليني ظل سائرا في نفس الطريق الذي رسمه لنفسه تأثراً بعقيدته في الإمامة.
من هذه الأمثلة ما رواه عن أبي جعفر قال: " إن الله تبارك وتعالى حيث خلق ماء عذبا وماء أجاجا فامتزج الماءان، فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي، ثم قال: ألست بربكم ؟ قالوا: بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟ قالوا: بلى فثبت لهم النبوة. وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم، ومحمد رسولي، وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي – عليهم السلام -، وأن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وانتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعا وكرها. قالوا: أقررنا يارب وشهدنا. ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [ طـه:115] قال: إنما هو فترك (41) . ثم أمر نارا فأججت، فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها. وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما. فقال أصحاب الشمال: يارب أقلنا فقال قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها، ثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية (42) .
وعنه أيضاً قال: " إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق من أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار. ثم بعثهم في الظلال. فقلت: وأي شيء الظلال ؟ فقال: ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس بشيء. ثم بعث منهم النبيين فدعوهم إلى الإقرار بالله عز وجل:وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض.
ثم دعوهم إلى ولايتنا، فأقر بها والله من أحب وأنكر من أبغض وهو قوله: فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ [ يونس:74].
ثم قال أبو جعفر رضي الله عنه: كان التكذيب ثم (43) .
وعنه كذلك قال: " بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية " (44) .
وفي رواية أخرى زاد: فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه، يعنى الولاية (45) .
وعن عجلان أبي صالح قال: قلت لأبي عبدالله رضي الله عنه: أوقفني على حدود الإيمان. فقال الخمس وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والدخول مع الصادقين " (46) .
وعن زرارة عن أبي جعفر قال: " بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة: قلت وأي شيء من ذلك أفضل ؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن.
أما لو أن رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان" (47) .
والكليني لا يكتفي بربط الإيمان والكفر بالإمامة ولكن يربطهما كذلك بمبادئ الجعفرية، استمع إليه مثلا وهو يروي عن الإمام الصادق: " إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له ", " التقية من دين الله "، " والله ما عبدالله بشيء أحب إليه من الخبء. قلت: وما الخبء ؟ قال: "التقية"، " التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له " (48) .
وكتاب الإيمان والكفر في ( أصول الكافي ) يبدأ من أول الجزء الثاني إلى صفحة 464، وعدد رواياته 1609، وباقي الجزء يقع في 210 صفحة ويتناول ثلاثة كتب، منها كتاب ( فضل القرآن) ونورد هنا بعض الروايات التي ذكرها الكافي في هذا الكتاب.
روي عن سعد الخفاف قال: قلت:" جعلت فداك يا أبا جعفر، وهل يتكلم القرآن ؟ فتبسم ثم قال: رحم الله الضعفاء من شيعتنا، إنهم أهل تسليم ثم قال لهم: يا سعد والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى. قال سعد: فتغير لذلك لوني وقلت: هذا شيء لا أستطيع أنا أتكلم به في الناس. فقال أبو جعفر: وهل الناس إلا شيعتنا ؟ فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقنا. ثم قال: يا سعد أسمعك كلام القرآن ؟ قال سعد: فقلت: بلى صلى الله عليك, فقال: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " فالنهي كلام، والفحشاء والمنكر رجال ونحن ذكر الله، ونحن أكبر " (49) .
وعن أبي عبدالله قال: " لا والله لا يرجع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبدا، ولا إلى بني أمية أبدا، ولا في ولد طلحة والزبير أبدا، وذلك أنهم نبذوا القرآن وأبطلوا السنن، وعطلوا الأحكام. وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار " (50)
ويروي الكليني عن أبي عبدالله أيضاً: " إن القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم " (51) .
إلا أنه يروي عن أبي جعفر: " نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام " (52) .
ويروي عن أمير المؤمنين: " نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام " (53)
وروى عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبدالله رضي الله عنه: " إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد " (54)
وروى الكليني أن أبا عبدالله قال: " نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة " (55)
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: " دفع إلي أبو الحسن رضي الله عنه مصحفا وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه " لم يكن الذين كفروا " فوجدت فيه اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال: فبعث إلي: ابعث إلي بالمصحف " (56) .
وعن سالم بن سلمة قال: " قرأ رجل على أبي عبدالله رضي الله عنه وأنا استمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبدالله رضي الله عنه: كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم رضي الله عنه قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه علي رضي الله عنه وقال: أخرجه علي رضي الله عنه إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وقد جمعته من اللوحين. فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، وإنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه " (57) .
ويختم الكليني كتاب (فضل القرآن) برواية عن أبي عبدالله جعفر الصادق أنه قال: " إن القرآن الذي جاء به جبرئيل رضي الله عنه إلى محمد صلى الله عليه وسلم وآله سبعة عشر آلف آية " (58) .
بعد هذا أعتقد أن هذه الأمثلة ـ على قلتها ـ تكفي لبيان ما أردنا إيضاحه.
ثالثاً: روضة الكافي
بعد الانتهاء من الأصول يجيء دور الجزء الثامن من الكافي وهو الروضة وننظر في هذه المسماة بالروضة فنرى الكليني مواصلا السير يخبط في ظلمات جهالته وضلاله، يدفعه غلوه في عقيدته في الإمامة.
فالكليني يظل مصرا على قوله بتحريف القرآن، ونراه هنا، وهو يزعم نسبة هذا الافتراء للأئمة الكرام، يتخذ من الأساليب ما يؤيد فريته، فمثلا يصور أحد الأئمة قارئا لآية تخالف ما بين الدفتين، فيأتي الراوي المذكور في السند ليقول: " جعلت فداك، إنا نقرؤها هكذا " فيجيب الإمام على حد زعمه قائلاً:
" هكذا والله نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه فيما حرف من كتب الله " (59) .
أو قائلا: " هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا والله مثبت في مصحف فاطمة عليها السلام " (60)
أو يزعم أنه قال: " هذا مما أخطأت فيه الكتاب " (61) .
أو قال: " هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها " (62) .
وأحياناً يذكر تعليلا ليثبت التحريف (63) أو يؤيد أن كلمة موجودة في الآية وهي غير موجودة (64) .
وأحياناً يأتي بافتراء ليثبت التحريف بصفة عامة، استمع إليه وهو ينسب حديثا لأحد الأئمة قال: لا تلتمس دين من ليس من شيعتك ولا تحبن دينهم، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا أماناتهم. وتدري ما خانوا أماناتهم ؟ ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه، وبدلوه، ودلوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون (65) .
هذا بالنسبة للتحريف في نص القرآن الكريم، أما التحريف في المعنى فإنا لا نكاد نجد آية تعرض لها الكليني إلا حرف معناها، ولذلك فهو يضع قاعدة عامة تؤيد هذا التحريف، فينسب لأحد الأئمة أنه قال:
" ما من آية نزلت تقود إلى الجنة، وتذكر أهلها بخير، إلا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر، وتسوق إلى النار، إلا وهي في عدونا ومن خالفنا..
ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء " (66) .
عن أبي عبدالله في قوله تعالى:وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ[الإسراء:4] قال: قتل علي بن أبي طالب وطعن الحسن وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء:4] قال: قتل الحسين فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا [الإسراء: 5] (فإذا جاء نصر دم الحسين بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم، فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً [ الإسراء:5] خروج القائم، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [ الإسراء:6] خروج الحسين في سبعين من أصحابه، عليهم البيض المذهب، لكل بيضة وجهان، المؤدون إلى الناس أن الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه، وأنه ليس بدجال ولا شيطان، والحجة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين جاء الحجة الموت، فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حضرته الحسين بن علي، ولا يلي الوصي إلا الوصي (67) .
وعن عبدالله بن النجاش قال: سمعت أبا عبدالله رضي الله عنه يقول في قول الله عز وجلأُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا [ النساء:63] يعني الله فلانا وفلانا وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا [النساء:64] يعني والله النبي صلى الله عليه وسلم وآله وعليا رضي الله عنه " مما صنعوا " (68) أي لو جاءوك بها يا علي فاستغفروا الله مما صنعوا، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله توابا رحيما فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [ النساء:65] فقال أبو عبدالله: هو والله علي بعينه ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ [ النساء:65] على لسانك يا رسول الله (69) ، يعني به من ولاية علي وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا لعلي (70)
وينسب الكليني للإمام علي خطبا يبرأ منها الإمام، ويبرأ ممن وضعها افتراء عليه.
انظر إلى " خطبة الوسيلة " (71) ، تجد غلوا في الأئمة وتكفيرا لمن أنكر إمامتهم، واتهاما للصديق والفاروق ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان أن إمهال الله لهم كإمهاله سبحانه لعاد وثمود وأضرابهم، وأن المصير واحد.
وانظر إلى " خطبة الطالوتية " (72) تجد اتهاما للصحابة الكرام الذين سينزل بهم على حد زعمه ما نزل بالأمم من قبلهم، لصدهم عن الحق، وتركهم الوصي الذي به أمروا. وتجد قوله: " أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم - لضربتكم بالسيف حتى تئولوا إلى الحق " (73) .
وتجد بعد هذا: " ثم خرج من المسجد فمر بصيرة فيها نحو ثلاثين شاه فقال: والله لو أن لي رجالا ينصحون لله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن أكلة الذبان عن ملكه " (74) .
وتجد كذلك: " لولا عهد عهده إلي النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - لأوردت المخالفين خليج المنية ولأرسلت عليهم شآبيب صواعق الموت، وعن قليل يعلمون " (75)
وانظر إلى خطبته بعد مقتل ذي النورين تجد حديثا عن الجبابرة وهامان وفرعون وعثمان (76) وتجد القول: قام الثالث (77) كالغراب، همه بطنه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له: شغل عن الجنة، والنار أمامه (78) .
والكليني لا يقتصر على خطب وأقوال تفترى على سيدنا علي - رضي الله تعالى عنه - ولكنا نرى أثرا للغلو كذلك في الحديث عن الإمام علي، مثال هذا:
إنه كان في يوم ميلاد الرسول الكريم بشر أبو طالب زوجته بقوله: أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود (79) .
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إن عليا يحملكم على الحق، فإن أطعتموه ذللتم، وإن عصيتموه كفرتم بالله " (80)
وأن حرب علي شر من حرب الرسول صلى الله عليه وسلم (81) .
وأن من يشهد للأنبياء جعفر وحمزة، أما علي فهو أعظم منزلة من ذلك (82) وأن عليا كتم وبايع مكرها (83) ، وأنه أشار إلى الأرض عندما اضطربت وقال لها: اسكني مالك، ثم التفت إلى أصحابه وقال: أما إنها لو كانت التي قال الله عز وجل لأجابتني ولكن ليست بتلك (84) ، وأنه أعتق ألف مملوك (85) .
وفي الحديث عن إمامهم الثاني عشر يروي الكليني عن الإمام الباقر أنه قال: إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أيامه (86) .
وعنه أيضاً: " إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه الهميان ويخرجهم من الأمصار إلى السواد " (87) .
وعن أبي عبدالله الصادق، " إن قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لايكون بينهم وبين القائم يريد أن يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه " (88) .
وعنه أيضاً عندما سئل: متى فرج شيعتكم ؟ فقال: إذا اختلف ولدا العباس، ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي وأقبل اليماني وتحرك الحسني وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صلى الله عليه وسلم " (89) .
والكليني يكثر من الحديث عن الجعفرية الإمامية ومخالفيهم ونستطيع أن نعرف الطابع العام لهذا الحديث ما دمنا قد عرفنا أنه ربط الإيمان بالولاية.
فالإمامية الرافضة كلهم يدخلون الجنة ولا يدخل النار منهم أحد (90) ، وهم وحدهم دون غيرهم المغفور لهم (91) وغير الجعفري كافر (92) ولا توبة بغير الولاية (93) والناصب شر ممن ينتهك المحارم كلها (94)لا يبالي صلى أم زنى (95) وأبو حنيفة ناصب (96) .
وحضور مساجد غير الجعفرية الاثني عشرية والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم (97) .
ويروي الكليني عن الإمام الكاظم: " إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عز وجل حتمنا على الله في تركه لنا فأجبنا إلى ذلك، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم، وأجابوا إلى ذلك، وعوضهم الله عز وجل " (98)
ويروي عن أبي جعفر بأن علي بن أبي طالب ينزل أهل الجنة منازلهم ويزوجهم، ويدخل أهل النار النار، وأبواب الجنة والنار إليه (99) .
وبمثل هاتين الروايتين يريد الكليني أن يؤكد ما ذهب إليه من حديثه عن الجعفرية ومخالفيهم.
والكليني الذي سلك مسلك شيخه القمي في محاولة التشكيك في كتاب الله تعالى، والطعن في الصحابة الكرام، نراه هنا يعود مرة أخرى للطعن في نقلة الشريعة، وحملة رسالة الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد مر شيء منه في الصفحات السابقة، ولكن المتصفح لروضة الكافي يجد الكثير من هذا الطعن، مثال هذا:
ما رواه من أن المسلمين ارتدوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة هم: المقداد وأبو ذر وسلمان، وأنهم أصبحوا أهل جاهلية، وبمثابة من عبد العجل، وكل حاكم قبل القائم فهو طاغوت يعبد من دون الله (100) .
وما رواه من أن الشيخين كافران منافقان سخرا من الرسول صلى الله عليه وسلم واستهزءا به ورمياه بالجنون وأنهما صنما هذه الأمة (101)
وما رواه كذلك هذا المفتري الضال الزنديق: من أن أبا بكر أضمر وهو في الغار أن الرسول صلى الله عليه وسلم ساحر، وأن أول عداوة بدت منه للرسول صلى الله عليه وسلم في علي، وأول خلاف منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بقبا في الهجرة، وأول من بايعه إبليس حيث جاء على هيئة شيخ كبير (102) .
وإلى جانب ما سبق نرى الكليني متأثراً بعقيدته الباطلة في الإمامة عندما يأتي بروايات لها صلتها بالموضوعات التاريخية، فإلى جانب الحديث عن البيعة أو النص على الأئمة كما رأينا نرى موضوعات أخرى فمثلاً:
ذكرنا في الجزء السابق شيئاً عن خرافة السفياني (103) ونجد هنا ذكراً له في عدد من الروايات (104) .
والشيعة الإمامية يسمون الرافضة لسبب تاريخى معروف (105) ولكن الكليني يروي أن الله تعالى سماهم بهذا الاسم (106)
واسم الجعفرية نسبة إلى الإمام جعفر، فنرى الكليني هنا يرى أن الجنة فيها نهر يقال له جعفر على شاطئه الأيمن درة بيضاء فيها ألف قصر، في كل قصر ألف قصر لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم (107) .
وهكذا نرى روضة الكافي لا تكاد تقل عن أصوله تأثراً بعقيدة الإمامة.
وبعد هذا العرض لأصول الكافي وروضته نستطيع أن نقول:
1 ـ إن الكليني اتخذ من السنة بمفهومها عنده وسيلة لإثبات عقيدته في الإمامة ورأيه في الأئمة وما يتصفون به. ووسيلة كذلك لبيان بطلان ما ذهب إليه غير الجعفرية الذين لم يأخذوا بعقيدته في الإمامة، وأنهم مهما تعبدوا فهم في النار، فعبادتهم غير مقبولة في زعم الكليني، على حين أن الجعفرية جميعاً بغير استثناء سيدخلون الجنة ولا تمسهم النار مهما ارتكبوا من الموبقات والآثام، ومهما كان خطؤهم في حق الله تعالى أو في حق عباده.
والكليني من أجل هذا كله نراه يفتري آلاف الروايات وينسبها للرسول صلى الله عليه وسلم ولآل بيته الأطهار.
وفي بحثنا للإمامة في الجزء الأول عندما وصلنا إلى دلالة السنة اعتمدنا على ثمانية كتب لم نضم إليها كتاب (الكافي)، وأظنني الآن لست في حاجة لتأييد وجهة نظري.
2 ـ والكليني اتخذ من السنة كذلك وسيلة لتحريف كتاب الله تعالى نصاً ومعنى، وقد نهج هنا منهج شيخه علي بن إبراهيم القمي، صاحب التفسير الضال المضل الذي تحدثنا عنه في الجزء السابق، ونهج منهجه كذلك في الطعن في الصحابة الكرام: نقلة الشريعة وحملة رسالة الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. وخص بمزيد من الطعن الذين تولوا الخلافة الراشدة قبل الخليفة الرابع الإمام علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأرضاهم.
3 ـ والكليني أقدم على ما لا يقل خطورة وضلالاً عن القول بتحريف القرآن الكريم ونقصه حيث افترى على الله الكذب فزعم أنه جل شأنه أنزل كتباً من السماء بخط إلهي تؤيد فرقته الجعفرية.
4 ـ والكليني يضمن كتابه بعض الأحداث التاريخية، ويذكرها بحسب هواه، ويفسرها بما يشتهي، وبما يشبع غيه وضلاله.
رابعاً ـ (فروع الكافي) وبقية الكتب
قلنا إن الفروع من (الكافي) تشتمل على الروايات المتصلة بالأحكام الفقهية وهي بهذا تلتقي مع كتاب الصدوق ( فقيه من لا يحضره الفقيه ) وكتابي الطوسي ( التهذيب والاستبصار ) .
وبعد أن انتهينا من الحديث عن أثر عقيدة الإمامة في (أصول الكافي) وروضته لسنا في حاجة إلى التوسع في بيان أثر الإمامة في الفروع والكتب الثلاثة ما دامت هذه كلها متعلقة بالفقه، فالفقه خصصناه بالجزء الرابع، والآراء التي تأثرت بالإمامة تعتمد بصفة عامة على ما جاء في هذه الكتب. إذن يمكن القول بأن أثر الإمامة في الفقه يبين إلى حد كبير أثر الإمامة في فروع الكافي والكتب الثلاثة الأخرى.
ولنأخذ مثلاً أثر الإمامة في " كتاب الحج " كما نراه في الفقه وفي كتب الحديث الأربعة عند الجعفرية.
فأما الفقه فنجد أنهم يرون أن غير الجعفري الإمامي إذا حج ثم صار جعفرياً فيستحب أن يعيد الحج. ولا يصح للجعفري أن ينوب في الحج عن غير الجعفري إلا إذا كان أباه، وفي الزيارة يستحب استحباباً مؤكداً زيارة الأئمة، وفي الدعاء يستحب أن يكون بالأدعية المأثورة، إلى غير ذلك مما سيظهر من دراستنا للحج في الجزء اللاحق.
وننظر إلى ما كتبه المحمدون الثلاثة ـ أصحاب الكتب الأربعة في كتاب (الحج) من كتبهم فنراهم يذكرون ما يدل على هذه الأحكام:
فيروي الثلاثة عن الإمام الصادق: عن رجل حج ولا يدري، ولا يعرف هذا الأمر ثم من الله عليه بمعرفته والدينونة به أعليه حجة الإسلام ؟ فقال: قد قضى فريضة الله عزوجل والحج أحب إلي (108) .
وفي " باب الحج عن المخالف " (109) يروي الكليني عن وهب قال: قلت لأبي عبد الله: " أيحج الرجل عن الناصب ؟ فقال: لا، فقلت: فإن كان أبي ؟ قال: فإن كان أباك فنعم ".
ويروي أن الإمام الهادي كتب " لا يحج عن الناصب ولا يحج به ".
وفي فضل الزيارة وثوابها يروي الكليني والقمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للحسن: يا بني من زارني حياً أو ميتاً، أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقاً علي أن أزوره يوم القيامة فأخلصه من ذنوبه (110)
ويرويان عن أبي جعفر أنه قال: " من تمام الحج لقاء الإمام " (111)
ويروي الكليني والطوسي عن يونس بن أبي وهب قال: " دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله فقلت: جعلت فداك، أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين ؟ قال: بئس ما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة، ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون " (112) .
ويروي القمي والطوسي عن الإمام الصادق قال: " إن الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عشية عرفة، قيل له: قبل نظره إلى أهل الموقف ؟ قال نعم، قيل وكيف ذلك ؟ قال: لأن في أولئك أولاد زنى وليس في هؤلاء أولاد زنى " (113) .
ويروى القمي عن البيزنطى قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا: أبلغ شيعتي أن زيارتي تعدل عند الله تعالى ألف حجة. قال: قلت لأبي جعفر ـ يعنى ابنه ـ ألف حجة ؟ قال: إي والله وألف ألف حجة لمن زاره عارفاً بحقه (114)
ويروي الثلاثة عن الإمام الصادق: يا سدير تزور قبر الحسين في كل يوم ؟ قلت: جعلت فداك لا. قال: فما أجفاكم! قال: فتزورونه في كل جمعة ؟ قلت: لا, قال: فتزورونه في كل شهر ؟ قلت: لا , قال: فتزورونه في كل سنة ؟ قلت: قد يكون ذلك. قال: يا سدير ما أجفاكم للحسين! أما علمت أن لله عزوجل ألفي ألف ملك شعث غبر يبكون ويزورونه لا يفترون ؟ وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين في كل جمعة خمس مرات وفي كل يوم مرة ؟
قلت: جعلت فداك إن بيننا وبينه فراسخ كثيرة. فقال لي: اصعد فوق سطحك ثم تلتفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك إلى السماء ثم تنحو نحو القبر وتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته. تكتب لك زورة، والزورة حجة وعمرة (115) .
وروى الكليني عن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله: " ربما فاتني الحج فأعرف (116) عند قبر الحسين فقال: أحسنت يا بشير، أيما مؤمن أتى قبر الحسين عارفاً بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل. (117) قال: قلت له: كيف لي بمثل الموقف ؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب ثم قال لي: يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلمه إلا قال: وغزوة (118) .
وذكر الكليني بعد هذا عشر روايات لم يقل فضل زيارة قبر الحسين في إحداها عن عشرين حجة، وفي أكثر من رواية قال: من أتى قبر أبي عبد الله عارفاً بحقه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (119) .
وبالنسبة للأدعية المأثورة روى الثلاثة فيما يقال عند زيارة قبر أمير المؤمنين:
السلام عليك يا ولي الله، أنت أول مظلوم، وأول من غصب حقه... جئتك عارفاً بحقك، مستبصراً بشأنك معادياً لأعدائك ومن ظلمك... لعن الله من خالفك، ولعن الله من افترى عليك وظلمك، ولعن الله من غصبك، ولعن الله من بلغه بذلك فرضي به، أنا إلى الله منهم بريء. لعن الله أمة خالفتك وأمة جحدتك وجحدت ولايتك، وأمة تظاهرت عليك، وأمة قتلتك، وأمة حادت عنك وخذلتك. الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورود، وبئس ورد الواردين، وبئس الدرك المدرك. اللهم العن قتلة أنبيائك، وقتلة أوصياء أنبيائك بجميع لعناتك، وأصلهم حر نارك، اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة واللات والعزى والجبت وكل ند يدعى من دون الله، وكل مفتر. اللهم العنهم وأشياعهم وأتباعهم وأولياءهم وأعوانهم ومحبيهم لعناً كثيراً.
أشهد أنك جنب الله، وأنك باب الله، وأنك وجه الله الذي يؤتى منه، وأنك سبيل الله.
أشهد أن من قاتلكم وحاربكم مشركون، ومن رد عليكم في أسفل درك من الجحيم (120) .
ومما رواه القمي عند زيارة قبر الحسين:
" بكم تنبت الأرض أشجارها وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها، وبكم يكشف الله الكرب، وبكم ينزل الله الغيث، وبكم تسبح الأرض التي تحمل أبدانكم. لعنت أمة قتلتكم، وأمة خالفتكم، وأمة جحدت ولايتكم، وأمة ظاهرت عليكم، وأمة شهدت ولم تنصركم، الحمد لله الذي جعل النار مأواهم وبئس الورد المورود " (121) .
هذه بعض روايات كتاب (الحج) التي بدا فيها أثر الغلو في عقيدة الإمامة. وكان لهذه الروايات صداها في الفقه الجعفري، ولكن نجد روايات أخرى يبدو فيها هذا الأثر، أثر الغلو في العقيدة، ولا أثر لها في الفقه. مثال هذا ما رواه الكليني عن الحارث عن أبي جعفر قال:
" كنت دخلت مع أبي الكعبة، فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال: بهذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبدا.
قال: قلت: ومن كان ؟ قال: كان الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح وسالم بن الحبيبة (122) .
وما رواه أيضاً عن حسان الجمال قال: حملت أبا عبد الله من المدينة إلى مكة، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال: ذلك موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال: ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح.
فلما رأوه رافعاً يديه قال بعضهم: انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل بهذه الآية: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [القلم:51-52 ] (123) .
وبعد: فهذه الأمثلة القليلة توضح الاتجاه العام لتأليف هذه الكتب تأثراً بعقيدة الإمامة؛ وما يقال عن أثر الإمامة في الفقه الجعفري أقل مما يقال عن أثرها في هذه الكتب الأربعة، ففي الكتب مزيد من التأثر بالغلو في عقيدة الإمامة، ومزيد من الكفر والضلال والزندقة.
وإذا كان هؤلاء أعداء الإسلام الذين أرادوا هدمه من الداخل كما يتضح بجلاء من كتبهم وآرائهم ومعتقداتهم فمن الواضح البين أنهم اتخذوا شعار حب آل البيت الأطهار ستاراً لهدفهم وعدائهم، ومن اللازم الذي لا ينفك أبداً أن عداءهم للإسلام وأهله يستتبع عداءهم لآل البيت الأطهار، وهذا العداء يظهر من وقت لآخر من حيث أرادوا كتمانه:
انظر مثلاً إلى زواج عمر بن الخطاب ابنة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، وما سبق من قولهم " ذاك فرج غصبناه "، وقولهم بأن علياً وافق خوفاً من تهديد عمر!
إن أمة الإسلام تعرف علياً الشجاع المقدام الذي لا يخشى أحداً إلا الله عزوجل، والرافضة يصورونه هنا جباناً ذليلاً مهاناً!! وانظر إلى عثمان بن عفان ذي النورين، وهو من آل البيت، وزواجه من ابنتي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم، فلم يراع الرافضة مكانتهما من أبيهما صلى الله عليه وسلم، وأخذوا يتحدثون عنهما بعبارات ساقطة، بل شكوا في نسبهما كما بينا...
ثم انظر إلى حب آل البيت الأطهار للخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله تعالى عنهم:
فهذا علي بن أبي طالب يختار أسماء الثلاثة لثلاثة من أبنائه، وهم أبو بكر الذي قتل بين يدي أخيه الحسين، وعمر، وعثمان الذي قتل أيضاً مع أخيه الحسين.
ومن أحفاد علي بن أبي طالب:
أبو بكر بن الحسن الذي قتل بين يدي عمه الحسين، وعمر بن الحسن الذي قتل كذلك مع أخيه وعمه الحسين.
وعمر بن الحسين الذي قتل بين يدى أبيه.
(انظر معجم رجال الحديث للخوئي، ففيه ترجمة هؤلاء جميعاً) .
أفترى رافضة الأمس أو اليوم يسمون أحد أسماء هؤلاء الثلاثة ؟ أم أنهم ـ لعنهم الله تعالى ـ لا يذكرون أي اسم من الأسماء الثلاثة إلا مع اللعن والتكفير ؟!
كسر الصنم أو تحطيم الصنم
العالم الشيعي المعروف آية الله العظمى البرقعي هاله موقف إخوانه الشيعة من كتاب (الكافي)، على الرغم مما فيه.
وقد بينت أنه قائم على هدم الإسلام كله، بكتابه الكريم، وسنته المشرفة المطهرة، وحماته الصحابة الكرام البررة، متخذاً منهج ابن سبأ اللعين.
فآية الله العظمى البرقعي هاله تقديس إخوانه الشيعة لهذا الكتاب، فألف كتاباً كبيراً أسماه:
(كسر الصنم)، أو (تحطيم الصنم)
والمقصود بالصنم هنا كتاب (الكافي)، ولقد أحسن كثيراً في اختيار العنوان؛ فالرافضة بالنسبة لهذا الكتاب كعبدة الأصنام بالنسبة للصنم، فكما حطمت الأصنام يجب أن يحطم هذا الكتاب الصنم! (124)
فلعل الشيعة يثوبون إلى رشدهم، ويتنبهون إلى هذا الخطر بعد أن نبههم عالم من أكبر علمائهم، نسأل الله جلت قدرته أن يتوب عليهم ليتوبوا. (125)
0 التعليقات: